المسؤول في مواجهة الاعلام

موقع المسؤول يحتم عليه مواجهة الإعلام في أوقات متعددة وظروف متنوعة؛ فهو مطالب بإبداء رأيه، المعبّر-أحياناً-عنه شخصياً، أو عن المنظمة التي يقودها أحياناً أخرى، كما أنه مطالب بالخروج للإعلام للحديث عن الجديد في المنظمة، وللإعلان عن توجهات تهم الجماهير ذات العلاقة. وهذا الظهور يكون فرصة أمام المسؤول الذكي والحصيف لتقديم نفسه ومنظمته بشكل إيجابي للغاية أمام الآخرين، كما أنه يكون سلبياً إذا لم يستطع التعامل مع ظروف ومعطيات الظهور بشكل جيد.

وليس كل مسؤول مؤهل للظهور الإيجابي مع وسائل الإعلام لمجرد أنه مسؤول؛ فمواجهة الإعلام تتطلب مواصفات وسمات وشروطاً أيضاً، من أهمها الإحاطة التامة وبجميع تفاصيل الموضوع الذي سوف يتحدث عنه، وكذلك التحلي بالثقة في النفس وعدم الارتباك، أو الانفعال أمام الأسئلة الاستفزازية لممثلي وسائل الإعلام، والاحتفاظ بالهدوء وضبط النفس مهما كان الطرف الآخر مستفزاً، واستقبال الأسئلة المحرجة بابتسامة، والتمكن من تحويلها إلى نقطة قوة تسجل لصالحه؛ بدلاً من أن تكون سلبية كما أرادها الطرف الآخر. ومن الصفات الواجب توافرها في المسؤول خلال مواجهته وسائل الإعلام سرعة البديهة، والقدرة على التعامل الذكي والسريع مع الأسئلة المفاجئة وغير المتوقعة. كما أن المسؤول قبل ظهوره أمام الإعلام ينبغي عليه بعد الإحاطة الكاملة بتفاصيل الموضوع الذي سيتحدث عنه أن يفكر بعمق بالأسئلة المتوقع طرحها، ويستحضر إجاباتها، وكذلك يفكر بعمق أكثر بالأسئلة المفاجئة وغير المتوقعة، وكيف يجيب عليها لو طرحت عليه. فأحياناً يطرح بعض ممثلي وسائل الإعلام أسئلة بسيطة ولكنها مفاجئة وغير متوقعة للمسؤول؛ فيخفق في الإجابة عليها أو يتلعثم فتكون نقطة سلبية تسجل ضده.

وهناك مسؤولون كُثَر يحسنون الظهور الإعلامي، بل ويتألقون ولديهم القدرة والتمكن في التعامل مع وسائل الإعلام وتحويل أي مناسبة إعلامية إلى تظاهرة إيجابية لصالحهم وصالح المنظمة التي يرأسونها، كما يستطيعون تحويل الصحفي المستفز الذي حضر من أجل إحراجهم بأسئلة غير متوقعة إلى صديق، وكسبه إلى جانبهم، وتحويله من ناقد متحفز إلى منصف موضوعي. ودائماً يُضرب المثل في هذا النوع من المسؤولين بالدكتور غازي القصيبي-رحمه الله-فهو شخصية تمتلك كل الصفات التي تجعله قادراً على التعامل مع الإعلام ومواجهته ببراعة تحت أي ظرف. يساعده في ذلك ثقافته وموسوعيته، وذكائه، والكاريزما التي يتصف بها وتجعل منه شخصاً مؤثراً فيمن هم أمامه، فينقسمون بين مؤمن ومقتنع بما يقوله، وبين منجذب وشديد الإعجاب به وبما يطرحه.

وعلى النقيض هناك مسؤولين سارت الركبان بعبارات شهيرة قالوها دون إدراك لتبعاتها، دون أن يعوا خطورتها، ورغم رحيلهم عن كرسي المسؤولية؛ إلا أن كلماتهم بقيت خالدة. وفي العالم اضطر مسؤولون إلى الاستقالة، أو أقيلوا بسبب عبارة قالوها دون إدراك لمعانيها العميقة وخطورتها.

ويمنح كثير من المسؤولين الإعلام الأهمية التي يستحقها، فيعمدون إلى إنشاء مكاتب إعلامية متخصصة، ويعينون مستشارين إعلاميين متخصصين تكون مهمتهم التعامل مع الإعلام بجميع أشكاله ووسائله، وتقديم الخدمات الإعلامية لوسائل الإعلام بما يخدم المنظمة ويحقق أهدافها، وكذلك تهيئة الظروف لخروج المسؤول بشكل مشرف وإيجابي أمام الإعلام. والتعامل مع حالات الطوارئ، والأحداث العاجلة بإيجابية. وهؤلاء المسؤولين يعون تماماً خطورة الإعلام وكذلك أهميته في صناعة الصورة الذهنية عنهم شخصياً وعن المنظمات التي يرأسونها.

كما أن هناك نوعاً من المسؤولين لا يؤمن بالإعلام، ولا بدوره وأهميته له ولمنظمته، ويحاول أن يتحاشاه، ويبتعد عنه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويفضل أن يسير وتسير منظمته في الظل، ولا تعنيه الصورة الذهنية للمنظمة ولا جمهورها. كما أن هناك مسؤولاً يفضل الابتعاد عن الإعلام خشية أن يصيبه ضرر منه!! لعدم إدراكه لأهميته، وعدم قدرته على التعامل معه. وهناك مسؤولون غير قليلين لا يجيدون التعامل مع الإعلام بشكل احترافي، وليس مطلوب منهم ذلك؛ إلا أنهم يتغلبون على هذا الجانب من خلال تعيين المستشارين الإعلاميين المتخصصين والمهنيين الذين يقومون بالأدوار الإيجابية في التعامل مع الإعلام بما يعود بالنفع ويحقق الفائدة للمسؤول وللمنظمة. وجميع رؤساء الدول ورؤساء المنظمات في العالم يعينون لديهم مستشارين إعلاميين، يظهرون أمام وسائل الإعلام ويتحدثون باسم المسؤول، كما لوكان هو الذي يتحدث. كما يهيئون الظروف للمسؤول للظهور أمام وسائل الإعلام بشكل إيجابي، ويوفرون له كافة أسباب النجاح.  

ويبقى الإعلام على قدر كبير من الأهمية، ولا يمكن الاستغناء عنه. والمسؤول الحصيف والحكيم هو الذي يستثمره بشكل إيجابي لصالحه وصالح منظمته، ويوثق علاقاته به. ويمنحه الأهمية التي يستحقها.            

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة