​الاهتمام بإدارته وتطوير مكوناته في عصر المعلوماتية والاقتصاد التنافسي رأس المال الفكري الثروة الحقيقية للمنظمات

​أصبح رأس المال الحقيقي للمنظمات المختلفة هو رأس المال الفكري الذي إذا نظرنا وتفحصنا مكوناته وماهيته لاتضح لنا مكانته العصرية المتميزة في نجاح هذه المنظمات وتطويرها وتحفيز ودعم عمليات الابتكار والإبداع والتجديد، والجودة الشاملة، وجودة الأداء، والتغيير، والقدرة على تحويل المعرفة إلى قيمة، والجسر المتين ما بين القيمة السوقية لتلك المنظمات والقيمة الدفترية لأصولها، كما أن العمر الإنتاجي لرأس المال الفكري في تزايد مستمر طالما هناك اهتمام بالإبداع، وزيادة مهارات ومعارف منسوبيها. ففي عصر المعلوماتية والمنافسة المحتدمة بين هذه المنظمات يبقى رأس المال الفكري هو سر كفاءتها ونجاحها واستمراريتها، واكتسابها الميزة التنافسية التي تدعم اهتمامها الجاد بعملائها والحرص عليهم. وقد أصبح فرس الرهان في سباق التطوير، والتميز، والاستمراية، وهو ما نسلط عليه الضوء في هذا التقرير.

نستهل حديثنا عن رأس المال الفكري بالتأكيد على إنه من الاتجاهات الإدارية والموضوعات المعاصرة؛ لذلك مازال هناك نوع من الغموض حوله، وتعددت تعريفاته، وقد اجتهد المتخصصون والخبراء والأكاديميون في إبراز الاختلافات، وكذلك العلاقات بينه وبين غيره من المفاهيم في عالم الإدارة، كالإبداع التنظيمي، وجودة الأداء المؤسسي، وإدارة المعرفة، والجودة الشاملة، والميزة التنافسية، وكونه أداة إستراتيجية مهمة، وغيرها. وتجدر الإشارة إلى استخدام العديد من الخبراء عدداً من التسميات للدلالة على رأس المال الفكري، كرأس المال المعرفي، ورأس المال اللاملموس، أو الأصول غير المادية. فهو القيمة الاقتصادية للأصول غير الملموسة (أصول المعرفة) في المنظمة؛ سواء رأس مالها الإنساني، أو الهيكلي، أو العلاقاتي.

مكوناته واستخدامه

ومن هذا المنطلق، فإن رأس المال الفكري يتكون من ثلاثة مكونات رئيسة: أولها رأس المال البشري الذي يتضمن الموارد الإنسانية داخل المنظمات ويشمل أيضاً الزبائن والموردين وشركاء الأعمال من خارجها، وهو عبارة عن المعرفة والمهارة والكفاءات والخصائص الأخرى المتجسدة في الأفراد، والتي تم اكتسابها من خلال حياتهم وتستخدم في إنتاج المنتجات، والثاني هو رأس المال المنظمي أو الهيكلي الذي يمثل قدرة المنظمة على تلبية متطلبات السوق وتحريك تطوير المبادرات من خلال الأخذ في الاعتبار التوقعات الجديدة والاعتراف بالأفكار والمفاهيم الجديدة والأدوات المتكيفة مع التغير، ويشير إلى نظم وتكنولوجيا المعلومات ومستودعات البيانات وحقوق ملكية البرامج والنظم وشبكات التوزيع وسلاسل التوريد، وثالث هذه المكونات هو رأس المال العلاقاتي الذي يتحدد في مجموع المعلومات حول الزبائن أو العملاء وعلاقاتهم مع المنظمة.

ويتفق الأكاديميون والخبراء على إن فكرة رأس المال الفكري نشأت عن طريق مدير شركة Johnsonville للأطعمة ويدعى Ralph Stayer الذي كان أول من أطلقه عام 1990م، وهو ما يؤكده باحثون مثل د.عبدالرحمن هيجان، وعياشي زرزار عندما تحدثا حول هذا الأمر، وذكرا مقولة هذا المدير الذي قال: "في السابق كانت المصادر الطبيعية أهم مكونات الثروة القومية وأهم موجودات الشركات والمجتمع، بعد ذلك أصبح رأس المال ممثلاً بالنقد والموجودات الثابتة هو أهم مكونات الشركات والمجتمع، أما الآن فقد حل محل المصادر الطبيعية والنقد والموجودات الثابتة رأس المال الفكري الذي يُعد أهم مكونات الثروة القومية وأغلى موجودات الشركات".

مراحله وأبعاده

ويرصد "زرزار" في دراسته بعنوان: "إدارة وقياس رأس المال الفكري" المراحل الثلاث التي مهدت لظهور رأس المال الفكري وساهمت في تطويره وبناء استخدامه في الآتي: المرحلة الأولى وهي مرحلة الاهتمام بمدى القابلية لدى العنصر البشري سواء القابلية الفكرية أو الجسدية أو القابلية لأداء مهام معينة، وهي المرحلة التي امتدت من القرن السابع عشر إلى نهاية سبعينيات القرن العشرين. بينما كانت المرحلة الثانية عبارة عن تلميحات المفهوم وتوجهات الاهتمام بالقابلية الذهنية، وقد امتدت هذه المرحلة من بداية الثمانينيات واستمرت إلى بدايات التسعينيات من القرن العشرين. وتحددت المرحلة الثالثة في تكثيف الجهود البحثية وولادة نظرية رأس المال الفكري، وتتبلور هذه المرحلة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، والتي ارتكزت على الفرضيات التالية: إن قيمة رأس المال الفكري كموجود غير ملموس يتجاوز قيمة الموجودات الملموسة بعدة مرات، وأنه هو المادة الأم التي تتولد منها النتائج المالية، وأن المقياس المالي له يمثل الفرق بين القيمة الدفترية للشركة وقيمتها السوقية، وهو أداة تحليل إستراتيجي، وإذا تراكم يزيد من إنتاجية المنظمات.

وحتى تتضح أبعاد ومفهوم رأس المال الفكري؛ فإن الخبراء يفرقون بينه وبين رأس المال المادي كالتالي: بينما رأس المال المادي هو في حقيقته مادي وملموس نجد أن الفكري غير ملموس، والمادي يرتكز على الماضي بينما الفكري يتوجه نحو المستقبل، كما إن المادي هو تكلفة وفي المقابل فإن الفكري هو قيمة، والمادي بطبيعته نقدي بينما الفكري غير مالي، كذلك فإن المادي وقتي في مقابل أن الفكري مستمر، وينقص المادي بالاستعمال ويتهالك بينما الفكري يتزايد بالاستعمال، ورأس المال المادي كمي في الوقت الذي يتحدد فيه رأس المال الفكري كنوعي. ووفقاً لتعريف منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) فإن رأس المال الفكري هو القيمة الاقتصادية لفئتين من الأصول غير الملموسة وهما: رأس المال التنظيمي (الهيكلي) ورأس المال البشري.

ميزة تنافسية وإستراتيجية

يعد رأس المال الفكري اليوم المورد الإستراتيجي الأهم بالنسبة للمنظمات المعاصرة والتي تسعى لتحقيق النجاح المستقبلي؛ إذ إن العديد من المدراء أدركوا أن رأس المال الفكري يعد الأداة الإستراتيجية التي تمتلكها هذه المنظمات وتستطيع من خلالها التنافس والتعامل لاستغلال مواطن القوة والفرص البيئة ومواجهة التحديات ومواطن الضعف الأخرى. ويخلص د.ناظم جواد في بحثه بعنوان: "تحليل رأس المال الفكري كأداة إستراتيجية" إلى أنه يمكن استخدام رأس المال الفكري كأداة مهمة في تطوير الإستراتيجيات التي تعزز التغيير بين الأفراد العاملين والزبائن المتعاملين معها خدمة لتوجهات المجتمع.

وعلى صعيد آخر، فإن هناك علاقة مهمة بين رأس المال الفكري وتحقيق الميزة التنافسية للمنظمة، والتي يلفت إليها عديد من الباحثين مثل مصطفى شعبان في أطروحته العلمية بعنوان: "رأس المال الفكري ودوره في تحقيق الميزة التنافسية" فيؤكد على إن الموارد البشرية هي من أهم موارد المنظمة، والتي يمكن من خلالها تحقيق ميزة تنافسية لها بأن تصبح هذه الموارد أكثر مهارة وكفاءة، وقدرة، ومعرفة والتزاماً.  ويبين الباحث هذه العلاقة من خلال استعراضه للمحاور الثلاثة التالية: أولها النظرية المعتمدة على الموارد في نطاق الإدارة الإستراتيجية، حيث تتحدد الميزة التنافسية من خلال: الموارد المتميزة، والقدرات والكفاءات التنظيمية، والقدرات التكنولوجية، والموجودات غير المرئية المتمثلة بالمعرفة والمهارات والخبرات للموارد البشرية، وفي القدرات المحورية المرتبطة بالمهارات والمعرفة والتكنولوجيا والإدارة والاتجاهات والقيم. وثانيها إطار عمل VRIO لتحليل كل مورد من موارد المنظمة الرئيسة من حيث مساهمته في تحقيق الميزة التنافسية، وذلك من خلال امتلاكه الخصائص التالية: القيمة، والندرة، والقابلية للتقليد، والتنظيم. والثالث هو الكفاءات المحورية والتي تعني الطريقة السريعة للوصول للفرص المستقبلية وليس الفرص الحالية.

الإبداع والتدريب

وفي معرض حديثنا عن رأس المال الفكري سنتوقف طويلاً أمام علاقته بالإبداع التنظيمي؛ ونحن نؤكد هنا على إنه لن تقوم قائمة للإبداع في أي منظمة دون الاهتمام بالإنسان منبع الإبداع ومناط التطوير والتقدم وتحقيق قفزات كمية ونوعية؛ وهو ما يتناوله كل من:عاطف العدوان وسحر سليمان في دراستهما بعنوان: "رأس المال الفكري ودوره في تحقيق الإبداع التنظيمي". فيؤكدان على أن الإبداع سواء على مستوى: الفرد، أو الجماعة، أو المنظمة لن يتحقق كمخرجات دون تمكين وتفعيل رأس المال الفكري، والاهتمام بالعاملين، والاهتمام بشكاوى الزبائن، واهتمام إدارات المنظمات المختلفة بأنواع الإبداع التقني، ويخلصان إلى إن هناك علاقة حقيقية بين مكونات رأس المال الفكري والإبداع التنظيمي بصفة عامة.

ومما لا شك فيه إن التدريب عنصر مهم ضمن عناصر تطوير كفاءة المنظمات المختلفة بأي مجتمع، وتبدو العلاقة بينه وبين رأس المال الفكري من خلال أربعة عناصر مهمة تمثل قاسماً مشتركاً بينهما، والتي يبحثها عامر حمادة في أطروحته العلمية التي تركز على أثر التدريب في تطوير رأس المال الفكري؛ وهذه العناصر هي كالتالي: السلوك؛ ذلك إن معرفة أسباب السلوك والتحكم فيها يساعد على التنبؤ بالسلوك وتوجيهه؛ وذلك عن طريق العنصر البشري الذي يتكون منه رأس المال الفكري وتدريبه والمحافظة عليه واستثماره؛ لذلك يجب تعزيز السلوك الإيجابي في المنظمات المختلفة بالتحفيز حتى يستمر. وثانيها المهارات والقدرات؛ فهناك علاقة وطيدة بين تطوير رأس المال البشري وإكسابه المهارات والقدرات وبين الأداء التنظيمي، ولذلك يجب على المنظمات أن ترفع هذه المهارات والقدرات؛ عن طريق التشجيع الفردي والتعليم فيها، وخلق بيئة العمل التي تخلق المعرفة لدى منسوبيها مشاركةً وتطبيقاً. وثالثها الاتجاهات التي لابد من أن تكون اتجاهات رأس المال الفكري لأي منظمة موحدة ومتوافقة مع مصلحة هذه المنظمة؛ فكلما زاد توحد المواقف والميول لدى منسوبيها بشكل إيجابي كلما زادت قوة رأس المال الفكري لها. ورابعها المعارف التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتدريب ورأس المال الفكري الذي يقود الاهتمام به إلى التالي: زيادة القدرة الإبداعية، وإبهار وجذب العملاء، وتعزيز التنافس بالوقت، وخفض التكاليف وإمكان البيع بأسعار تنافسية، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز القدرة التنافسية.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة