يتأثر بالتعلم التنظيمي ويؤثر في درجة الولاء ويحقق الجودة الشاملة المسار الوظيفي..شراكة بين الموظف ومنظمته وقيادته

​ 

  • التدريب، والترقية، والتدوير ، والحوافز من أهم استراتيجيات إدارة وتخطيط المسار الوظيفي وتحقيق ولاء الموظفين
  • الإفادة من التجارب، والأسلوب العلمي، والقياس المرجعي من أكثر طرق التعلم التنظيمي المؤثرة في المسار الوظيفي
  • مبادئ وأساليب ومتطلبات الجودة الشاملة ترتكز على جودة المسار الوظيفي في المنظمات

 

​إن التغييرات والظروف الراهنة المحيطة بالمؤسسات المختلفة تفرض عليها أن تتبنى إدارات الموارد البشرية فيها برامج هادفة إلى الارتقاء بأداء منسوبيها، والتي من بينها البرامج المتعلقة بالمسار الوظيفي. فيعرف الفرد ماهي الوظيفة التي سيبدأ منها؟ وماهي الوظائف المحتمل أن يُرقى إليها خلال حياته الوظيفية؟ معنى ذلك إن الحديث يدور حول من لديهم طموحات وظيفية يريدون تحقيقها عبر مسيرتهم العملية. وحتى يكتسب هذا المسار صفة التأييد من الموظفين؛ ينبغي أن يكون التخطيط له، وإدارته، وتحقيقه مسؤولية مشتركة بين الموظف نفسه، ورئيسه المباشر، وإدارة الموارد البشرية.

 

وبصفة عامة؛ فقد ظهرت الفكرة الأولى للمسار الوظيفي في القرن الخامس عشر، وبالرغم من ذلك فإن النظريات المعنية به وبتطويره تبلورت في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية؛ لزيادة الطلب على رأس المال البشري المؤهل، وهو ما أسهم بشكل واضح في تطوير مفهوم المسار الوظيفي، والذي كان من الناحية التقليدية يركز على المواقع الوظيفية وتسلسلها، دون الاهتمام بالخبرات التي يكتسبها العامل، ويركز كذلك على بدء وانتهاء المسار الوظيفي ضمن منظمة واحدة وبطريق ترسمه المنظمة دون أي تدخل من العامل، لكن مع تطور عالم الأعمال والتكنولوجيا وتغير الهياكل التنظيمية؛ تغيرت الصورة المثالية للمسار التقليدي وظهرت صورة جديدة تتمتع بالمرونة، برز فيها العامل كشريك رئيس للمنظمة في إدارة وصياغة مساره الوظيفي؛ فأصبح مفهومه الحديث يركز على الخبرات والمعارف المكتسبة والسلوكيات التي يحوزها العامل من خلال تنقله بين عدة وظائف، وهو ما يبرز أن المعلومات والمعرفة المكتسبة والمتراكمة في سياق التجارب هي التي تشكل المسار الوظيفي الذي يمكن إعادة ترتيبه وإدارته بناء عليها، كما أنه يركز على شبكة علاقات العمل التي تعد مكوناً مهماً للمسار الوظيفي، خاصةً أن التفاعل بين الأفراد يوفر فرصاً للحوار بينهم وهو أمر أساسي لاكتساب المعرفة، ولم يحصر هذا المفهوم المسار في منظمة واحدة، بل قد يتعداها لأكثر من منظمة في سبيل الحصول على فرصة عمل مناسبة لإمكانات الفرد.

فوائد واستراتيجيات وولاء

ويجمل معاذ غريب في أطروحته للدكتوراه بعنوان: "إدارة المسارات الوظيفية وأثرها على الولاء التنظيمي" الفوائد المتعددة للاهتمام بالمسار الوظيفي، والتي من أهمها: انخفاض معدلات دوران العمل والتغيب في المنظمة، وزيادة الولاء التنظيمي لدى منسوبي المنظمات المختلفة، والاهتمام بالبعد الاجتماعي عند تحديد المسارات الوظيفية لهم، وشرح خطط كفاءات المنظمة المستقبلية، والتعريف بالإمكانات المتاحة، وتحقيق الأمان الوظيفي لهم، وتكليفهم بتحقيق معدلات إنجاز مرتفعة، وإدارة الجمود أو الرسوب الوظيفي، وتخفيض تكلفة العمل بمراعاة عنصر كفاءتهم، وإثارة دافعية العامل للعمل بفاعلية، وتكامل وتناسق استراتيجيات إدارة الموارد البشرية وترابطها مع خطة المنظمة العامة. مؤكدًا على أن هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي يُعتمد عليها في إدارة وتطوير المسار الوظيفي، وهي: التدريب، والترقية، والتدوير الوظيفي، والحوافز، والنقل، والاستقطاب، والإحلال الوظيفي وإعداد القيادات، وتقييم الأداء.

وفي ضوء ذلك؛ يشير غريب إلى أن العديد من الدراسات بينت أن المنظمات التي تحسن استثمار أنشطتها في إدارة المسارات الوظيفية، ستحصل على درجات عالية من الرضا الوظيفي والالتزام والولاء. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الاستراتيجيات السابق ذكرها تدعم هذا الولاء؛ فعلى سبيل المثال يعمل التدريب على زيادة معارف ومعلومات العامل، وستتوسع رؤيته وتحليله للأهداف ويصبح أكثر قدرةً على التعامل بحكمة مع المشكلات التي قد تواجهه في العمل، وتستطيع المنظمة استخدام عدة أشكال من التدريب، مثل إتاحة الفرصة للعاملين لمتابعة تحصيلهم العلمي كالدراسات العليا مثلاً، ومن خلال اللقاءات الدورية مع العاملين، التي تعد وسيلةً لسماع آرائهم وشكاويهم حول العمل وآليات تطويره وتعبر عن التفاعل بين الإدارة والعاملين الأمر الذي يشعرهم بارتباط الإدارة بهم وتلاحمها معهم، كذلك تساعد آلية النقل والتدوير الوظيفي في اكتساب العاملين المزيد من الخبرات والمهارات التي تعزز ثقتهم بأنفسهم وتحسن من أدائهم وتزيد من ولائهم للمنظمة.

التعلم التنظيمي

وعلى صعيد آخر، فإن التعلم التنظيمي له أثر بارز في المسار الوظيفي، وهو ما يؤكد عليه د.أيمن ديوب الذي يرى أن الموارد البشرية هي أكثر أصول المنظمة ارتباطاً بالتعلم التنظيمي؛ ذلك لأن الموارد البشرية هي المسؤولة عن عملية التعلم وعن تطبيق ما يُكتسب من معارف نتيجة هذا التعلم، ويعتمد هذا إلى حدٍّ كبير على طبيعة مزيج الموارد البشرية الذي تمتلكه المنظمة وعلى ممارسات إدارة الموارد البشرية في استثمار طاقات الأفراد والعمل على تطويرها وتجديدها عن طريق التعلم التنظيمي، والذي من خصائصه التفكير الجماعي، ومحاولة توصيف مهارات جديدة للتعامل مع المتغيرات البيئية، وعملية تكييف للحاجات والدوافع والمصالح التنظيمية وقيم العاملين في المنظمة، ويختلف عن التعلم الفردي في أنَّه ينبثق من حقيقة الحاجات والدوافع وقيم العاملين في المنظمة، وهو عملية مستمرة تحدث تلقائياً كجزء من نشاط المنظمة وثقافتها، والتعلم هو نتاج الخبرة والتجارب الداخلية والخارجية للمنظمة، والتعلم عملية تراكمية.

وقد أثبت ديوب أن هناك ثلاث طرق من بين أكثر طرق التعلم التنظيمي تأثيرًا في المسار الوظيفي، وهي: التعلم من خلال الإفادة من التجارب الناجحة والمخفقة للمنظمة، والتعلم من خلال الأسلوب العلمي في حل المشكلات، والتعلم من خلال القياس المرجعي. كذلك توصل إلى أن هناك ثلاثة أنماط من التعلم التنظيمي تؤثر بشكل فعال في ذلك المسار، وهي: التعلم مفرد الحلقة وهو فعل الأشياء بطريقة أفضل، لذا فهو تعلم سلوكي وهو يناسب المنظمات التي تعمل في بيئة تتسم بالتغيير البطيء، كما أنه يركز على الكفاءة في المنظمة وعلى حل المشكلات الروتينية التي تتعرض لها دون تغيير في سياساتها وافتراضاتها، والتعلم مزدوج الحلقة الذي يشجع على إعادة التفكير في المعرفة القائمة، ويؤدي هذا النمط من التعلم إلى تنمية الإبداع في حل المشكلات وتطوير الثقافة التنظيمية والسياسات والأهداف والاستراتيجيات، ويناسب هذا النمط المنظمات التي تعمل في بيئة عمل عالية الديناميكية، والتعلم ثلاثي الحلقة الذي يركز تركيزاً أساسياً على الحوار، ويظهر عندما تجد المنظمة أن هناك فرصة ما لا تزال غير قادرة على استغلالها أو مشكلة معينة لم تتمكن من التخلص منها بعد، وهو يتناول الجانب الاستراتيجي في المنظمة ويعد فعالاً وقائماً على المبادرة ويتطلب التغذية العكسية المستمرة، وجوهره عملية التعلم في المنظمة والعمل على تحسينها، فهو مبادر يهدف إلى استغلال الفرص.

الجودة الشاملة والتميز

وتبدو العلاقة الوثيقة بين المسار الوظيفي والجودة الشاملة بالمنظمات المختلفة من خلال النظر إلى مبادئها، وأساليبها، ومتطلباتها؛ وهو ما يوضحه لنا أحمد بن عيشاوي في دراسته بعنوان: "إدارة الجودة الشاملة (TQM) السبيل إلى تحقيق الأداء المنظمي المتميز"؛ فعند حديثه عن هذه المبادئ، لاسيما التالية: التحسين المستمر، والتركيز على الموارد البشرية والكفاءات الفردية، والتعاون الجماعي بدل المنافسة، والمشاركة الكاملة، ونظام المعلومات والاتصالات. نلاحظ أن هذه العلاقة تبرز بشكل كبير من خلال مبدأين مهمين هما: التركيز على الموارد البشرية والكفاءات الفردية، حيث يعتبر العنصر البشري ممثلاً في الموارد البشرية والكفاءات الفردية أحد أهم العوامل المسؤولة عن امتلاك المؤسسة للميزة التنافسية ونجاحها في اختراق الأسواق، إن التركيز على هذا العنصر البشري بتنميته وتدريبه وتزويده بالمهارات والقدرات وتحفيزه وتوفير بيئة العمل المؤثرة إيجابًا على روحه المعنوية يعد أهم ركائز إدارة الجودة الشاملة، وهذا بالنظر إلى أن تلك الموارد والكفاءات هي المسؤولة عن اتخاذ وتطبيق القرارات الاستراتيجية والتنفيذية للجودة الشاملة، والتي تهيئ للمؤسسة فرص امتلاك الميزة التنافسية، وبالتالي فإن فقدان الكفاءات أو ضعف أداء الموارد البشرية بسبب عدم فعالية طرق التسيير المعتمدة يعد سببًا رئيسًا في فشل استراتيجية الجودة الشاملة. وثانيهما التعاون الجماعي بدل المنافسة؛ فهذا التعاون مهم بين مختلف المستويات الإدارية في المؤسسة بدلا من المنافسة بينهم، ومن الملاحظ أن أحد الأسباب الرئيسة لنجاح اليابان في تطبيق أسلوب إدارة الجودة الشاملة يعود إلى مبدأ التعاون الجماعي بدلاً من المنافسة من خلال استخدام اليابانيين أسلوب حلقات الجودة) لإشيكاوا (Ishikawa  ويمكن تحقيق التعاون بين المديرين والعاملين من خلال تفعيل نظام مكافآت وحوافز أساسه تقييم الأداء، وكذلك تشجيع العمل الجماعي كأداة فاعلة للتحسين المستمر.

كذلك فإن الأساليب الداعمة لتحقيق الجودة الشاملة كأسلوب فرق العمل، وكذلك متطلبات تحقيق هذه الجودة الشاملة كتهيئة مناخ العمل وثقافة المؤسسة، وقياس الأداء، والإدارة الفعالة للموارد البشرية، والتعليم والتدريب المستمر. فيدعو “Deming" إلى إقامة نظام يرتكز على فكرة العمل الجماعي والتدريب المستمر وربط المكافآت بأداء فرق العمل ودورها في تحقيق رضا العميل، والعمل على تنمية وتدريب العنصر البشري والحرص على أن يكون ذلك مستمرًا لضمان القدرة على إنتاج الجودة باستمرار.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة