التقارير والإجراءات الرقابية تضبط إيقاع المحاسبة الحكومية السعودية

​طوال المسيرة التنموية الشاملة للمملكة العربية السعودية، وحكومتنا الرشيدة لم تدخر جهداً في تطوير الأنظمة المختلفة؛ كي تضمن الارتقاء بالأداء الحكومي، والتي من بينها الأنظمة المحاسبية التي شهدت تغيرات وتطورات تحتاج إلى رصدها وتحليلها، واستعراض أطرها الفكرية وتطبيقاتها المختلفة، ومناقشة هذه الأنظمة واللوائح والتعليمات المالية المتبعة، وبيان الدورة المحاسبية لكل من الإيرادات والمصروفات، وتحديد أنواع الحسابات والسجلات المحاسبية. وجميعها من الموضوعات المهمة التي مازلنا على المستويين العملي والعلمي بحاجة إلى المراجع المتخصصة فيها التي تتناول تطوراتها وتواكب هذه التعديلات. وفي هذا العدد من "التنمية الإدارية" نطالع معكم كتاباً مهماً ضمن إصدارات معهد الإدارة العامة، بعنوان: "المحاسبة الحكومية في المملكة العربية السعودية"، وهو من تأليف أ.سعد بن محمد الهويمل. فدعونا نتجول بين فصوله وموضوعاته وصفحاته.

يضم الكتاب بين طياته مقدمة، و9 فصول متنوعة تناقش هذه الموضوعات على مدار 616 صفحة. يستهلها المؤلف في الفصل الأول المعنون: "الإطار الفكري للمحاسبة الحكومية"، والذي تطور خلال الفترة الماضية بشكل لافت، إذ كان يعتمد في بدايته على تسجيل وتبويب العمليات المالية لإحكام الرقابة عليها، وأضحت المحاسبة الحكومية مطلوباً منها تقديم المعلومات التي تساعد في اتخاذ القرارات وترشيد الإنفاق، ووضع الإجراءات الرقابية المالية التي تقلل المخاطر المالية وتكافح الفساد داخل النظام المحاسبي. كذلك من المتطلبات الحالية للأنظمة المحاسبية الحكومية بناء مجموعة من المؤشرات التي تقيس الأداء الحكومي في الجوانب المالية.

وفي هذا الصدد يرى المؤلف أن على الحكومات التي تريد تطوير أنظمتها المحاسبية أن تقترب بشكل كبير جداً من الأنظمة التجارية التي تطبق المعايير المحاسبية الدولية، ويلاحظ أنه خلال الفترة الماضية التطوير الكبير في هذه الأنظمة، واقترابها بشكل أكبر من الأنظمة التجارية، وهي خطوات في الاتجاه الصحيح. وفي هذا الفصل يستعرض أ.سعد الهويمل مفهوم المحاسبة الحكومية، وأهدافها، وخصائصها، وقواعدها الأساسية، ومنهجية المحاسبة في الأجهزة الحكومية، ومبادئها، ومعاييرها، وأسس القياس المتبعة فيها، والجهات ذات العلاقة بالمحاسبة الحكومية، وأوجه الشبه والاختلاف بينها وبين المحاسبة المالية.

الموازنة والأنظمة المالية

ونتعرف في الفصل الثاني من الكتاب على "الموازنة الحكومية"، حيث تعتمد الجهات الحكومية على ما يُخصص لها في الموازنة العامة للدولة التي هي عبارة عن موازنة سنوية يتم فيها تقدير الإيرادات والمصروفات، تعدها وزارة المالية بمشاركة كل الجهات الحكومية وتُعتمد من مجلس الوزراء لتنفيذها؛ لذلك من المهم أن تُعد هذه الموازنة وفق آليات تضبط الإنفاق وتضمن الكفاءة والفاعلية في تنفيذها. وفي هذا الإطار يسلط هذا الفصل الضوء على الموازنة، ومفهومها، وخصائصها، وأهدافها، وأهميتها، وكذلك أنواع الموازنات المطبقة في العالم، والموازنة العامة في المملكة العربية السعودية، ويشمل ذلك تصنيف كل من المصروفات والإيرادات، ومن ثم خطوات إعداد الموازنة العامة للجهات الحكومية مع بعض التطبيقات العملية عليها.

ويتحدث الكتاب في فصله الثالث عن "أنظمة وتشريعات مالية" ذات العلاقة المباشرة بالعمل المحاسبي والمالي الحكومي المهمة جداً، وهي أنظمة المشتريات والمنافسات الحكومية، وإيجار الدور، وإيرادات الدولة، ومباشرة الأموال العامة ونظام المستودعات، ولوائحها التنفيذية.

أسس وقيود

 ويتطرق الفصل الرابع إلى "أسس المحاسبة الحكومية في المملكة العربية السعودية"، والتي تتضمن أسسها ومبادئها العامة، وتطور النظام المحاسبي الحكومي، والتعليمات المالية للميزانية والحسابات التي يعتمد عليها النظام المحاسبي في المملكة، والدورات المستندية للتحصيل بأنواعه، وكذلك دورات الصرف بأنواعه. ويلفت المؤلف إلى أن النظام المحاسبي السعودي في مرحلة حركة تطويرية جوهرية، والنقلة النوعية ستكون بالتحول لأساس الاستحقاق الذي سيدعم تقديم المعلومات التي تساعد الإدارة التنفيذية في اتخاذ القرارات وترشيد الإنفاق ووضع الإجراءات الرقابية المالية داخل هذا النظام، وبناء مجموعة من المؤشرات التي تقيس الأداء الحكومي في الجوانب المالية.

ويحدد الفصل الخامس "القيود المحاسبية الحكومية"، وذلك من خلال معرفة الأسس الفنية لإعدادها وتفاصيل القيود المحاسبية للمصروفات والإيرادات والعُهد والأمانات والحسابات الجارية مع توضيح لكيفية تصحيح الأخطاء المحاسبية والمالية في النظام المحاسبي الحكومي، مع التطرق للقيود المحاسبية التي تُجرى فقط في وزارة المالية فيما يتعلق بالتعامل مع الجهات الحكومية الأخرى، وليس التعاملات المحاسبية لوزارة المالية. وفي مستهل حديثه في هذا الفصل يرى المؤلف أنه من الضروري أن يظهر القيد المزدوج على مستندات القيد بشكل واضح.

السجلات والتقارير

وقد خصص أ.الهويمل الفصل السادس لمعالجة موضوع "السجلات المحاسبية والإحصائية الحكومية" التي تُعد من المقومات المهمة لأي نظام محاسبي، وركن أساسي لنجاحه. فيوضح الفرق بين هذين النوعين من السجلات، وآلية التسجيل في السجلات المحاسبية الإلكترونية، والتي تعتمد على صحة وسلامة القيود المحاسبية فقط، ولذلك فإن الاهتمام هنا ينصب على التصميم والبرمجة الجيدة، والتأهيل الفني للقائمين على القيود المحاسبية.

وينتقل الكتاب في فصله السابع لمناقشة "التقارير المالية الحكومية"، التي تُعد مؤشراً كاشفاً لفعالية الأنظمة المحاسبية، ويجب إعدادها بشكل صحيح ومناسب. وتجدر الإشارة إلى أن التعليمات المالية في السعودية قد ألزمت الجهات الحكومية بإصدار تقارير دورية تُرسل لجهات المراقبة والمراجعة والتخطيط. وسيركز هذا الفصل على مفهوم التقارير المالية، وأهميتها، وأهدافها، وإقفال الحسابات (الشهري، السنوي)، والتقارير الدورية، والجدول الشهري، والحساب الختامي.

الرقابة والدليل

ووفقاً للإنفاق الكبير للدولة على المشاريع وتقديم الخدمات في كافة القطاعات، فإنه يجب فرض إجراءات رقابية تحمي المال العام من السرقة والإسراف وسوء الاستخدام، ودعم الأدوات التي تضمن كفاءة الإنفاق. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان تخصيص الفصل الثامن من الكتاب لتسليط الضوء على "الرقابة المالية" من حيث مفهومها، ومصادرها، وقواعدها في المملكة، وأسس الضبط الداخلي، والرقابة الداخلية، وأجهزة الرقابة والمراجعة المالية في السعودية مع تفصيل الحديث بشكل أكبر عن وزارة المالية والديوان العام للمحاسبة.

ويختتم أ.سعد الهويمل كتابه في الفصل التاسع بتقديم "دليل أهداف ومفاهيم ومعايير المحاسبة الحكومية" الذي وافق عليه مجلس الوزراء السعودي في قراره الصادر رقم (363) وتاريخ 10/11/1434هـ وتطبيقه بشكل تجريبي على عدد من الجهات الحكومية، وقد احتوى هذا الدليل على عدة أقسام يستعرضها المؤلف، والتي من بينها مصادر معايير المحاسبة الحكومية في المملكة، والحاجة لهذا الدليل، ومنهجية إعداده، وخصائص العمل الحكومي السعودي، بالإضافة لأقسام أخرى يمكنكم القراءة عنها بالتفصيل في هذا الفصل من الكتاب.​


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة