إنترنت الأشياء والتحول الرقمي

ساعدت الإنترنت منذ بداية انتشارها في الثمانينيات، ومنذ ظهور الشبكة العنكبوتية العالمية في أوائل التسعينيات، في إعادة تعريف عدد من المجالات، كالإعلام، والسفر، وتجارة التجزئة، والتمويل، بالإضافة إلى الخدمات الحكومية. وفي عصرنا الحالي تُعتبر إنترنت الأشياء (IoT) موجة أخرى من التحول الذي يمكن أن يعيد تعريف العمليات وممارسات الأعمال في القطاعين الخاص والحكومي، وفي مجالات مختلفة، كالطاقة، والصناعة، ووسائل المواصلات، والرعاية الصحية، وغيرها؛ فما يميز إنترنت الأشياء هو أنها قادرة على إضافة بُعد للعالم الفيزيائي من خلال الآلات والأشياء عن طريق تضمين مُستشعرات للحصول على بيانات فعلية عن البيئة المحيطة، ومُشغلات تساعد على التحكم في هذه البيئة. وتبرز أهمية إنترنت الأشياء في تمكين العمليات الذكية التي تتضمن الأصول والآلات في العالم الفيزيائي، سواء كانت في مجال المستهلك أو الشركات أو المؤسسات.

الجدير بالذكر أن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) قام بدراسة جوانب وآثار إنترنت الأشياء وبيًن القدرة التحويلية لها، حيث أوضح أنه سيكون لإنترنت الأشياء أثر قوي، وستعمل على تغيير حدود الصناعة، وستخلق فرص أعمال جديدة بما في ذلك ظهور شركات جديدة مزعزعة كما كان الحال عند ظهور شبكة الإنترنت. وحدد المنتدى فرص أعمال رئيسية تتركز في أربعة مجالات وهي: أولاً: التحسينات الكبيرة المتعلقة بالكفاءة التشغيلية، مثل استخدام الموارد، وتحسين الزمن التشغيلي للمعدات من خلال الإدارة عن بُعد، والصيانة التنبؤية، أي القدرة على التنبؤ وجدولة صيانة الأجهزة عند الحاجة. ثانياً: بروز الاقتصاد المبني على النتائج، مما يعني أن الأعمال سوف تتحول بشكل كبير للتفريق بين بيع المنتج وبين بيع قيمته التي يتوقعها المستفيد من المنتج نفسه. ثالثًا: سيتم توصيل الأنظمة البيئية باستخدام المنصات الأساسية البرمجية؛ لتمكين التعاون عبر الإنترنت استنادًا إلى تبادل البيانات والمعلومات، والتي تصبح بعد ذلك أصولًا قابلة للتداول. وسيؤدي ذلك إلى زيادة القيمة المقدمة للمستفيد وزيادة الكفاءة ونطاق التوسع. وأخيرًا: ستوفر إنترنت الأشياء وسائل للتعاون بين الأشخاص والآلات وتعزيز العاملين وزيادة السلامة والكفاءة؛ أملاً أيضاً في أن توفر إنترنت الأشياء بيئة عمل أكثر جاذبية وإلهام.

ولفهم الإمكانات والتأثير الذي يمكن أن تحدثه إنترنت الأشياء، قام "معهد ماكينزي العالمي" بدراسة الأثر الاقتصادي لإنترنت الأشياء في عدد من الأوساط المختلفة. حيث قدّرت الدراسة أن إجمالي الأثر الاقتصادي المُحتمل في عام 2025م لإنترنت الأشياء يتراوح بين 3,9 إلى 11,1 تريليون دولار أمريكي سنويًا. ويمكن مقارنة ذلك بالناتج المحلي الإجمالي العالمي المتوقع للبنك الدولي، والذي بلغ 99,5 تريليون دولار أمريكي في العام ذاته، بمعنى آخر يمكن أن تستحوذ إنترنت الأشياء على حوالي 11% من إجمالي الاقتصاد العالمي. لاحظ أن هذه القيمة هي التأثير التحولي الاقتصادي المقدًر الذي يمكن أن تحققه إنترنت الأشياء، ولا تمثل قيمة الإيرادات من مبيعات المنتجات أو الحلول أو خدمات إنترنت الأشياء.

تجدر الإشارة إلى أن الحصول على القيم المذكورة أو جزء منها؛ يتطلب تجاوز مجموعة من المعوقات التي يمكن أن تكون من جوانب مختلفة، كالتقنية، أو الجوانب التنظيمية. ومن الأمثلة على ذلك غياب الإستراتيجية الرقمية أو ضعف التوافق التقني، وانعدام الثقة في التقنية، ومن المعوقات أيضا صعوبة الوصول إلى البيانات وفهمها، ففي كثير من الأحيان تميل البيانات إلى البقاء في "صوامع" لا يمكن الوصول إليها بسهولة عبر حدود النظام أو التنظيم.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة