يتناوله د.زهير عباس كريم في النظام السعودي والقانون المقارن الشيك كأداة وفاء وسند تنفيذي
  • المنظم السعودي قام بحماية الشيك من العبث به في جرائم النصب والاحتيال وتدعيم الثقة فيه بإقرار ضمانات قانونية للوفاء به
  • إنشاء الشيك يتم وفق شروط موضوعية وشكلية واختيارية وتظهيره ربما يؤدي للازدواجية

 

​يعد الشيك من بين أهم الأوراق التجارية؛ نظراً لما له من مزايا جعلته يتفوق على غيرها من هذه الأوراق التي سبقته في الظهور على مسرح الحياة التجارية والتعاملات بين الناس. ولعل أهم استخدام للشيك هو كونه أداة للوفاء بالالتزامات المالية بدلاً من النقود، كما أنه يؤدي إلى زيادة حجم المعاملات السوقية وازدهار حركة النشاط التجاري بالدولة، واكتسابه ميزة معاملته أمام قضاء التنفيذ كالحكم القضائي؛ إلا أن التعامل به لم يسر وفق هذا التصور المثالي لاستخدامه إذا أصبح سلاحاً ذي حدين، فقد استخدمه البعض كوسيلة للنصب والاحتيال؛ بهدف الاستيلاء على الأموال دون وجه حق؛ ولذلك تدخلت الدول ومن بينها المملكة العربية السعودية لمواجهة هذا العبث بهذه الأداة. وبالرغم من ذلك كله فإن التعامل بالشيك واستخدامه يثير العديد من التساؤلات التي يسعى د.زهير عباس كريم عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة للإجابة عليها في كتابه بعنوان: "الشيك كأداة وفاء وسند تنفيذي" والذي نطالعه معكم في هذا العدد.

مقارنات مهمة

يبلغ عدد صفحات الكتاب 574 صفحة، ويتكون من مقدمة، وفصل تمهيدي، و4 أبواب تتضمن 11 فصلاً مختلفاً، بالإضافة إلى قائمة المراجع. وتبدو أهميته في عدم اقتصاره على الجانب النظري في دراسة الشيك كورقة تجارية وأداة وفاء وسند تنفيذي، بل ركز المؤلف على الجوانب التطبيقية من خلال تعزيز موضوعات الكتاب بالقرارات والأحكام القضائية الصادرة في المملكة أو في القوانين المقارنة وخاصة القضاء المصري والأردني والفرنسي، بالإضافة إلى بعض الأحكام والمبادئ الصادرة عن القضاء في بعض دول الخليج العربية كالكويت والإمارات. كما شملت الدراسة المقارنة لأحكام الشيك في النظام السعودي قوانين التجارة في كل من تونس والمغرب والجزائر وسوريا ولبنان؛ بهدف تعزيز موضوعات الكتاب بكل ما هو مستحدث في هذه القوانين. كذلك حاول المؤلف إبراز الجوانب المدنية والتجارية في قضايا الشيكات باعتبار أن الشيك هو في الأساس أداة للوفاء في المعاملات المدنية والتجارية، وسند تنفيذي في النظام السعودي وبعض القوانين المقارنة، ولكن ذلك لا يعني اغفال الجانب الجزائي في الشيك حيث تناوله المؤلف ضمن موضوعات الكتاب.

حماية الشيك

وتتحدد هذه الموضوعات في التعريف بالشيك وأثر التعامل به على الدين الأصلي، وإنشائه، وانتقاله بالتظهير، وضمانات الوفاء بقيمته، وانقضاء الالتزام الناشئ عنه. ويلفت الكتاب إلى أن المنظم السعودي قرر حماية الشيك من العبث به في جرائم النصب والاحتيال حينما أسبغ عليه حماية جنائية دون غيره من الأوراق التجارية؛ ولم تقتصر هذه الحماية في النظام السعودي على المواد العقابية التي نص عليها نظام الأوراق التجارية، بل اعتبر جرائم الشيك من بين الجرائم الموجبة للتوقيف وذلك بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء السعودي برقم 75 وتاريخ 15/3/1431هـ.

ازدواجية وطابع شكلي

يستهل المؤلف الكتاب بالفصل التمهيدي الذي خصصها للتعريف بالشيك وأثر التعامل به على الدين الأصلي. فيتناول موضوعان مهمان وهما: ماهية الشيك وتمييزه عن غيره من الأوراق التجارية حيث يبرز أن المنظم السعودي عالج أحكامه في الباب الثالث من نظام الأوراق التجارية (المواد من 91 إلى 121)، ثم يبين أوجه الاختلاف بين كل من الشيك والكمبيالة، والشيك والسند لأمر. والموضوع الثاني هو أثر التعامل بالشيك على الدين الأصلي، فيسلط الضوء على حالة تظهير الشيك وهو ما ينتج عنه ازدواجية في العلاقة بين الدائن والمدين أو المظهر والمظهر إليه، وهو ما حدا بالمؤلف لإبراز العلاقة بين الدين الصرفي والدين الأصلي.

ويفرد د.زهير عباس الباب الأول من الكتاب للحديث عن إنشاء الشيك، والذي يعد من التصرفات القانونية ذات الطابع الشكلي، وتصرف قانوني إرادي ينشأ بالإرادة المنفردة للساحب بمجرد توقيعه على الشيك بما يفيد التزامه قبل المستفيد أو الحامل في حالة عدم قيام البنك المسحوب عليه بوفاء قيمته. وفي ضوء ذلك يقسم المؤلف هذا الباب لثلاثة فصول، يتضمن أولها الشروط الموضوعية لإنشاء الشيك المتمثلة في الرضا بالالتزام بالشيك وسلامة الإرادة من العيوب، ويشتمل الفصل الثاني على الشروط الشكلية لإنشاء الشيك والمحددة في وجوب إفراغه في محرر مكتوب يتضمن بيانات نص عليها نظام الأوراق التجارية ورتب على تخلفها أو تخلف بعضها آثاراً معينة، بينما يركز الفصل الثالث على الشروط والبيانات الاختيارية للشيك، سواء الجائز إدراجها أو التي لا يجوز إدراجها فيه.

التظهير

ويخصص المؤلف الباب الثاني لمناقشة موضوع انتقال الشيك بالتظهير، فمتى نشأ الشيك صحيحاً وتسلمه المستفيد فإنه يصبح مهيأً للتداول لأداء وظيفته الاقتصادية كأداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات، ويجوز انتقاله بالطرق العامة لانتقال الحقوق. وقد تضمن قانون "جنيف" الموحد والقوانين التي أخذت بأحكامه، ومنها نظام الأوراق التجارية السعودي طرقاً لتداول الحق الثابت في الشيك وغيره من الأوراق التجارية والتي منها التظهير والتسليم أو المناولة. ويبدو أن إصدار الشيك للحامل هو وضع نادر وغير منتشر العمل به في المملكة، وكذلك الحال بالنسبة للشيك الإسمي الذي يتضمن عبارة ليس لأمر أو ما يفيد معناها والذي يخضع في تداوله لأحكام حوالة الحق؛ ولذلك فإن الشيكات المألوفة في التداول في البيئة التجارية بالمملكة هي الشيكات الإسمية التي تكون مشروطة دفعها لشخص مسمى في الشيك سواء نص فيه على شرط الأمر أو لم ينص؛ وهو ما حدا بالمؤلف لتخصيص هذا الباب لانتقال الشيك بالتظهير الذي جاءت تسميته بهذا الاسم من خلال كتابة توضع عادة على ظهر الشيك. وبناءً على ذلك يتناول المؤلف في الباب نفسه فصلين، يوضح أولهما تظهير الشيك على سبيل التمليك، فيعرف التظهير التمليكي وأشكاله، وشروطه، وآثاره القانونية. ويدور الفصل الثاني حول تظهير الشيك على سبيل التوكيل، فيبين الشروط اللازمة لصحة التظهير التوكيلي، وآثاره القانونية.

ضمانات الوفاء

وينتقل الكتاب للباب الثالث الذي يعالج موضوع ضمانات الوفاء بقيمة المثل، ذلك أن الشيك كأداة وفاء تقوم مقام النقود في التعامل لا يمكن أن يتحقق مالم تكتسب هذه الأداة ثقة واطمئنان المتعاملين بها، وهو ما يعتمد على مدى توافر الضمانات التي تكفل الوفاء بقيمتها؛ لذلك حرص المنظم السعودي على تدعيم هذه الثقة في الشيك من خلال النص على ضمانات قانونية للوفاء به، والتي من أهمها الاعتراف لحامله بملكية مقابل الوفاء، والمسؤولية التضامنية للموقعين عليه تجاه حامله وهو ما يعرف بالتضامن الصرفي، وكفالة الدين الثابت في الشيك عن طريق كفيل صرفي وهو ما يسمى بالضمان الاحتياطي، وحرمان الموقعين على الشيك من التمسك ضد الحامل حَسَن النية بالدفوع الناشئة عن علاقاتهم الشخصية أو ما يعرف بقاعدة تطهير الدفوع، والحماية الجنائية للشيك. ومن هذا المنطلق يحتوي هذا الباب على ثلاثة فصول، يركز أولها على مقابل الوفاء في الشيك، فيعرف مقابل الوفاء، والشروط الواجب توافرها فيه، وملكيته، والجزاء على إصدار شيك بدون مقابل وفاء. ويتطرق الفصل الثاني إلى التضامن بين الموقعين على الشيك، فيعرف هذا التضامن ويحدد نطاقه، وآثاره.

انقضاء الالتزام

ويختتم د.زهير عباس كتابه بالباب الرابع بالحديث عن انقضاء الالتزام الناشئ عن الشيك، فيذكر أنه ينقضي بالطرق ذاتها التي تنقضي بها الالتزامات عموماً وفقاً للقواعد العامة. فهو ينقضي بالوفاء الذي يعد موضوع الفصل الأول من هذا الباب ويتضمن الأحكام العامة في الوفاء بالشيك، والاعتراض عليه، وواجبات البنك المسحوب عليه عند الوفاء به، ومسؤولية هذا البنك عن الوفاء بشيك مزور، وامتناع البنك نفسه عن الوفاء به. ويبحث الفصل الثاني من الباب موضوع انقضاء الالتزام الناشئ عن الشيك بالسقوط بسبب الإهمال، فنتعرف من خلاله على معنى سقوط حق الحامل المهمل وحالاته وخصائصه، ونطاقه. ويشير الفصل الثالث إلى عدم سماع الدعاوى الناشئة عن الشيك (التقادم الصرفي)، فيرصد أوجه الشبه والاختلاف بين تقادم الدعوى الناشئة عن الشيك وسقوط حق الحامل المهمل، ونطاق تطبيق التقادم في دعاوى الشيك، وانقطاع مدة هذا التقادم ووقفها، والحالات التي لا تسري فيها مواعيد ذلك التقادم.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة