سوق المال السعودية بحاجة إلى ضبط الاستثمار الفردي والتداول وإعادة التوازن

​تمتلك المملكة العربية السعودية اقتصاداً متطوراً وضخماً يمثل ما يزيد على 25% من حجم الاقتصاد العربي ويحتل المرتبة 19 عالمياً؛ فأصبحت عضواً فاعلاً بمجموعة العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم. كما عملت المملكة على تنويع مصادر دخلها وذلك منذ إطلاق أول خطة خمسية تنموية لها عام 1970م، وهو الهدف الذي توليه رؤية المملكة 2030 أهمية خاصة. وهذه البنية الاقتصادية السعودية الهائلة؛ أدت إلى وجود سوق مالية فتية منذ إنشائها عام 1984م، وتطورت هذه السوق تطوراً مستمراً، من خلال تحديث أنظمتها التشغيلية بما يضاهي ما عليه الوضع بالدول المتقدمة. وقد تضاعفت القيمة السوقية للأسهم من خلالها بشكل كبير، حيث قفزت رسملتها إلى ما يزيد عن 2,4 تريليون دولار بنهاية عام 2005م على سبيل المثال. إلا أنها ما زالت تواجه عدداً من التحديات؛ وفي ضوء ذلك فإن إبداء المقترحات الهادفة للتغلب على هذه التحديات أمراً مهماً، وهو ما نطالعه معكم بين طيات صفحات كتاب مهم أصدره معهد الإدارة العامة لمؤلفه د.عبدالله خالد بن ربيعان، وهو بعنوان: "سوق المال السعودية: نشأتها وأداؤها وكفاءتها".

الاستثمار الأجنبي والهيئة

تتنوع موضوعات الكتاب عبر مقدمة، و5 فصول مختلفة، فيستعرض طوال صفحاته البالغ عددها 216 صفحة بالوصف والتحليل سوق المال السعودية ومراحل تطور مؤشراتها، وأنظمتها وتشريعاتها عبر الزمن، فهو موجه إلى الباحثين والمتخصصين ومتخذي القرار وطلاب الاقتصاد والمالية كمصدر مهم للمعلومات الخاصة بموضوعه.

يشير الكتاب في مقدمته إلى محطة مهمة ضمن محطات هيئة سوق المال السعودية، وهي السماح عام 2015م للاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم السعودية، حيث كان التداول قبل هذا التاريخ مقصوراً على المواطنين السعوديين ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي، والمقيمين من الأجانب داخل المملكة، ولم يكن مسموحاً للاستثمار الأجنبي إلا بالتداول غير المباشر من خلال صناديق الاستثمار العاملة في السوق السعودية. كذلك فإن إنشاء هيئة السوق المالية في عام 2003م من أهم القرارات التي دعمت تطوير وتحديث السوق المالية؛ حيث أُسند للهيئة مهمة الإشراف على تنظيم وتحديث هذه السوق منذ انطلاقها تحت إشراف وإدارة مؤسسة النقد العربي بأربعة قطاعات، وشركات مساهمة بلغ عددها 48 شركة.

شركة "تداول"

يركز الفصل الأول من الكتاب على الجانب النظري لسوق المال بصفة عامة، فهو عبارة عن مدخل لأسواق المال، فيقدم لنا تعريفاً لها، وتقسيماتها، ومهامها، والشروط الواجب توافرها لقيامها، والمشاركون فيها، ودورها في الاقتصاد الكلي، وأدواتها.

ويصحبنا الفصل الثاني إلى "سوق المال السعودية"، فنتعرف على تاريخها من حيث: نشأتها وتطورها، واللوائح التي أصدرتها هيئة سوق المال السعودية، وإنشاء شركة "تداول" عام 2007م برأسمال 1200 مليون ريال سعودي، وتسعير الأسهم ونسب التذبذب. كذلك نتعرف على تغيير أيام وساعات التداول في سوق المال السعودية، وتغيير عمولة التداول فيها، والسماح للمقيمين بالاستثمار فيها واتفاقية المبادلة، ومعايير طرح الشركات في سوق التداول. كما نقترب من جزئيتين مهمتين وهما: صناديق الاستثمار في المملكة، وسوق الصكوك والسندات في المملكة.

3 مراحل والفقاعة

ويخصص د.عبدالله بن ربيعان الفصل الثالث من الكتاب لتحليل "أداء سوق المال السعودية"، من خلال استعراضه 3 مراحل مرت بها كالآتي: مرحلة الافتتاح والنمو المستقر (1985-2000م) وقد تمثلت أبرز الملاحظات على أدائها في هذه المرحلة فيما يلي: ضعف التداول بشكل عام خلال السنوات الأولى لافتتاح السوق، وتشتت جهود تنظيم ومراقبة السوق بين 3 جهات (وزارة المالية، ووزارة التجارة، ومؤسسة النقد العربي السعودي)، والاقتصار على تداول الأسهم فقط دون غيرها، وسيطرة المضاربات على السوق، وصغر حجمها وعمقها، وعدم تأثرها بأزمة الأسهم العالمية عام 1987م.

وتعد المرحلة الثانية هي مرحلة النمو الكبير (2001-2006م) حيث إن عام 2006م يسمى بـ"عام انفجار الفقاعة". وحتى يكون القراء على علم بهذه الفقاعة؛ فإن الفقاعة تحدث عادة حينما ترتفع أسعار الأسهم فوق قيمتها الجوهرية بشكل مغالٍ فيه، وقد كان السبب الحقيقي في انفجار تلك الفقاعة هو سلوك المضاربة وتضخم أسعار الأسهم، وكان تأثير انفجارها قوياً على الشركات الصغيرة، وكان تأثيرها واضحاً على أداء السوق خلال العام التالي لانفجار الفقاعة أي عام 2007م. وقد لاحظ د.بن ربيعان سيطرة الاستثمار أو التداول الفردي على سوق الأسهم السعودية خلال هذه الفترة. والمرحلة الثالثة هي مرحلة التذبذب الكبير في مؤشرات السوق (2007-2015م)، فقد لاحظ المؤلف أن المؤشر العام سجل أقل مستوياته عام 2008م، وشهد السوق طرح عدد كبير من شركات التأمين، وأن الحصة الكبرى من أسهم الشركات الكبيرة، مثل سابك والاتصالات والبنك الأهلي التجاري، بقيت خارج التداول.

الكفاءة والتحديات والمقترحات

ويتناول د.بن ربيعان في الفصل الرابع "كفاءة السوق المالية السعودية"، والتي تتعلق بقدرتها على تعديل أسعار الأصول المتداولة فيها بصورة سريعة تبعاً لوصول معلومات جديدة تؤثر على أسعار هذه الأصول. وفي هذا الفصل يتحدث الكتاب عن مفهوم كفاءة السوق المالية، ونشأتها، وأقسامها، وشروطها، وأهميتها، وأشكالها أو صيغها، والأساليب الإحصائية المستخدمة لقياس الكفاءة الضعيفة في السوق المالية، والاختبارات الإحصائية للنوع شبه القوي للكفاءة.

ويختتم المؤلف كتابه بالفصل الخامس وموضوعه "تحديات سوق المال السعودية ومقترحات التطوير"، فيقسمه لقسمين: يركز في الأول على أبرز التحديات والعوامل السلبية المؤثرة على سوق المال، والتي يجملها في نوعين من التحديات هما: التحديات الهيكلية (كبر حجم التداولات الفردية، وضعف الوعي الاستثماري عند المتداولين، وضعف عمق السوق)، وتحديات تتعلق بالأنظمة (ضعف المعايير المطبقة، وضعف تطبيق الحوكمة، وعدم وجود أنظمة تسمح بالإدراج والتداول المزدوج للشركات). وأما بخصوص أبرز المقترحات لتطوير سوق المال السعودية فتتمثل في الآتي: تقليص الاستثمار الفردي في السوق تدريجياً، وتقليص ملكية الصناديق الحكومية وشبه الحكومية لأسهم الشركات الكبيرة في السوق، وتطوير عمل الصناديق الاستثمارية في السوق، وإيجاد سوق متطورة للمشتقات، وإيجاد صانع للسوق لإعادة توازنها كلما جنحت عنه، وحماية الأقلية من المساهمين من صغار المستثمرين وحملة الأسهم، ومعالجة ضعف التداولات في سوق الصكوك والسندات، وإعادة النظر في السماح للشركات بشراء أسهمها بنسب محددة (5 أو 10%)، وتشجيع ودعم الاندماج بين الشركات الصغيرة، وحضور هيئة سوق المال في المشهد يومياً للرد على الاستفسارات أو تفنيد وتصحيح أي معلومات مغلوطة أو شائعات، وإيجاد آلية لحل مشكلة نقص الحوكمة في الشركات المساهمة، والسماح بالتداول المزدوج للشركات السعودية في أسواق مالية أخرى، وتكثيف الدراسات والبحوث العلمية لتتبع وتحديد تحسٌن درجة كفاءة السوق خلال مدد قصيرة، وسن قوانين للتعامل مع الشركات التي تعلن إفلاسها وتلك التي يتم تصنيفها.​


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة