تطرحه ورقة بحثية مترجمة للعربية لـ«إرديلي» و«سميث» مقترح دولي لتنظيم وحوكمة الذكاء الاصطناعي

​​

 أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي منتشرة بشكل متزايد في المجتمع البشري؛ نظرًا لأنها تؤثر فعليًا على جميع جوانب حياتنا، ولها الكثير من الفوائد التي لم يكن من الممكن تصورها سابقًا، حتى أنها أضحت عماد الحياة العصرية والرهان المتعظم في نهضة الدول وبناء حاضرها ومستقبلها. وقد أولت المملكة اهتمامها بهذه التقنيات، فحصلت على المركز الأول عالميًا في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي، وهو أحد مؤشرات التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن تورتويس انتليجينس «Tortoise Intelligence» الذي يقيس أكثر من 60 دولة في العالم. وبالرغم من هذه الأهمية الحضارية للذكاء الاصطناعي إلا أن البعض يرون أن هناك العديد من التحديات، ولا سيما النظامية على عدد من المستويات، كالقانونية، والاقتصادية؛ لذلك فإنهم يرون ضرورة تنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث طُرحت بعض الاقتراحات والحلول، والتي من بينها موضوع الورقة البحثية المقدمة من كل من: «أوليفيا جي إرديلي»، و»جودي جولد سميث»، بعنوان: «تنظيم الذكاء الاصطناعي: اقتراح لحل عالمي»، والتي قامت بترجمتها للعربية أ.أمل بنت جزاء العتيبي، وتم نشرها مؤخرًا في مجلة «الإدارة العامة» الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي نستعرض أبرز محاورها.

 

3 فرضيات

تجمل هذه الورقة رؤيتها بالتأكيد أنه مع انتشار الذكاء الاصطناعي في المجتمعات الحديثة، تعمل الدول المختلفة والمجتمع الدولي بجد لتهيئة بيئة تنظيمية تدعم الابتكار وآمنة في الوقت ذاته. فالتنظيم المناسب هو الأساس لتعظيم فوائد وتقليل مخاطر انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي. إضافة إلى أن تطوير الأطر التنظيمية يمثل تحديًا حقيقيًا؛ نظرًا للامتداد العالمي للذكاء الاصطناعي، وتداعياته، بسبب وجود مفاهيم خاطئة واسعة الانتشار حول مفهوم التنظيم. وانطلاقًا من هذا التوجه تقدم تلك الورقة 3 فرضيات، كالتالي:

بناءً على الدراسات متعددة التخصصات، تظهر أن التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لا يمكن مواجهتها بشكل فعَّال دون تنسيق دولي تدعمه حوكمة قوية على مختلف الأصعدة، محليًا وإقليميًا ودوليًا.

تقترح الورقة إنشاء إطار حوكمة دولي للذكاء الاصطناعي لقيادة المبادرات لإنشاء بيئة تنظيمية عالمية.

لا بد من تسليط الضوء على تحديات التواصل التي ترى الورقة أنها تعد حواجز تم التقليل من شأنها، ولكنها تعيق الجهود الحديثة لتطوير الأنظمة التنظيمية للذكاء الاصطناعي.

3 قضايا

ولمناقشة وبحث هذه الافتراضات السابقة، تركز هذه الورقة البحثية على 3 قضايا مترابطة ومهمة تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وهي:

لماذا تتطلب طبيعة سن القوانين تنسيقًا دوليًا؟

أهمية الهيكل التنظيمي وتصميم الحوكمة في تحديد جودة التنظيم، حيث لا يمكن معالجة التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلا من خلال التنسيق الدولي وإجراء تنظيم الحوكمة على الصعيدين المحلي والدولي.

تسليط الضوء على بعض تحديات التواصل العملية التي تعيق تطوير سياسة الذكاء الاصطناعي المعاصرة.

وتجدر الإشارة إلى أن تحليل “إرديلي" و"سميث" يعتمد على مزيج متعدد التخصصات من الدراسات التي أُجريت في مجالات: العلاقات الاجتماعية والقانونية والعلاقات الدولية والنظرية التنظيمية، والاقتصادية ذات الصلة. كذلك فإن الجهود المبذولة لتطوير سياسات الذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون منذ البداية منسقة ومدعومة من خلال أطر حوكمة وطنية وإقليمية ودولية مناسبة لتجنب المخاطر وأوجه عدم الكفاءة الناتجة عن التفاعل غير الكامل للوائح التنظيمية المحلية.

4 توجهات رئيسية

وتُلخص الورقة البحثية مساهمات الباحثين والدراسات والأوراق المعنية بقضية تنظيم الذكاء الاصطناعي، عبر 4 توجهات رئيسية، وهي:

1-              اقتراح وضع إطار حوكمة عالمي للذكاء الاصطناعي بواسطة تخصصات متعددة، بحيث يكمل وينسق جهود سياسة الذكاء الاصطناعي المحلية والإقليمية.

2-              تحليل ديناميكيات عمليات وضع القواعد والمعايير العابرة للحدود التي تؤثر على اختيارات الجهات الفاعلة لتنظيم الحوكمة وشرعية القواعد التي تنتجها تلك الأطر.

3-              اقتراح إنشاء إطار حوكمة عالمي للذكاء الاصطناعي مدعومًا بتقييم مبسط للأثر على البنية التنظيمية وخيارات تصميم الحوكمة.

4-              مناقشة تحديات التواصل العملية التي تعيق الجهود التنظيمية والسياسات الحالية للذكاء الاصطناعي.

قوانين عابرة الحدود

وتسلط الورقة البحثية الضوء على ديناميكيات سن القوانين العابرة الحدود، إذ إنه استجابة للعولمة الاقتصادية والثقافية؛ بذلت الدراسات القانونية والعلوم السياسية وعلم الاجتماع العديد من المحاولات لتصوير عمليات مختلفة من التنظيم الاجتماعي العابر للحدود. ومن الأمثلة على ذلك المفهوم القانوني التقليدي المتمحور حول الدولة كمصدر للقانون الدولي. وقد طرح بعض الخبراء والمعنيين عددًا من المفاهيم في هذا الصدد، والتي من بينها ما طرحه “هاليداي" و"شافير" وهو مفهوم “النظام القانوني العابر". الجدير بالذكر أن هذه الورقة البحثية تؤصل استعراضها تلك الديناميكيات، من خلال مناقشة كل من: محددات تنظيم الحوكمة الدولية، والتفاعل وإضفاء الطابع المؤسسي على القواعد القانونية.

مقترح دولي

وتقدم الورقة مقترحًا لإطار حوكمة دولي للذكاء الاصطناعي، يعتمد على 3 مرتكزات، أولها المستوى المطلوب لإضفاء الطابع الرسمي المؤسسي. والثاني يتمثل في إلقاء نظرة عامة على الجهات الفاعلة الرئيسية الحالية للذكاء الاصطناعي، والتي تتحدد في 4 جهات هي: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) مرصد سياسة الذكاء الاصطناعي، ومنظمة اليونسكو (UNESCO)، ومؤسسة الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي (GPAI)، والمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF). والمرتكز الثالث يبرز الهيكل التنظيمي وتقييم تأثير تصميم الحوكمة، والذي ينظر بعين الاعتبار إلى الخيارات عالية المستوى فقط فيما يتعلق بالتصميم العام لإطار حوكمة دولي للذكاء الاصطناعي، والتي يمكن تمييز 3 خيارات من بينها، الأول وهو عدم اتخاذ إجراءات، والثاني هو إنشاء إطار حوكمة دولي مركزي للذكاء الاصطناعي، والخيار الثالث يتعلق بإنشاء إطار حوكمة دولي لامركزي للذكاء الاصطناعي.

3 خلاصات مهمة

وتختتم الورقة البحثية موضوعها بالتأكيد أنه نظرًا للنشاط العالمي المكثف في مجال تنظيم الذكاء الاصطناعي؛ فقد سلطت الضوء على 3 قضايا تنظيمية رئيسية لمساعدة صانعي السياسات المحليين والدوليين في تصميم أنظمة تنظيمية متطورة للذكاء الاصطناعي تحفز الابتكار الآمن. الأولى تتعلق بالمواجهة الفعالة للتحديات من خلال جهود تنظيمية منسقة دوليًا. أما القضية الثانية فتؤكد أن الهيكل التنظيمي وتصميم الحوكمة لأي نظام تنظيمي يحدد بشكل حاسم فعالية وشرعية أي قواعد ينشئها، وأن هذا الهيكل يحث على وضع إطار حوكمة دولي لتبسيط وتنسيق جهود صنع السياسات العابرة للحدود المحلية. بينما تتركز القضية الثالثة في جعل الصورة الذهنية لعامة الناس حول التنظيم تتماشى مع الواقع التنظيمي الحديث، والذي إذا تم بشكل صحيح فلن يعيق الابتكار.

 

 

​ 

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة