كن لطيفاً في العمل..تكن أكثر سعادة وأقل توتراً

​​​​​وسط انشغالاتنا اليومية وتطلعاتنا الكبيرة، هل نفتقد في بيئة العمل اللطف واللباقة؟ وهل اللطافة في العمل تعتبر أمراً ساذجاً؟ وهل الموظف اللطيف مع زملائه هو ضعيف شخصية؟ تساؤلات طرحتها جامعة "أوكسفورد" البريطانية في دراسة حديثة، تناولت العلاقة بين اللطف والسعادة في العمل. كشفت من خلالها أن اللطافة في العمل من أهم الصفات التي تؤثر بطريقة إيجابية على الصحة النفسية للموظفين، خصوصا إذا تم تبنيها عن اقتناع، ودون أن تنتظر شيئًا من الآخرين.

 

هذه الدراسة حلل القائمون عليها أكثر من 400 ورقه مرتبطة باللطف في العمل؛ وجاءت 21 منها لتتناول أهمية القدرة على القيادة، وكيف نكون أكثر سعادة؟ إضافة إلى كيفية تحسين مستوى الإنتاجية في محيط العمل، من خلال طرق مختلفة، أهمها ما يلي:

- التقدير واللطافة يلهمان الزملاء الآخرين.

- أن تكون لطيفاً مع مَن حولك والاحتفاء بنجاحات الآخرين في العمل؛ يحفزهم ويعزز انتاجيتهم وولائهم.

- اللطف يلهم الموظفين بذل مزيد من الجهد والحماس؛ ليكونوا في المرتبة الأولى والنهوض فيما يقومون به، وهذا ينعكس على زيادة في الأجور والترقيات والتدريب والاستقلال الذاتي.

- التواصل اللطيف يقود لأفكار عظيمة.

- وجود موظفين لطفاء بمحيط العمل يسهٍل من التواصل مع الآخرين؛ لأنه يكون مبنيًا على الثقة والإخلاص، ويسهٍل الوصول للمعلومات والمعارف عبر هذه الشبكة التي تكون اللطافة فيها مفتاحًا لتحقيق وتسهيل أية مهمة.

- الذين يتسمون باللطف في العمل ويشغلون مناصب عليا؛ هم أكثر من يقوم بالاستماع لآراء الآخرين ومتابعة عملهم وتقدير أفكارهم والتعامل بلطف، أما التعامل بقسوة وحدية؛ فإنه يؤدي لفقدان رغبة الموظفين في العمل والانجاز.

الآثار الصحية

ولكن هل اللطافة أمر يمكن تعلمه وتعليمه للآخرين أم هي قدرات ذاتية؟ يقول العلماء إنها استجابة ذاتية، ويمكن اكتسابها من بيئة العمل للرغبة الحقيقية في المساعدة ومراعاة المشاعر والاحتياجات، وهي أيضا معدية؛ فمن آثارها الإيجابية التي يختبرها الدماغ تُحسٍن الحالة المزاجية وتمنح الموظف دفعة للأمام، ما يعني أنها تجعله أشبه بالدومينو، ومحركًا لعشرات الأشخاص الآخرين. فبمجرد تصرف أو بادرة بسيطة تحمل اللطف تعزز هرمون الحب؛ مما ينتج عنها إفراز الجسم هرمون "الأوكسيتوكاين"، والذي يشار له بـ "هرمون الحب" الذي يساعد على خفض ضغط الدم وتحسين صحة القلب. كذلك يفيد "الأوكسيتوكاين" في زيادة الثقة بالنفس ويعزز التفاؤل، ويكون نافعاً في المناسبات الاجتماعية التي تصيبنا بالتعب أو الخجل. كما إن كون الموظف لطيفاً بحضوره وتصرفاته؛ يمنحه شعوراً بالطاقة والحيوية، خاصة بعد مساعدة الآخرين، ويخفف من شعوره بالاكتئاب ويجعله أكثر هدوءا، مع زيادة تقديره لذاته بشكل أكبر، ما يعني ثقة أكبر بالنفس.

نشوة العطاء

ووفقا لبحث حديث قامت به جامعة "أموري" الأمريكية عن السعادة في العمل؛ تبين أنه حين تكون لطيفًا نحو شخص آخر، فإن مناطق المتعة والسعادة في الدماغ تعمل بجد، كما لو أنك كنت متلقيًا لعمل جيد، أي إن الأثر نفسه على الطرفين. وهذه الظاهرة تعرف بـ "نشوة العطاء". كما أن مادة "السيروتونين" التي تعمل كمضاد للاكتئاب، يفرزها الجسد في حالات التعامل بلطف؛ وأثر ذلك هو الشفاء من الجروح النفسية وتهدئة الفرد وجعله سعيدا.

نوع من السذاجة

لكن لماذا يعتبر الكثير من الناس صفة اللطف في التعامل مع الآخرين نوعاً من السذاجة وضعفاً في الشخصية؟ عن ذلك ناقشت دراسة قام بها مجموعة من الباحثين في اليابان أفادت أن البعض يرى اللطف سذاجة، وأن الجدية مهمة في بيئة العمل. وكشفت الدراسة أن اللطف مطلوب في بيئة العمل كمعاملة وممارسة يومية؛ كي يُحفز على السعادة وليس ضعفاً، حيث أُجريت الدراسة على 175 مشاركًا، طُلب منهم الكتابة عن عشرة أحداث أثرت على نفسيتهم بشكل إيجابي؛ وخرجت الدراسة بنتيجة أن الموظفين الأكثر سعادة هم الذين يتخذون اللطف كنوع من الممارسة اليومية في حياتهم.

تقدير أفضل للذات

وإذا كان اللطف يجعل الناس أكثر سعادة وأقل توترًا واكتئابًا، فإنه من المنطق أن يُحسٍن نظرة الشخص إلى نفسه. فقد قامت الطبيبة النفسية "سونيا ليبوميرسكي" في جامعة "ستانفورد" الأمريكية بتقسيم طلبتها إلى قسمين لمدة 10 أسابيع، حيث جعلت القسم الأول يقوم بأعمال الإيثار ومساعدة الغير، وبعد انتهاء 10 أسابيع؛ وجدت أن القسم الأول الذي تصرف بلطف خلال مدة الدراسة أحسن مزاجًا من الثاني، وأكثر تقديرًا للذات.

أشخاص ضعفاء

لكن لماذا كثيراً ما نخشى الظهور كأشخاص ضعفاء؛ إذا ما تصرفنا بلطف في العمل؟ هذا الأمر هو خطأ شائع-بحسب ما يقول الفيلسوف الفرنسي "إيمانيول جافلين" المهتم بتطوير الذات في كتابه "المديح واللطف في مجال الأعمال"-فمن الطبيعي أن تفتح الباب لزميل لكنه لم يرد على الأمر بابتسامة أو إنك ساعدت زميلاً في عمل ما دون أن يعود ويشكرك؛ لأن الحياة العملية هي رمز للطف والتعاطف.

ويضيف "إيمانيول جافلين": "كثيراً ما يخشى المرء أن يظهر ككائن ضعيف عن طريق التصرف بشكل جيد، فكلمة اللطف لا تعني الضعف بل النبل، وفتح الباب لشخص لا يسمح لك بالمرور قبله هو عمل نبيل وأخلاقي. وكثيرًا ما نتحدث عن اللطف في مجال الأعمال، ويعني هذا المصطلح التسلسل الهرمي، واللطف هو تقديم المساعدة لأحدهم دون طلب مقابل".

ويؤكد "إيمانيول جافلين" أن اللطف هو القوة المعنوية، وليس واجباً. فإذا أردت أن تظهر صدقيتك وإنسانيتك للآخر؛ عليك أن تظهر أنك تتمتع بالقدرة على النظر إلى الآخرين؛ فأنت قوي في مجال العمل لأنك لطيف وليس لأنك مجبر على ذلك.​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة