نظام جديد لمكافحة جريمة غسل الأموال يتوافق مع رؤية المملكة 2030

​​








​تشكل الأموال عصب الاقتصاد؛ حيث تعتبر عماد الحياة المعاصرة، وأحد مقومات النظام السياسي والاجتماعي. وقد تأثرت حياة الأفراد كثيرًا بالتطور الاقتصادي، خاصة من حيث المواقف والسلوكيات التي تتصف بعضها بالمادية المطلقة؛ فقد أصبح تحقيق الربح بأي طريقة هو المعتقد السائد لدى بعض الأفراد حاملين بذلك شعار الغاية تبرر الوسيلة؛ لإعطاء تبرير لما يقومون به من نشاطات غير مشروعة، وأبرز هذه النشاطات عمليات غسل الأموال. هذه الظاهرة التي انتشرت لتشمل مختلف دول العالم؛ لإضفاء الشرعية على أموالهم.

ولقد ازداد النشاط الإجرامي لهذه الفئة مع التطور المالي والتقني الذي عرفه العالم، ومن مظاهر ذلك استحداث أساليب وتقنيات يتم من خلالها غسل الأموال، خاصة مع ظهور ما يسمى بالعولمة المالية. بل تعد ظاهرة غسل الأموال من أهم وأخطر الجرائم التي ظهرت في عصر الاقتصاد الرقمي والتي يطلق عليها في علم الإجرام "إجرام ذوي الياقات البيضاء­"، فهي ترتبط بالجريمة المنظمة، وإن كانت هذه الأخيرة أكثر اتساعا وشمولا.

وقد انتشرت هذه الظاهرة مع تعاظم الاتجار غير المشروع في كل من: المخدرات، والرقيق، والأسلحة، والنقود المزيفة، والأعضاء البشرية، والأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية، وتجارة الآثار، وانتشار الفساد الإداري؛ ومن ثم ارتباطها ارتباطا وثيقا بالاقتصـاد الخفـي أو غيـر الرسمـي؛ مما يجعل إيراد إحصائيات دقيقة حول المبالغ التي يتم غسلها سنويا أمرًا صعبًا؛ وذلك لتباينها بين الجهات المالية.

وبذلك تعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم على المستويين: المحلي، والدولي؛ لما يترتب عليها من مخاطر كبيرة غير مشروعة، كما أنها المصدر الرئيس لتمويل الأنشطة غير القانونية؛ ولهذا بات من الضروري على المجتمع الدولي تفعيل التعاون الدولي لمحاربة هذه الظاهرة.

ولم تكن المملكة العربية السعودية بمعزل عن هذا التطور، بل كانت سباقة إلى تجريم هذه الأنشطة؛ فأصدرت نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 39) بتاريخ 25/6/ 1424هـ، ثم صدر نظام مكافحة جرائم غسل الأموال بمقتضى المرسوم الملكي رقم م/۳۱ بتاريخ۱۱ / ٥ / ۱٤۳۳هـ. غير أن هذا النظام لم يستمر طويلًا؛ حيث أصدر المنظم مؤخرًا نظام غسل الأموال الجديد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/20) وتاريخ 5 / 2 / 1439هـ.

 وهو تقنين يتميز بجلب المنافع ودفع المضار للأمة؛ تحقيقًا لمصلحة حفظ المال بتحديد الأفعال التي تعد من جرائم غسل الأموال، وتحديد عقوبتها في إطار قواعد الشريعة الإسلامية التي تتسم بالمرونة في شأن جرائم التعزير، وتماشيًا مع ما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن؛ إذ أن الشريعة الإسلامية قد حددت الطرق الشرعية لاكتساب المال وإنفاقه، وأن من السياسة الشرعية تنظيم النشاط الاقتصادي بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وعليه فإن قواعد تجريم غسل الأموال يستنبط بالقياس والاستنتاج من النصوص الشرعية؛ منها قول الله تعالى "  وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ " (سورة الأعراف آية 175)، وقوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ  " ( سورة النساء آية 29)، وقوله تعالى " وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ"  (سورة الأنعام آية 120)، وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ " ( سورة البقرة آية 267)؛ من هنا تبرز أهمية مكافحة جريمة غسل الأموال؛ لما لها من انعكاسات سلبية سواء أكانت: اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية.  يمكن أن نجملها في التأثير على الدخل القومي.

 فالانعكاسات الاقتصادية  تتمثل في: زيادة معدل التضخم، وانهيار قيمة العملة الوطنية، كما لها تأثير على معدلات البطالة. أما الآثار الاجتماعية السلبية؛ فتتمثل في حدوث خلل في توزيع الدخل القومي في المجتمعات التي تنتشر فيها هذه الجريمة، كما تسعي المنظمات الإجرامية؛ بفضل الأموال غير المشروعة المتحصلة من عمليات غسل الأموال إلى التسلل إلى مواقع اتخاذ القرار؛ مما يؤدي إلى انهيار القيم والسلوك الأخلاقي، مثل؛ قيم العمل والكسب المشروع، والرغبة في الإثراء السريع بأي وسيلة ولو كانت غير مشروعة؛

ولهذا كان إلزاما على المجتمع الدولي، والمملكة العربية السعودية كذلك-باعتبارها عضوا فعالا في المجتمع الدولي-خلق أجواء تنافسية اقتصادية بسيطة وشفافة بوضع إستراتيجيات لمكافحة هذه الآفة الجريمة الخطيرة.  وهذا ما ترمي إليه رؤية المملكة (2030).​

​​

15/07/1439
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة