عربة الموسيقى.. كيف تستخدم في عالم الإدارة والأعمال؟

إعـداد/ د.أحـمد زكـريـا أحـمد​​​​​​​​

يميل الكثير من الشركات والناس إلى تقليد بعضهم البعض؛ ربما بسبب نجاحهم، أو الخوف من المجازفة، والفشل، وغيرها من الأسباب التي تؤكد أنهم يتأثرون بـ"عربة الموسيقى". هذه الظاهرة المنتشرة في عالم الإدارة والأعمال والتسويق، وبالطبع في حياتنا العادية كأفراد. فكلما زاد عدد الذين يتبنون اتجاهًا معينًا؛ زاد احتمال أن يقلدهم الآخرون ويقفزون أيضًا داخل هذه "العربة". ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن هذه الظاهرة تنتشر انتشارًا مذهلًا بين الشركات والمنظمات المختلفة، كتبنيها التقنية، واستراتيجيات التسويق المختلفة، ورغبتها في تحقيق الميزة التنافسية. كذلك تنتشر في الحياة بصفة عامة في العديد من المجالات، كالموضة، والموسيقى، ومواقع التواصل الاجتماعي، والأنظمة الغذائية "الرجيم". ولذلك فإن التساؤلات المهمة المطروحة هنا: ما هي "عربة الموسيقى"؟ وما مدى تأثيرها في مجال الإدارة والأعمال؟ وهل هناك تطبيقات ونماذج وأمثلة لها؟ هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عليها في هذا التقرير.

 

المهرج

بحسب مدونة "أدكوك سوليوشنز"، فإن "عربة الموسيقى" هو مصطلح نابع من عبارة "القفز في العربة" الذي ظهر لأول مرة عام 1848م في دهاليز الانتخابات والسياسة الأمريكية؛ عندما استخدم "دان رايس"-وهو مهرج سيرك مشهور ويحظى بشعبية-في ذلك الوقت عربة السيرك والموسيقى المصاحبة لها لجذب الانتباه لظهوره على مسرح السياسة الأمريكية خلال حملته الانتخابية. فقد بدا أن الذين يتعاطفون معه ويؤيدونه يقفزون إلى هذه العربة، مع الآخرين داخلها، فيقلدونهم ويتمايلون مع الموسيقى؛ تعبيرًا عن تأييدهم له.

التسويق والتقليد

وتخلص "أدكوك سوليوشنز" التي تبرز كيفية توظيف واستخدام "عربة الموسيقى" في عالم الإدارة والأعمال، ولا سيما مجال التسويق، إلى أن هذا المصطلح يشير إلى نوع من التحيز المعرفي؛ حيث يميل الناس إلى فعل، أو القيام بشيء؛ لمجرد أن أشخاصًا آخرين يفعلونه، بغض النظر عما إذا كان ذلك يتسق مع معتقداتهم الأصلية أم لا. وهو ما يتضح من خلال بعض الأمثلة، كالتالي:

  1. الأغذية والعصائر والمشروبات: غالبًا ما يختار المتسوقون العصائر والمشروبات التي تبدو على أرفف المحلات والأسواق أنها على وشك النفاذ بسبب إقبال الآخرين على شرائها؛ لأن هذا يشير بالتأكيد إلى أنها تحظى بإقبال الناس على علاماتها التجارية؟ في النهاية، يتم إقناع المتسوقين بالشراء لأن المتسوقين الآخرين قد اشتروا قبلهم.
  2. الموضة وعالم الملابس والأزياء: يتأثر الكثير من الناس بالمشاهير فيما يتعلق بملابسهم؛ فيتبنون نمطًا معينًا من الملابس، والتي يدركون أن الناس يفضلونها.
  3. مواقع التواصل الاجتماعي: تعتمد المنصات الجديدة للتواصل الاجتماعي على تأثير "عربة الموسيقى"؛ للسيطرة على السوق، فمثلًا منصة "تيك توك" التي لاحظنا جميعًا أنه مع تزايد عدد مستخدميها والإقبال عليها؛ قفز آخرون على "العربة" واستخدموها أيضًا، كنوع من تقليد الآخرين في بداية الأمر.

التقنية وعملاء المنظمات

وبحسب موقع "إفيكتيفيولوجي"؛ يمكن أن تؤثر "عربة الموسيقى" على تبني وتنفيذ المنظمات للتقنيات الجديدة-فعلى سبيل المثال-انتهى الأمر بالعديد من الشركات في سوق الضيافة إلى تطبيق ميزات جديدة على مواقع الويب الخاصة بهم فقط؛ عندما أصبح من الشائع القيام بذلك، على الرغم من حقيقة أن تبني منظماتهم هذه التقنيات في وقت سابق كان من الممكن أن يمنحهم ميزة تنافسية في السوق. كذلك نلاحظ تأثير هذه "العربة" على قرارات المستهلكين والعملاء فيما يتعلق بالمنتجات التي يجب شراؤها-فعلى سبيل المثال-غالبًا ما يشتري الأشخاص نفس نوع الملابس التي يرتديها الآخرون الذين يعرفون أنهم يرتدونها؛ لأنهم يريدون إظهار أنهم أكثر متابعة لأحدث اتجاهات الموضة.

فقاعات "دوت كوم" و"أسعار"

وتبرز وسائل ومواقع إعلامية ودراسات حديثة أنه قد تكون أسواق الاستثمار والأسواق المالية معرضة بشكل خاص لتأثيرات "عربة الموسيقى"؛ لأنه لن يحدث فقط نفس النوع من العوامل الاجتماعية والنفسية واقتصاد المعلومات، ولكن بالإضافة إلى ذلك تميل أسعار الأصول إلى الارتفاع مع زيادة عدد الأفراد في "العربة"؛ وهو ما يمكن أن يخلق حلقة من ردود أفعال إيجابية من ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب على الأصول، كما أوضحها "جورج سوروس"-على سبيل المثال-خلال فقاعة الـ"دوت كوم" في أواخر التسعينيات، حيث ظهرت العشرات من الشركات الناشئة في مجال التقنية التي ليس لديها خطط أعمال قابلة للاستمرار، ولا توجد منتجات أو خدمات جاهزة للتسويق. وفي كثير من الحالات، لا شيء أكثر من مجرد اسم، عادةً شيء ما يبدو سهلاً للتكنولوجيا مع ".com" أو".net". وبالرغم من ذلك، جذبت هذه الشركات ملايين الدولارات الاستثمارية في جزء كبير منها؛ بسبب "عربة الموسيقى".

ويوضح موقع معهد "CFI" أن فقاعات الأسعار تحدث غالبًا في الأسواق المالية؛ حيث يستمر ارتفاع أوراق مالية إلى ما بعد النقطة التي تبررها الأساسيات؛ مما يتسبب في المبالغة في تقدير قيم هذه الأوراق. ويقبل العديد من المستثمرين على شراء الأوراق المالية المُزايدة على الأسعار، والتي في المقابل تجذب المزيد من المستثمرين.

نماذج مشهورة

يوضح "آرون بروكس"-من خلال الموقع الإلكتروني لشركة "Venture Harbour"-تأثير عربة الموسيقى" من خلال الاستعانة بـ 7 طرق مهمة؛ اخترنا منها أبرز 3 نماذج توضح هذا التأثير وتوظيفه في عالم الإدارة والتسويق والأعمال، وهي:

  • إبراز جمهور ومشاهير يفضلون منتجات/خدمات الشركة: إن أسهل طريقة لإثارة تأثير عربة الموسيقى على العملاء المحتملين هي أن توضح لهم حرفياً الأشخاص الذين يستخدمون ويفضلون منتجات شركتك، وذلك باستخدام الصور الموجودة على الموقع الخاص بالشركة على الإنترنت، ومن خلال مقاطع الفيديو الترويجية التي يتم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر للناس الاستمتاع بأفضل ما تقدمه علامتك التجارية. كذلك يمكن استخدام منتجات الشركة عبر مشاهير (المؤثرين) هذه المواقع والإنترنت، مع حشد من المتابعين وإظهار مدى استمتاعهم بهذه المنتجات، مع العلم أنهم سيقفزون في هذه العربة؛ حتى يصبحوا كهؤلاء المشاهير. فقد تمكنت البريطانية "جينيفر توفن" من أن تقنع متابعيها بأن سفرها الدائم أصبح أسلوب حياة مع العلامات التجارية لشركات مختلفة، وهو ما استطاعت أن تفعله بجمهور يبلغ 2,7 مليون شخص، كانوا يحلمون بتقليدها (ركوب عربة الموسيقى).
  • ابتكار أسلوب اندفاع الذهب للمنتجات/الخدمات المقدَمة: وهو أسلوب ناجح وفعال، خاصة مع العلامات التجارية الموجهة نحو الأعمال والخدمات. فقط ضع نفسك كفرصة يتهافت عليها الناس للحصول على حصتهم منها، وخير مثال على ذلك هو العملات الرقمية، كـ"البتكوين"؛ التي يتسابقون حاليًا من أجل اقتناصها وتحقيق الأرباح الكبيرة منها، وهو ما يُعرف حرفيًا باندفاع الذهب الرقمي للقرن الحادي والعشرين.

الاعتماد على التخويف لإيصال الناس إلى عربة الموسيقى: تكتيك كلاسيكي تستخدمه شركات التأمين والمقرضون وجميع أنواع الشركات المالية. وبالرغم من احتمالات أن الجمهور لن يتعرض للسطو على الإطلاق، وعدم تعرضهم لحوادث، أو إصابات، وغير ذلك؛ إلا أن الخوف يدفعهم إلى شركات التأمين.


​​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة