سوق العمل النشطة بالمملكة وتوظيف المبتعثين السعوديين بالشركات اليابانية

​​​​​​مشكلة البطالة هي مشكلة عالمية تواجهها كافة دول العالم المختلفة، سواء: المتقدمة، أو النامية؛ وقد دأبت المملكة العربية السعودية على التصدي لهذه المشكلة بوضع سياسات نشطة لتحفيز سوق العمل، والارتقاء بتأهيل شبابنا من خلال ابتعاثهم للدول المتقدمة. فهذه السياسات تعد عنصراً أساسياً في الإستراتيجيات المتبعة في هذا الصدد، وتهيئة الداخلين الجدد لسوق العمل، وزيادة فرص الفئات الأقل حظاً في التوظيف كالنساء، كما أن ابتعاث الطلبة السعوديين للدول المتقدمة كاليابان؛ كان ذا تأثير مهم في توظيفهم بشركات مثل هذه الدول. وهما الموضوعان اللذان تناولتهما كل من: د.هند بنت محمد آل الشيخ، ود.عصام أمن الله بخاري، والمنشوران بمجلة "الإدارة العامة" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، ونستعرضهما معكم في هذا العدد الخاص بـمناسبة "الخريج والوظيفة" التي يقيمها المعهد سنوياً..وإليكم التفاصيل.

سياسات العمل ودروس

تستهل د.هند آل الشيخ ورقتها العلمية وعنوانها: "سياسات سوق العمل النشطة بالمملكة العربية السعودية: دروس مستفادة حول مؤشرات التقييم" بالإشارة إلى أن هذه السياسات والبرامج-ومنها برنامج "حافز"-تثير جدلاً بين الخبراء والمتخصصين؛ إذ يؤكد مؤيدوها على أنها وسيلة مباشرة في الحد من البطالة، بينما يرى معارضوها أنها إنفاق غير مبرر وفيه إضاعة للمال العام. وبناء على ذلك فهي ترى أن هذه المعطيات تستلزم تبني أدوات لتقييم الأنواع المختلفة من التدخلات التي قامت بها الدولة، وكذلك استعراض تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال من واقع دراسات التقييم المتوافرة؛ لاستخلاص الدروس المستفادة. وتؤكد على أن كلاً من: معدلات البطالة بين السعوديين، والإنفاق على سياسات وبرامج سوق العمل النشطة لا يعكسان أداء الاقتصاد السعودي الذي يعد من بين أفضل الاقتصادات أداءً ضمن مجموعة دول العشرين.

وتستعرض الورقة سياسات سوق العمل، والتي تقسمها إلى النوعين التاليين: أولاً: تدابير سلبية تشير إلى التحويلات النقدية المباشرة للتعويض عن فقدان العمل؛ وبالتالي توفير الدخل البديل لتخفيف حدة البطالة وتشمل: إعانات البطالة، والتأمين ضد البطالة، والتقاعد المبكر. وأما النوع الثاني فهي السياسات الإيجابية أو النشطة، وهي التي تقدم الدعم المباشر؛ من أجل إدماج المتعطلين في سوق العمل، وتشمل: إنشاء مكاتب أو هيئات عامة للتوظيف تكون مسؤولياتها إدارة وتنظيم معونات البحث عن عمل، والتدريب على مهارات سوق العمل، والخلق المباشر للوظائف ودعم أجور التوظيف وفتح المجال لتوظيف العاطلين في مشاريع الأشغال العامة، ودعم المشاريع الصغيرة وكل التدابير الرامية إلى تشجيع مبادرات الأعمال.

وتخلص د.هند من دراستها البحوث والتقييمات والتجارب الدولية التي رصدت هذه السياسات إلى أنه من بين أهم الدروس المستفادة أن السياسات المحددة أهدافها بعناية تكون نتائجها أفضل من مثيلاتها العامة التي تطبق على جميع الفئات باختلاف خصائصهم، كما أن الإدارة اللامركزية لها أفضل من نظيرتها المركزية خاصة في حالات كبر عدد المستفيدين منها، وأنه لابد من ربط سياسات سوق العمل النشطة بالسياسات الاقتصادية الكلية خاصة فيما يتعلق منها بسياسة التوظيف في القطاع الحكومي. وفي ضوء هذه الدروس؛ يمكن إبداء العديد من التوصيات المهمة، والتي من بينها ما يلي: بناء وجمع الإحصاءات اللازمة للقيام بعملية التقييم الدوري لهذه السياسات، والرصد الدوري لنتائجها والتقييم المستمر لآثارها وبذل الجهود لتحسينها، والحد من البرامج التدريبية العامة والتركيز على الشراكات الإستراتيجية مع جهات التوظيف، والتركيز على السياسات والبرامج الموجهة للفئات الأقل حظاً والمهمشة أحياناً مثل النساء، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمتسربين من نظام التعليم العام.

توظيف المبتعثين

ثم ننتقل مع الدراسة التي أعدها د.عصام بخاري بعنوان: "واقع تجربة توظيف المبتعثين السعوديين في الشركات اليابانية"؛ كدليل واضح على أن اهتمامنا بتأهيل شبابنا يؤتي ثماره بتميزهم وتقلدهم الوظائف بشركات ومؤسسات الدول المتقدمة، والتي تعد اليابان درة تاجها. ولم يكن ذلك ليتحقق إلا كامتداد لما تشهده المملكة من تطوير ونهضة؛ فقد أتاح برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي –منذ انطلاقه عام 2005م وحتى الآن-الارتقاء بقدرات هؤلاء الشباب ومهاراتهم، وارتياد آفاق أرحب واغتنام فرص وظيفية متميزة. وتجدر الإشارة إلى أن اليابان كانت أحد أهم بلدان الابتعاث منذ العام 2007م؛ وقد صاحب ذلك أن بدأت برامج تدريب الطلبة السعوديين في الشركات اليابانية منذ العام 2011م، من خلال شركتين فقط، وتزايد العدد ليصل إلى 13 شركة في الأعوام التالية. ومن ناحية أخرى وصل عدد الشركات اليابانية التي شاركت في أيام المهنة الخاصة بتوظيف خريجي برامج الابتعاث من الطلبة السعوديين في اليابان عام 2015م إلى 27 شركة. وتركز الدراسة في إطارها النظري على الجوانب التالية: التوظيف والاستقطاب للعمالة الأجنبية، والعوامل المؤثرة في المسار المهني للكفاءات الأجنبية، واستقطاب الشركات اليابانية للقوى العاملة الأجنبية، واستقطاب الطلبة الأجانب للعمل في الشركات الأجنبية، وواقع ابتعاث الطلبة السعوديين إلى الجامعات اليابانية.

وقد توصل د.عصام بخاري إلى نتائج مهمة في هذا الصدد، والتي من أبرزها ما يلي: من أهم العوامل وراء سعي الشركات اليابانية لاستقطاب المبتعثين السعوديين للعمل لديها هو المشاريع الاستثمارية بالمملكة وأنظمة السعودة، إلا أن أهم العوائق كانت في قلة المبتعثين السعوديين المتقدمين للتوظيف بالشركات اليابانية واختلاف تخصصاتهم عن حاجة الشركات، كذلك فالأنظمة الجامدة في السلالم الوظيفية ومسارات الاستقطاب والتوظيف لدى هذه الشركات كانت من العوائق أيضاً، كما أوضحت النتائج أن برامج التدريب لهؤلاء المبتعثين بتلك الشركات لعبت دوراً مهماً في تعزيز عملية الاستقطاب لهم للعمل والتوظيف بالشركات نفسها، وبروز دور الملحقية الثقافية السعودية لتسهيل عملية الاستقطاب لهؤلاء المبتعثين في برامج التدريب والتوظيف كما حصل في تجربة اليابان للفترة من (2011-2015م). وقد أبدت الدراسة عدداً من التوصيات وفق ثلاثة مستويات هي: توصيات لصانعي القرار في الشركات اليابانية، وتوصيات لصانعي القرار في وزارات التعليم، والعمل بالمملكة ودول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي، وتوصيات لدراسات مستقبلية. وقد كان من أبرز هذه التوصيات دعوة الشركات الأجنبية للمشاركة في أيام المهنة بالمملكة؛ بما يسهم في إتاحة فرص عمل للطلاب، ودعم برامج ريادة الأعمال للمبتعثين.​

15/07/1439
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة