نظرية الإحراج الإداري

قد يكون من الشائك جداً إطلاق مصطلح نظرية على مجرد تخمين فكري معين. ولكن قد نعود ونفترض أن الإحراج الإداري هو تخمين قابل للدراسة؛ حتى لا نقع في خطا البحث العلمي المبني على ضرورة التفريق بين النظريات والافتراضات. ولأن مصطلح الإحراج الإداري هو مجرد افتراض بالمقابل الأول. إذن فننظر إليه على أنه افتراض قابل للدراسة.

الإحراج الإداري هو مبدأ يتم تطبيقه في منظمات دول العالم الثالث انطلاقاً من ثقافات اجتماعية سائدة، كأسلوب للتعامل مع من ينظر إليهم على أنهم موظفون مشاغبون، وكأسلوب إداري متوارث تنصح به الإدارات السابقة الإدارة الحالية أو ينصح به من مارسوا الإدارة لفترة زمنيه الإدارات الحالية كأسلوب مجرب وفعال للتعامل مع الموظفين الأشقياء أو المشاغبين الذين يزعجون الآخرين بالاعتراضات أحيانا؛ وذلك ناتج من النظر إليهم وكأنهم يمارسون الاستعراض بالآراء ومحاولة "فرد العضلات"؛ لذلك يعتقد متبنو هذا المبدأ في أن أفضل وسيلة لتحجيم هؤلاء الموظفين والخلاص من ازعاجهم هو بإلقاء الأعباء عليهم..قد يكون أبسطها إعادة أفكارهم إليهم، فيقال للموظف المصنف كمشاغب: اكتب تقريراً عن هذا. حلل هذا وابعثه لي.  طور هذا. صمم. اكتب. اجمع. اعرض، وهكذا

هذه الوسيلة المتوارثة ليست بالضرورة مطبقه من جميع الذين يمارسون الإدارة المباشرة للآخرين. لكنه أسلوب يُنصح به غالباً.. وهو مرغوب في كثير من الأحيان، ومثنياً عليه من قبل أولئك الذين جربوه ووجدوه نافعاً.

هنا سأحدثكم عن سلبياته وعن علاقته بنوعيات الموظفين. هذا الأسلوب الذي يُظن أنه وسيلة للخلاص من استعراضات الموظفين ما هو إلا وسيلة عقيمة يُقضى فيها على الكثير من الأفكار التي قد تكون مجديه. وقد يكون لها دور كبير في التطوير والتجديد، كما أن مطالبة من يقترح الأفكار بأن ينفذها هي وسيلة أيضا أقرب للفشل منها إلى النجاح، فليس بالضرورة من يقترح بعض الأفكار الناجحة هو قادر على تنفيذها أو نقلها من فضاء الخيال إلى أرض الواقع. كثير من الأفكار التي استُثمرت في تطوير البشرية والحضارة الإنسانية لم يكن منفذوها هم مقترحيها؛ بل إن العكس يحدث في كثير من الأحيان. إذن لهذا الأسلوب أضراره أكثر من منافعه، وله دوره السلبي في دفع الموظفين إلى تجنب الاقتراحات خوفاً من الاحراج أو الفشل في تقديم المطلوب أو الوقوع في التنميط السلبي من قبل الإدارة. كان يوصف الموظف بأنه "غثيث"، و"مزعج"، وغيرها. هذه الاتجاهات السلبية لدى من يعمل بالإدارات المباشرة مثيرة للاستغراب؛ حيث إن محاولة الفكاك من "غثاثة" الآخرين أمر لا يمكن الجمع بينه وبين الفعالية في إدارة الآخرين، فمن يديرهم يجب أن يكون لديه القدرة في المقام الأول على تحمل كافة أنواع الموظفين؛ بل ومساعدتهم على إخراج أفضل ما عندهم، وليس العكس بدفعهم إلى الخوف والتراجع في أداءهم.

أما عن العلاقة بين مدى فعالية نجاح أسلوب الإحراج الإداري ونوعية الموظفين، فحدث ولا حرج. غالباً هذه الوسيلة تنجح مع الموظفين الأبسط والأقل ثقة في الذات، والأكثر حساسية للنقد، والأكثر حساسية لآراء الآخرين حولهم. والأكثر تخوفاً من التنميط السلبي والأكثر تخوفاً من الفشل أيضا. هؤلاء الموظفون الذين يكونون فريسة سهلة للتقييد والتحجيم والاضطرار إلي الاحتفاظ بالآراء والمقترحات التي قد تكون لها الفائدة القصوى للعمل.

في النهاية، فإن إدارة الآخرين ليست أمراً سهلاً يمكن أن ينجح فيه الجميع؛ بل هو محفوف بالكثير من المحاذير، والتي قد يكون أولها أن يكون لدى من يعمل بالإدارة المباشرة-وهي الإدارة التي تتعامل مع الموظفين بشكل مباشر-المهارة في التعامل مع كافة الأنماط، واستخراج أفضل ما لديهم دون أن تكون إحدى وسائله إحراج الآخرين، ودفعهم للتردد عن عرض مقترحاتهم مهما كان شكلها ونوعها.​​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة