في كتاب مسائل حوكمة الشركات: كفاءة سوق عمل الرؤساء التنفيذيين للشركات أثرها مهم في جودة حوكمتها

​​​​الحوكمة هي أحد أهم المقومات العصرية لنجاح إدارة المؤسسات المختلفة، ومن الموضوعات الثرية والمثيرة للجدل والنقاش بين الممارسين، والخبراء، والأكاديميين، وصناع القرار، والجمهور، ووسائل الإعلام المتنوعة؛ وبالرغم من ذلك فمازال هناك نوع من الغموض حول عدد من المسائل المتعلقة بالحوكمة سواء من الناحية التطبيقية، أو النظرية، وهذه المسائل بحاجة إلى تسليط الضوء عليها بشكل متعمق وشامل وموضوعي؛ وهو الهدف الذي يسعى إليه كتاب "مسائل في حوكمة الشركات" الذي نقرأه معاً في هذا العدد من مجلة "التنمية الإدارية، وهذا الكتاب من تأليف كل من: "ديفيد لاركر"، و"بريان تيان"، وقام بترجمته للغة العربية د.عبدالله بن ناصر أبوثنين، وصادر عن معهد الإدارة العامة.

الشركات الدولية

يتكون الكتاب من: مقدمة، و14 فصلاً متنوعاً، ويبلغ عدد صفحاته 542 صفحة. يستهله المؤلفان بمقدمة، يشيران فيها إلى أن هناك عدداً من المفاهيم الخاطئة والخاصة بموضوع حوكمة الشركات، والتي حاولا تصحيحها، وأن كل فصل من فصول هذا الكتاب مستقل ويركز على سمة خاصة من سمات الحوكمة؛ حيث يصفا فوائدها وتكاليفها، ويراجعا الأدلة البحثية، وبعد ذلك يستخلصان الاستنتاجات. وفي الفصل الأول "مقدمة في حوكمة الشركات" يسرد المؤلفان عدداً من الأمثلة والحقائق التي تسببت في انهيار شركات؛ بسبب عدم تطبيق آليات الحوكمة بشكل صارم؛ مثل شركة "هيلث ساوث" التي شهدت إعلاءً للمصلحة الذاتية وعدداً من الانتهاكات للحوكمة لدى بعض "التنفيذيين ذوي المصالح الذاتية" وهي نقطة مهمة يتوقف عندها المؤلفان، ثم يتطرقان لعدد من النقاط الأخرى وهي: تعريف حوكمة الشركات، ومعاييرها، وأفضل ممارساتها، والعلاقة بين حوكمة الشركات وأدائها.

 ويخصص "لاركر" و"تيان" الفصل الثاني من الكتاب عن "حوكمة الشركات الدولية"؛ حيث يؤكدان من خلاله على أن نظام الحوكمة الذي تتبناه المؤسسة ليس مستقلاً عن بيئتها؛ فهناك مجموعة من العوامل المتأصلة في إطار الأعمال والتي بدورها تشكل نظام الحوكمة، ومن هذه العوامل التي يستعرضها المؤلفان في هذا الفصل ما يلي: كفاءة أسواق رأس المال، والمدى الذي يقدم فيه النظام القانوني الحماية لجميع المساهمين، والموثوقية في المعايير المحاسبية، وإنفاذ اللوائح، والقيم الاجتماعية والثقافية؛ فالاختلافات في هذه العوامل لها آثارها المهمة في نوع آليات الحوكمة. كما يستعرض المؤلفان في هذا الفصل أيضاً هياكل الحوكمة الوطنية؛ للتعرف بشكل أفضل على كيفية إسهام هذه العوامل في صياغة أنظمة الحوكمة في أسواق عدد من الدول التي يتحدثان عنها بالتفصيل، وهي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، والهند، والبرازيل، وروسيا.

مجالس الإدارة

ويتحدث المؤلفان في ثلاثة فصول متتالية عن "مجالس الإدارة"، وذلك في ثلاثة موضوعات مهمة؛ إذ يدور الفصل الثالث عن "مجلس الإدارة: الواجبات والتبعات" التي تقع على عاتق عضو مجلس الإدارة؛ حيث يبدأ الفصل بلمحة عامة عن دور المجلس ومسؤولياته ومتطلباته، ثم مراجعة للعمليات التي يقوم بها، وتقييم الإجراءات التي من خلالها يتم اختيار الموضوعات وتداولها وإقرارها، ثم بعد ذلك يقوم المؤلفان بمراجعة كيفية انتخاب واستبعاد أعضاء مجلس الإدارة، ويبحثان في المسؤوليات القانونية التي تلازم عضو المجلس في عمله والتبعات المحتملة التي تواجهه عندما يفشل في القيام بواجباته. ويتناول الفصل الرابع "مجالس الإدارة: اختيار أعضائها، وتعويضاتهم وعزلهم"؛ وذلك من خلال حجم الطلب في السوق على أعضاء هذه المجالس والمؤهلات التي يجب أن يتحلوا بها، ثم يناقش المؤلفان كيف يمكن للشركات تحديد الثغرات في قدرات وإمكانات مجالسها وتوظيف الأفراد لسد هذه الثغرات؛ ومن ثم تقييم تعويضات عضو المجلس وإرشادات ملكيته للأسهم، ثم يلفتان إلى موضوع استقالة أعضاء مجلس الإدارة وعزلهم. ويبحث الفصل الخامس في "مجالس الإدارة: الهيكل والنتائج"؛ وذلك من حيث السمات الهيكلية لها وتحديد أيها يسهم في زيادة فعاليتها، وفصل الأدوار بين رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والاستشهاد بمثالين من الشركات الأمريكية وهما: "بنك أوف أمريكا"، و"جنرال موتورز"، وتعيين عضو المجلس القائد، وحجم المجلس، وهيكل اللجان التابعة له، وحالات مجالس الإدارة التي يخدم أعضاؤها في مجالس إدارة أخرى، وعضوات مجلس الإدارة السيدات والمجالس المتنوعة.

الإستراتيجية والسوق والتعويضات

ويركز المؤلفان في الفصل السادس على "الإستراتيجية التنظيمية، ونماذج الأعمال، وإدارة المخاطر"؛ فهي إحدى المسؤوليات الرئيسة للمجلس، وفي ضوء ذلك يناقشان في هذا الفصل أربع نقاط مهمة وهي: تحديد إستراتيجية الشركة، وتطوير واختيار نموذج عمل يتحقق من كيفية ترجمة الإستراتيجية إلى قيمة للمساهمين ولأصحاب المصلحة، وتحديد المؤشرات الأساسية لقياس أداء الشركة، وتحديد وتطوير عمليات من شأنها الحد من المخاطر التي تهدد الإستراتيجية ونموذج الأعمال. وينتقل المؤلفان إلى الفصل السابع بعنوان: "سوق العمل للرؤساء التنفيذيين ولعملية التخطيط للتعاقب على منصب الرئيس التنفيذي"؛ فكفاءة هذا السوق لها أثر مهم في جودة الحوكمة؛ وبناء على ذلك يبدأ هذا الفصل بالأخذ في الاعتبار العوامل المساهمة في حركة تعيينات الرؤساء التنفيذيين، يلي هذا تحديد الدلائل التي تشير إلى إمكانية قيام مجالس الإدارة بإقالة ذوي الأداء الضعيف منهم، ثم دراسة عملية اختيار الرئيس التنفيذي، ثم تقييم أساليب الشركات في هذا الصدد. ويستعرض الفصل الثامن "تعويضات وحوافز الرئيس التنفيذي"؛ وذلك من عدة نقاط كالتالي: الجدل القائم حول تعويضات التنفيذيين، ومكونات التعويضات، وتحديد مستواها، ومستشاروها، ومستوياتها، وعدم المساواة في الأجور سواء للمسؤولين التنفيذيين، أو الموظفين العاديين، والتعويضات المختلطة، والحوافز على المديين القصير والطويل، والإفصاح عن التعويضات، والجهود المبذولة لإصلاح التعويضات.

الملكية والتقارير والمتاجرة

ويسلط المؤلفان الضوء في الفصل التاسع على موضوع مهم، وهو "ملكية الرؤساء التنفيذيين للأسهم"؛ إذ أن من يمتلكون منهم الأسهم في شركات ما سيكون لديهم حافز لتحسين القيمة الاقتصادية لها؛ كما أن حيازة هذه الأسهم تردع السلوكيات التي تنم عن الأنانية والمصلحة الشخصية. أما الفصل العاشر فهو يدور حول "التقارير المالية والتدقيق الخارجي"، إذ يتركز موضوعه في عملية تقييم مجلس الإدارة لمدى نزاهة القوائم المالية المعلنة. فلجنة التدقيق يجب أن تتحقق من أن عمليات تنفيذ التقارير المالية تتم بشكل مناسب، وذلك باتباع طريقتين يناقشهما هذا الفصل، وهما: الأولى: العمل مع الإدارة لتحديد أطر جودة الحسابات والشفافية والضوابط الداخلية، والثانية: الاستعانة بمدقق خارجي ليتحقق من خلو القوائم المالية من أخطاء جوهرية. ويلفت الفصل الحادي عشر لموضوع "المتاجرة في السوق للسيطرة على الشركات"، فيشرح سوق السيطرة على الشركة، ويقدم الاحترازات التي تتبعها المؤسسات لحماية نفسها من عمليات الاستحواذ غير المرغوب فيها.

المساهمون والتصنيف والخلاصة

ويدور الفصل الثاني عشر عن: "المساهمون المؤسساتيون والمستثمرون النشطون"؛ لمحاولة فهم أهدافهم والطرق التي يتبعونها لكسب النفوذ، والنظر إلى الدور الذي تلعبه شركات استشارات التوكيل للتأثير في عمليات التصويت السنوية، بالإضافة إلى توضيح أثر التغييرات التنظيمية المحتملة، بما في ذلك التوجه مؤخراً نحو "ديمقراطية المساهمين". ويسعى الفصل الثالث عشر إلى "تصنيف حوكمة الشركات"؛ بتناول المنهجية المتبعة لتطوير عملية التصنيف هذه، وقياس قدرة هذه التصنيفات على تحديد الشركات ذات الحوكمة الجيدة، ونظيراتها ذات الحوكمة السيئة، واستعراض نماذج من جودة الحوكمة التي طورها الباحثون في هذا المجال. ويختتم "لاركر" و"تيان" كتابهما في الفصل الرابع عشر بعرض بانورامي لما توصلا إليه من خلال الفصول الـ 13 المتقدمة؛ فيقدمان "الخلاصة والنتائج"، ودروساً محورية مستفادة من هذا الكتاب، والتي يستعرضانها في ستة عناوين فرعية كالتالي: الاختبارات والتجارب لاتزال غير كافية، والتوجه الخاطئ لجوانب التركيز الحالية، وخلافة الرئيس التنفيذي، وإدارة المخاطر، وتعويضات التنفيذيين، ومتغيرات هامة مفقودة بوضوح، والسياق أمر مهم.​

15/07/1439
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة