د.عيد الحربي لـ "التنمية الإدارية": القياس والتقييم يستهدف اكتشاف القيادات المؤهلة لإدارة التغيير في الأجهزة الحكومية ومواكبة تطلعات رؤية المملكة

القياس والتقييم وعلاقتهما بتطوير القيادات الإدارية وتأهيل مواردنا البشرية من المجالات المهمة التي يُعوٍل عليها وطننا الحبيب لمواكبة مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتحقيق طموحات قيادتنا الرشيدة. لذلك فإن بناء فرق عمل سعودية وكوادر متخصصة في هذا المجال مهمة وطنية لابد أن نسلط عليها الضوء. لذلك التقينا د.عيد الحربي أستاذ مساعد بجامعة الملك سعود ومعار لمركز إعداد وتطوير القيادات الإدارية متخصص في القياس والتقييم، والذي طرحنا عليه أسئلة عديدة تدور في أذهاننا عن المقصود بالقياس والتقييم، وعلاقتهما برؤية المملكة 2030، ومهام وأهداف إدارة القياس والتقييم بمركز إعداد وتطوير القيادات الإدارية، وخطط عملها، وآلياتها، وفرق العمل فيها، وما يعولون عليها، والتحديات التي تواجهها، وتقييمه لهذه التجربة..وهو ما تتابعونه بالتفصيل في هذا الحوار.

 

  • نود في البداية أن نسألك عن المقصود بالقياس والتقييم؟

القياس هو عملية منظمة تهدف إلى تكميم الظواهر الاجتماعية والنفسية وتحويلها من الحالة الكيفية الى الحالة الكمية من خلال إعطاء رقم يعبر عن مقدار الصفة أو السمة المراد قياسها. وتعتمد عملية القياس على عدد من الأدوات؛ مثل الاختبارات والاستبانات والمقابلات والملاحظة وغيرها؛ والتي تهدف إلى جمع معلومات عن الصفة أو السمة المراد قياسها. أما التقييم فيقصد به العملية التي يتم من خلالها تفسير الأرقام المستخرجة من مرحلة القياس، ولذلك فإن عملية التقييم هي الخطوة اللاحقة لعملية القياس وتتميز بأنها أشمل وأكثر اتساعاً من عملية القياس.

وقد بدأ القياس والتقييم في مجال علم النفس عن طريق قياس السلوك الإنساني في جوانبه المتعددة العقلية المعرفية، والوجدانية الانفعالية، والحركية وغيرها، ومن هنا انتشر مفهوم القياس والتقييم في مجالات عدة من أهمها المجال التربوي، ومجال الإدارة والموارد البشرية حيث تتمثل أهميته في مجال الإدارة في عدد من العمليات؛ مثل التوظيف، والتعاقب الوظيفي، وتحديد الاحتياجات التطويرية، واكتشاف القيادات.

دورها وخطط عملها

  • ما هو دور إدارة القياس والتقييم في مركز إعداد وتطوير القيادات الإدارية؟  

الهدف العام للإدارة هو مساعدة متخذ القرار عن طريق إمداده بالمعلومات اللازمة والضرورية عن المرشحين بحيث تكون قراراته مبنية على أساس علمي متين. هذا الهدف العام يمكن تحقيقه من خلال عدد من الأهداف الفرعية وهي: توفير حزمة من الأدوات يمكن استخدامها في أغراض التقييم المختلفة سواء للاختيار أو تحديد الاحتياجات التطويرية، كذلك تسعى إدارة القياس والتقييم إلى توطين ممارسات وعمليات التقييم بحيث تكون محليه وطنية ويشمل هذا التوطين الأدوات وفرق العمل، كما تسعى الإدارة إلى المساهمة في بناء قاعدة بيانات تختص بالقيادات بالقطاع الحكومي-سواء القيادات الحالية أو القيادات المحتملة-وتشمل هذه القاعدة معلومات مهنية هامة؛ مثل السير الذاتية للقادة، ونتائج عملية التقييم التي يتم فيها مراعاة خصوصية وسرية المعلومات التي يتم استخدامها لأغراض التخطيط والتطوير والدراسات.

  • ماهي خطط عمل إدارة القياس والتقييم؟

بغرض تحقيق أهداف ادارة القياس والتقييم المشار لها سابقًا، فإننا نعمل في مسارين متوازيين على النحو التالي:

  1. المسار العاجل: والذي تضمن توقيع عقد مع بيت خبرة عالمي لتنفيذ مشروع تقييم القيادات الإدارية، والذي يشمل ثلاثة محاور رئيسة؛ يتحدد أولها في توفير أدوات سيكومترية لتقييم القيادات. والثاني يتضمن تنفيذ مراكز تقييم لعدد من القيادات خلال فترات محددة وتشمل هذه المراكز عدداً من الأنشطة والتمارين الهادفة إلى تقييم أداء المرشحين، وبناءً على الجدارات المستهدفة لعملية التقييم يتم تزويد متخذ القرار بعدد من التقارير الفردية والجماعية. أما المحور الثالث فيركز على نقل المعرفة إلى منسوبي مركز إعداد وتطوير القيادات الإدارية عن طريق دورات تدريبية وتطبيقات عملية. وقد تم الاتفاق مع بيت الخبرة على أن يتولى عملية التقييم بنسبة 100% متخصصون من داخل المركز بنهاية السنة الأولى من المشروع.
  2. المسار الدائم: وقد تم البدء بتنفيذ حلول هذا المسار، والتي تتضمن التوطين لكل ممارسات عملية التقييم. ابتداءً ببناء أدوات تقييم محلية متوافقة مع البيئة السعودية وفقاً لأفضل الممارسات المهنية والأسس العلمية، وانتهاءً بتوطين كل ممارسات التقييم وإجراءاته مع الحرص على الاستفادة من الخبرات العالمية.

الآليات والأساس

  • ماهي أدوات وآليات التقييم المستخدمة في الإدارة؟

          تتم عملية التقييم باستخدام آليتين وهما:

  1. التقييم السيكومتري: ويشتمل على اختبار القدرة المعرفية العامة؛ ويهدف إلى قياس قدرة الفرد على التحليل والتفكير المنطقي والاستدلال وحل المشكلات المتعلقة بالعمل ومرونة اكتساب المهارات والمعارف الوظيفية الجديدة. كذلك يتضمن مقياس السمات الشخصية والجدارات السلوكية الذي يقيس التفضيلات الشخصية للفرد ومدى توافقها مع الجدارات المطلوب توافرها بالقائد في بيئة العمل. ويضم تقييم 360 درجة الذي يركز على قياس الجوانب السلوكية للفرد من وجهة نظر المحيطين به في بيئة العمل (الرئيس المباشر، والزملاء، والمرؤوسين).
  2. مراكز التقييم Assessment Centers: وتشتمل على عدد من الإجراءات والأنشطة التي تتضمن تمارين فردية ودراسة حالة وتمارين جماعية والمقابلات الشخصية المبنية على الجدارات والتي تسعى لإعطاء صورة دقيقة عن مدى امتلاك الفرد للجدارات القيادية المستهدفة بالتقييم واللازم توافرها لدى القائد في بيئة العمل. ويعبر عن مستوى امتلاك الفرد لهذه الجدارات من خلال التقارير الفردية والجماعية التي تعكس مستواه مقارنة بغيره.
  • ما الأساس الذي تعتمدون عليه في عملية القياس والتقييم؟
    كما أشرت سابقاً لا يمكن إجراء أي عملية تقييم بدون وجود إطار وطني للجدارات؛ لأن عملية التقييم للقيادات تتمحور بشكل أساسي حول الجدارات المطلوب توافرها في القائد؛ وبالتالي توجد أهمية كبيرة لمشروع دراسة الإطار الوطني للجدارات، حيث أنه يحدد بشكل دقيق ماهي المهارات والسمات والصفات المطلوب توافرها في القائد ليكون فاعلًا في إحداث التغيير الإيجابي. ونحن في إدارة القياس والتقييم، نستخدم إطار الجدارات كمحرك هام يحدد ما يتم قياسه عن طريق تصميم مكونات مراكز التقييم استناداً على الجدارات المطلوب قياسها، ثم يعكس ذلك على التقارير المستخرجة والمستخدمة من قبل متخذ القرار.
    فريق عمل وطني
  • ما آليات توطين عملية تقييم القيادات؟
    يعد توطين الممارسات وإجراءات التقييم للقيادات هدفاً رئيساً لإدارة القياس والتقييم، ويشتمل على جانبيين أساسيين؛ يتعلق الأول بتوطين الأدوات المستخدمة في عملية التقييم، وقد تمت المرحلة الأولى عن طريق مواءمة هذه الأدوات مع البيئة السعودية وربط هذه الأدوات بالجدارات المستهدفة والمعتمدة لدى المركز. أما المرحلة الثانية من توطين الأدوات فتتضمن بناء وتطوير أدوات خاصة بالمركز، وقد تم إنجاز ما مقداره 30-40% من العمل حتى الآن. ويركز الجانب الثاني على الممارسات وإجراءات التقييم، حيث تهدف الإدارة لبناء فريق عمل وطني ومؤهل للقيام بإجراءات وعمليات التقييم.
        • وكيف يتحقق تأهيل فريق عمل وطني للقيام بإجراءات وعمليات التقييم؟

تم اعتماد ثلاثة برامج تدريبية لتحقيق هذا الأمر، وبحيث تتم على ثلاث مراحل؛ تضمنت المرحلة الأولى منها تنفيذ برنامج تدريبي لإكساب الفريق المفاهيم الأساسية في عملية التقييم، وقد حصل جميع المشاركين على رخصة الجمعية البريطانية لعلم النفس (BPS) British Psychological Society)) بعد اجتيازهم المتطلبات الخاصة بهذه الرخصة. واشتملت المرحلة الثانية على برنامج تدريبي على تطبيق تقييم (360) درجة وكذلك إعداد وتفسير نتائج التقارير الخاصة بتقييم (360) درجة. وتضمنت المرحلة الثالثة برنامجاً تدريبياً على مهارات المقيمين في مراكز التقييم، وتم من خلالها التدريب على المهارات المطلوبة للمقيم المحترف. وكذلك تم التدريب على إجراءات وسياسيات تنفيذ مراكز التقييم مع إتاحة الفرصة للمتدربين بالتطبيق العملي على كافة مراحل مراكز التقييم.

وأود أن ألفت أيضاً إلى أنه بالإضافة إلى هذه البرامج التدريبية، سيتم تدريب مقيّمي المركز البالغ عددهم 10 مقيمين تدريباً عملياً من خلال المشاركة الميدانية الفعلية مع مقيمي بيت الخبرة المحترفين. بحيث يكون كل مقيم من المركز ملازماً لمقيم من بيت الخبرة، لمدة تتراوح بين 3-4 أيام متواصلة. ويشارك المقيمون في كتابة التقارير وأخذ الملاحظات وجمع الشواهد والقرائن ليصبح كلاً منهم جاهزاً لممارسات التقييم بعد اعتماده من قبل بيت الخبرة.

        •  وما الذي تعولونه على هذا الفريق لتحقيق أهداف إدارتكم؟

لدينا في الفريق عدة تخصصات رئيسة في القياس، والإدارة، والإحصاء، وإدارة المشاريع. وتعمل هذه التخصصات الأربعة بتكامل وتناسق كبير لتحقق أهداف إدارة القياس والتقييم. كما أن بعض أفراد الفريق هم من أعضاء هيئة التدريب في المعهد والبعض منهم مستقطب من خارج المعهد.

الرؤية والتجربة والتحديات

  • كيف يمكن توظيف القياس والتقييم لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030؟

رؤية 2030 تعتمد في أساسها وفرص نجاحها على الموارد البشرية التي تعمل على تنفيذ مشاريعها ومبادراتها وتحويل الرؤية إلى واقع. ومن هنا نشأت الحاجة إلى أدوات علمية تتسم بالمصداقية؛ بهدف اختيار، وتقييم، واكتشاف القيادات المؤهلة القادرة على إدارة التغيير في الأجهزة الحكومية لمواكبة تطلعات ومستهدفات الرؤية.

        • ما تقييمك لتجربة إدارة القياس والتقييم؟

 هي تجربة حديثة نوعًا ما، وليست طويلة المدى؛ لكنها مشجعة وتسير في الاتجاه الصحيح بمشيئة الله. فقد كان هناك العديد من الطلبات من الأجهزة الحكومية الراغبة بالاستفادة من خدمات المركز في مجال تقييم القيادات.

        • وما أهم التحديات التي تواجهكم؟

وفيما يتعلق بالتحديات التي واجهتنا، فقد تمثل أولها في بناء فريق العمل، وأعتقد أن ندرة التخصص كانت السبب الأول في ذلك. كذلك من بين هذه التحديات أيضًا الإجراءات الإدارية والمالية التي تستغرق وقتاً طويلاً لإنجاز بعض المعاملات مما يؤدي الى تأخر العمل في بعض الأحيان. وأرى أن نقل المعرفة في مجال تقييم القيادات من بيت الخبرة الذي نعمل معه إلى فريق عمل وطني يُعد تحدياً إضافياً تعمل إدارة القياس والتقييم على مواجهته من خلال تزويد فريق العمل بالمهارات والجدارات المناسبة؛ لكي تمكنهم من أداء أدوراهم بكفاءة عالية.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة