تنافس الموظفين ..القمة تتسع للجميع والعدالة تحسم الصراع
  • ​ماجد الشمري: على الإدارة تعزيز التنافس الإيجابي بترسيخ التعاون وتقديم الحوافز
  • يوسف الفيفي: القائد الفذ يحقق العدالة في العمل ولا يحفّز شخص إلا بأدلة ملموسة
  • مبارك الدوسري: حصول "البعض" على جميع الحوافز المادية يقتل روح المنافسة
  • أحمد الخزيّم: الموظفون يتفاوتون في القدرات والمهارات وهذا لا ينتقص من أحد

                                                                                                         

​المنافسة بين زملاء العمل أمر بديهي ويوجد في مختلف بيئات العمل، وتسعى الإدارة إلى تحفيز المتميزين لتعزيز المنافسة؛ بهدف تشجيع الموظفين على التطور المستمر بما يخدم تحقيق أهداف المؤسسة في النهاية. ولكن: ما هي ضوابط هذا التحفيز؟ وكيف تضمن الإدارة عدم تحول المنافسة إلى صراع وعلاقات شخصية سلبية تهدد بيئة العمل؟ أسئلة نطرحها في هذا التحقيق، ونسعى للإجابة عليها في هذا التحقيق.


إيجابي وسلبي

في البداية يرى ماجد بن علي الشمري-الباحث في تطوير القيادة-أن المنافسة بين الموظفين سلاح ذي حدين: إما إيجابي، أو سلبي. ويتم ذلك وفق توجيه وضبط آليات المنافسة من قبل كل من القيادة أو الإدارة. فالإيجابي هو كل ما يتم، من خلال التعاون بين الموظفين لتحقيق الأهداف، بينما السلبي يكون بإقصاء الآخر بعيداً عن تحقيق الأهداف.

ويقول الشمري: الدور الرئيس للقائد أو المدير يكمن في وضع الآليات والأطر الموجهة لحدود ونوعية البيئة التنافسية بين الموظفين. وبالتالي نستطيع القول إنه يجب على القيادة أو الإدارة في أي قطاع تعزيز بيئة العمل التنافسية بشكلها الإيجابي؛ وذلك ببث ثقافة التعاون بين موظفيها لما يخدم مصلحة العمل والسعي نحو المشاركة في تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال دعم العمل الجماعي، وتقديم الحوافز المادية والمعنوية؛ لما لذلك من أثر ملموس في رفع الفعالية والكفاءة بين الموظفين فيما يخدم الهدف العام للعمل.

وعلى النقيض من ذلك-والحديث لا يزال للشمري-عندما تهمل القيادة أو الإدارة دورها في تهيئة البيئة التنافسية الإيجابية للعمل التعاوني نحو تحقيق الأهداف المرجوة، حينها يكون مصير البيئة التنافسية الفشل؛ حيث إنها سوف تتجه نحو السلبية، وذلك بتحول التركيز من التعاون في تحقيق الأهداف إلى التركيز على إقصاء الآخر؛ وبالتالي يكون مقياس النجاح مبني على فشل الموظف الآخر؛ بدلاً من أن يكون مقياس النجاح مبني على التنافس من أجل تحقيق الأهداف والتعاون في ذلك.

ويشير ماجد الشمري إلى أن المنافسة الإيجابية في بيئة العمل هي من تغذي الإبداع، وتحسّن من جودة العمل؛ من خلال التحفيز على تنمية المهارات التي تجعل البيئة التنافسية بين الموظفين بيئة عظيمة تمتاز بالصفات التالية: الرغبة في الاكتشاف، والحرص على الإنجاز، والثقة، وحل المشكلات؛ وكل هذه الصفات تؤدي إلى الإبداع. بينما على الجانب السلبي؛ تكون البيئة التنافسية السلبية بين الموظفين أكثر فتكاً بالموظفين أنفسهم مما يؤدي إلى فقدان الروح المعنوية والتسبب في الإجهاد والضجر من بيئة العمل والشعور بجو المؤامرة وكثرة الأعذار الواهية بشأن عدم تحقيق الإنجاز.

ويستطرد الشمري: ومن وجهة نظري، فالبيئة التنافسية بين الموظفين بشكلها العام هي بيئة إيجابية؛ إن تم تفسيرها على أن بيئة التنافس تكون في تحقيق الأهداف وليس في إقصاء الآخر، أي أن يكون التنافس تحت قاعدة "القمة تتسع للجميع"، أو بعبارة أخرى أن يكون التنافس في التعاون لتحقيق الأهداف وليس التنافس في إقصاء الآخر بعيداً عن تحقيق الأهداف.

​ويرى الشمري أن أفضل السبل لتحقيق البيئة التنافسية الإيجابية تكمن في قدرة القيادة أو الإدارة على تشريع وضبط المنافسة بين الموظفين وفق آليات تجعل منها منافسة على التعاون في تحقيق الأهداف والتمتع بالمكافآت؛ ويتم ذلك من خلال المنافسة في كل من: 

المشاركة في تحقيق الأهداف: وهي من أهم المزايا الرئيسة للمنافسة الإيجابية للموظفين؛ فالمشاركة والتعاون لدفع الموظفين بعضهم البعض لتجاوز الصعاب وحل المشكلات؛ والتي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الكفاءة والفاعلية. سواء على المستوى الفردي، أو على المستوى الجماعي وتحفيز العمل بروح الفريق الواحد.

المشاركة في تطوير الذات: فالبيئة التنافسية الإيجابية تعمل على رفع روح التعاون بين الموظفين وتحفيزهم نحو الالتزام بتحسين الذات؛ وذلك من خلال التفاعل الإيجابي بين الموظفين، عن طريق الخبرات وتبادلها فيما بينهم؛ لينعكس ذلك على بيئة العمل لتكون أكثر تنظيماً وفاعلية وفق أسلوب التعلم الذاتي المستمر من أجل التنمية التطوير.

العدالة والوسائل

من جهته، يرى يوسف الفيفي-الباحث القانوني-أن الطريقة المثلى لتحفيز الموظفين من جانب الإدارة يكون قبل، وأثناء، وبعد الإنجاز؛ حيث يكون التحفيز إما إيجابياً أو سلبياً، إدارياً، وفنياً، ومعنوياً، ومادياً على النحو التالي:

إدارياً: من خلال توزيع المسؤوليات والمهام بعدالة، وتهيئة الجو الصحي التنافسي في المنظمة، ومعاملتهم إنسانياً وتنظيمياً بعدل ومساواة، والتفويض، والتمكين.

فنياً: إلحاق الموظف بدورات تدريبية، أو مؤتمرات، أو ملتقيات.

معنوياً: عبارات وألفاظ الشكر والثناء والمدح والإشادة.

مادياً: مكافآت، وعلاوات، وإجازات، وانتداب.

وقد يكون التحفيز سلبياً؛ وذلك بعكس جميع ما سبق من تحفيز وحرمان الموظف منه.

ويستطرد الفيفي قائلاً: إن تمييز الموظف لا يكون ارتجالياً ومزاجياً؛ بل لابد أن يكون عن طريق مؤشرات قياس الأداء، وبيان نقاط تميزه للجميع لمعرفة السبب. والقائد الفذ هو من يوجه دفة العمل عبر (العدالة التنظيمية) بتوزيع المهام والصلاحيات والمسؤوليات بعدالة، فلا يعطي شخص ويميزه عن غيره، إلا بحقه، وبشواهد وأدلة ملموسة ليقتنع البقية. ولا أعتقد أن للحوافز مخاطر؛ إلا إذا استخدمت في غير سياقها الصحيح، بحيث يحفز من لا يستحق، أو يبالغ في تحفيز من لا يستحق أعلى ممن يستحق بحجة إصلاحه، أو أن يكون التحفيز أقل بكثير من قيمة المنجز، فهنا تكمن الخطورة.

وحول الوسائل التي تضمن بها الإدارة عدم وجود منافسة سلبية بين أعضاء الفريق بعيداً عن الصراعات؛ يقول الفيفي: لا تستطيع أي إدارة أن تضمن تحول المنافسة من إيجابية نزيهة إلى سلبية غير نزيهة، إلا بالآتي:

  • أن تكون القيادة فاعلة، واعية، وعادلة، وقدوةً لجميع العاملين في السلوك الوظيفي والانضباط والالتزام بميثاق أخلاقيات المهنة.
  • تحديد نقاط المنافسة بوضوح، ووضع دليل ولائحة تفسيرية لمجالات وعناصر التنافس.
  • وضع معايير ومؤشرات؛ لقياس الأداء، ومعرفة ترتيب الإنجازات في سلم القياس.
  • تفعيل العلاقات الإنسانية والقيادة الديموقراطية التشاركية؛ بحيث يضمن القائد أن العمل سيكون بروح الفريق الواحد في سبيل المصلحة العامة، وتغليبها على المصلحة الشخصية.
  • نشر فكرة تبادل الخبرات، وأن أفكار الآحاد مكملة للجميع، وهكذا.
  • نشر فكر التطور والتحسين المستمر، إذْ أنّ المتنافسين كلهم يطمحون للتفوق، ومعاونة الآخرين، واكتساب الخبرات، وتبادلها فيما بينهم.
  • نضج، ووعي، وإدراك، وحجم الاضطلاع بالمسؤولية، والرشد العقلي بين الأفراد المتنافسين. كما في نظرية (نضج الأتباع أو العاملين) لـ"هرسي وبلانشرد".
  • ترصد بعض الدراسات ميل بعض الموظفين لإخفاء منافستهم للآخرين؛ لأن المنافسة في الغالب تنتهي بتبعات نفسية تشمل التوتر، وعدم الثقة في النفس.
  • تقوم بعض القيادات بعزل المتنافسين عن بعضهم؛ بحيث لا يعلم أي فريق من المتنافسين ماذا عمل الآخر حتى نهاية التقييم النهائي، ثم تستعرض التجربتين، وتلقى التجربة المتميزة الإشادة والتعميم على طريقة (الدراسات المقارنة) للاستفادة من تجارب الغير.

وحول السبل المتاحة للإدارة لتحويل المنافسة بين الموظفين إلى منافسة إيجابية تعتمد على التطوير والابتكار؛ يقول الفيفي: إذا اعتمدت القيادة نهج التطوير والابتكار والإبداع؛ فحتماً ستنتهج الفرق المتنافسة ذلك النهج، أما إذا كان الأمر غير ذلك؛ ففاقد الشيء لا يعطيه؛ ولذلك فإذا تم نشر ثقافة التطوير، واعتمادها، وبيان أبعادها، وفوائدها، ومجالاتها، وتم توفير جميع متطلباتها، وبُنيت الخطط والرؤى والوسائل لذلك؛ فحتماً ستصل الإدارة إلى ما تطمح إليه.

علاقات سلبية

ويرى أحمد بن عبدالرحمن الخزيّم-المحاسب بوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد-أنه في بيئة العمل تحدث عدة أنواع من المنافسة: منها ما هو مشروع، ومنها ما هو غير ذلك، ولا شك أن المنافسة عامل تحفيزي بين الموظفين، وهي عملية إيجابية إذا كانت بحدودها الطبيعية، وتعطي دافعاً لمزيد من الجهد في العمل، ومحفزة للابتكار، ويسعى فيها الموظف لإثبات ذاته وتطويرها.

ويقول الخزيّم: إن طبيعة النفس البشرية تحب أن تكون الأفضل في مجالها، وقد يسبب تميز بعض أو أحد زملاء العمل في نفس البعض شيء من الغيرة، ويجب على الإنسان السوي ضبطها، وإدراك أن البعض يتميز بمميزات، والآخرين يتميزون بمميزات أخرى، كما أن طبيعة الخلق أنهم يتفاوتون في القدرات والأداء والعمل، وهذا لا ينتقص من قدر المسبوق، إذ أنه قد يكون متميزاً بأمر آخر، والعلاقات في بيئة العمل يجب أن تكون خالية من العلاقات الشخصية السلبية.

التطوير والابتكار

ويشير مبارك بن بكر الدوسري-المحاسب بالأمانة العامة لمجلس الوزراء-إلى أن المنافسة تعني وجود حوافز تعزّز من روح المنافسة بين الزملاء، ويضيف: ولكن الذي يتضح لي-من خلال التجارب السابقة-هو انعدام المنافسة؛ وذلك بسبب حصول البعض على جميع الحوافز المادية؛ مما يكون له دور في قتل روح المنافسة.

ويتابع الدوسري: ولكن حينما توجد المنافسة في بيئة العمل، فإنها ستكون دافع إيجابي لبذل المزيد من الجهد، وتعزيز تطوير الذات والابتكار؛ متى ما كانت المنافسة شريفة، ولها حوافز معنوية، أو مادية، وهنا تكون المنافسة إيجابية. أما متى ما كانت المنافسة غير نزيهة، وتبتعد عن الشفافية؛ فإنها ستولد الغيرة، والحقد؛ لانعدام العدالة، ولما فيها من هضم لحقوق الآخرين.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة