التنمية المستدامة ورأس المال الاجتماعي

​​  تُعد التنمية بأنواعها عملية ديناميكية مستمرة، ومطلب أساسي لبناء دولة المستقبل؛ من خلال تكافل القوى البشرية في ترجمة الخطط التنموية إلى مشروعات فاعلة تُسهم مخرجاتها في إحداث التغييرات المطلوبة وتحقيق الأهداف المنشودة.

  أما التنمية المستدامة فهي عملية مجتمعية تسهم فيها كل فئات المجتمع بشكل متناسق ولا تعتمد على فئة دون الأخرى، وتلتزم كل هذه الفئات بتحقيق أهدافها المتمثلة في التوافق بين البيئة والتنمية من خلال محورين أساسيتين هما: الحاجة إلى تهيئة الوضع؛ من أجل المحافظة على مستوى حياة يرتضيه جميع البشر، وإدراك الحدود القصوى لسعة البيئة؛ لتلبية احتياجات الحاضر والمستقبل طبقاً لمستوى التكنولوجيا، والنظم الاجتماعية. وتتدرج هذه الاحتياجات من احتياجات أساسية إلى فرعية. وذلك عبر تكامل ثلاثة أنظمة هي: النظام الحيوي للموارد ويعني القدرة على التكيف مع المتغيرات الإنتاجية للموارد لعملية التصنيع والإنتاج، لتكوين الموارد الاقتصادية واستغلالها استغلالاً أمثل، والنظام الاجتماعي الذي يهتم بتوفير العدالة الاجتماعية لجميع فئات المجتمع، والنظام الاقتصادي الذي يهتم بتحقيق التوازن بين الاستهلاك والإنتاج لتحقيق التنمية المستهدفة؛ بغرض التحسين المستمر في نوعية الحياة (تحقيق رفاهية المجتمع)، والقضاء على الفقر بين فئات المجتمع، والمشاركة العادلة في تحقيق المكاسب المتنوعة للجميع، وتبني أنماط إنتاجية استهلاكية مستحدثة.

    ويؤرخ البعض أن ظهور التنمية المستدامة مرتبط بمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة الإنسانية بستوكهولم عام 1972م، كما اكتسب مفهوم التنمية المستدامة رواجاً كبيراً في الآونة الاخيرة خاصة عام 1990م؛ حيث تبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ثلاثة أبعاد للتنمية. أولها خاص بتكوين القدرات البشرية (التنمية البشرية)، من حيث الاهتمام بتطوير القدرات المعرفية، والاهتمام بالرعاية الصحية، وثانيها خاص باستفادة البشر من هذه القدرات في الحياة وزيادة الانتاجية، وثالثها خاص بمستوى رفاهية الإنسان من جوانب مختلفة. وبذلك أصبحت مؤشرات التنمية المستدامة الأساسية هي:

  • التنمية المستدامة عملية مستمرة ومتصاعدة؛ لتعدد حاجات المجتمع وتزايدها.
  • التنمية المستدامة عملية مجتمعية تسهم فيها كل فئات المجتمع ولا تعتمد على فئة أو مورد محدد.
  • التنمية المستدامة عملية توعوية محددة الغايات، وذات طابع إستراتيجي طويل المدى، من خلال أهداف مرحلية وخطط وبرامج.
  • التنمية المستدامة عملية موجهه بموجب إرادة تنموية تعي الأهداف المجتمعية، وتلتزم بأهدافها من خلال الاستخدام الأمثل لموارد المجتمع بأسلوب حضاري يحافظ على طاقات المجتمع.
          ومع بداية القرن الحادي والعشرين؛ أصبحت التنمية المستدامة مؤشر رئيس لاستمرار البشرية، وتحتل أبعادها المختلفة أولوية في معظم جداول أعمال الدول التي تعمل من أجل إصلاح مجتمعاتها وتطويرها. وقد أوضح البعض إطاراً شبكياً للتنمية المستدامة وذلك كما يلي:
         يقوم هذا الإطار على محورين أساسيين للتنمية المستدامة هما: سلامة البيئة من خلال البيئة والموارد، ورفاهية الإنسان من خلال السكان والتكنولوجيا.
    مميزات التنمية المستدامة: تتميز التنمية المستدامة بخصائص تميزها عن نماذج التنمية الأخرى، وتتمثل في أنها تنمية إيجابية عادلة وذلك بمشاركة المجتمع في تحقيقها، كما أنها لا تستند إلى فكرة التبادل التي استندت إليها التنمية التقليدية؛ لأنها ترتكز على أساس أخلاقي يمكٍن الأفراد من تأجيل إشباع رغباتهم، فرأس المال الاجتماعي يشجع الأفق الأبعد أمداً في التفاعل الاجتماعي؛ حيث تأخذ أجيال الحاضر في اعتبارها مصالح أجيال المستقبل، بالإضافة إلى أنها عالمية المطالب باعتبارها الخيط المشترك الذي يربط مطالب التنمية المستدامة اليوم بضرورات التنمية في الغد، ولاسيما بالحاجة إلى الحفاظ على البيئة وإعادة توليدها من أجل المستقبل، كما أن التنوع من بين هذه المميزات، والذي يعني وجود عدة أنماط متوازية تؤدي كلها إلى التنمية.
        وعليه فإن التنمية المستدامة عملية مستمرة محورها الإنسان باعتباره الكائن الاجتماعي الذي يعيش في البيئة ويتفاعل مع مكوناتها، وإن كل ما في البيئة من موارد مسخر للإنسان؛ لذلك يجب على الإنسان استغلال هذه الموارد استغلالاً أمثل مراعياً حاجة الأجيال المستقبلية.​
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة