​تنويع مصادر الدخل الحكومي وتحديات التخصيص في رؤية المملكة2030


 

  • أ.د.محمد القنيبط: رؤية المملكة 2030 هي خارطة الطريق لكسر حالة الجمود في الاقتصاد المعتمد على النفط
  • د.محمد القحطاني: سيكون لدينا اقتصاد متنوع يجذب المستثمرين الأجانب في قطاع التعدين والطاقة والسياحة
  • د.عبدالله المغلوث: تخصيص الوزارات سيمكنها من تنفيذ مشاريعها وسيحد من البيروقراطية والتجاوزات والفساد
  • د.فضل البوعينين: لابد من إحداث هيكلة في القطاعات الحكومية للقضاء على البيروقراطية وتحرير الاقتصاد من النفط

 

المشاركون في القضية

  • أ.د.محمد القنيبط، عضو مجلس الشورى السابق، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
  • د.محمد القحطاني، أستاذ الإدارة الدولية والموارد البشرية والمشاريع بجامعة الملك فيصل بالدمام، والخبير الاقتصادي
  • د.عبدالله المغلوث، عضو اللجنة السعودية للاقتصاد بالغرف التجارية السعودية 
  • د.فضل البوعينين، الخبير الاقتصادي والمصرفي

 

​بدأت المملكة خطوات جادة في مسار تنويع مصادر الدخل، وتخفيف الاعتماد على النفط كمورد رئيسي لإيرادات ميزانية الدولة، وعدم الارتكاز على الصناعات، والنشاطات المرتبطة به. ولهذا أقرت الدولة "رؤية المملكة 2030"؛ بهدف تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز الكفاءة والتعاون بين القطاعات الحكومية، ومعالجة تشوهات هيكلية الاقتصاد، وتنويع البنية، ومواجهة المتغيرات. حول تنويع مصادر الدخل الحكومي وتحديات التخصيص في رؤية المملكة 2030، تدور محاور قضية هذا العدد.

أسعار النفط

تؤكد الإحصائيات الرسمية أن الاعتماد على النفط في موازنة الدولة بلغ 92%، وهي نسبة كبيرة عجلت منذ الثمانينيات الميلادية-عندما انخفض سعر النفط من 40 دولارا إلى 10 دولارات للبرميل-للنظر في الخيارات المتاحة لتنويع الدخل وتعزيز مسارات الاقتصاد، وعدم الاعتماد على سلعة النفط فقط؛ إلا أنه توجه كان يسير بشكل بطيء في العقود الماضية.

وحالياً هناك توجه جاد لتهيئة كافة قطاعات الدولة نحو تنويع مصادر الدخل، والاعتماد على الاستثمار بكل أنواعه، وتخفيض معدل الاعتماد على النفط مع المحافظة على المستوى المعيشي المتقدم للمواطن، واستمرار النهضة التي تشهدها المملكة.

استشراف المستقبل

وفي السياق ذاته يرى أ.د.محمد القنيبط عضو مجلس الشورى السابق، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود أن رؤية المملكة 2030 التي تم إقرارها ودخلت حيز التنفيذ ليست مجرد رؤية مؤقتة فرضها التراجع الحاصل في أسعار النفط في دولة تعتمد على النفط بنسبة كبيرة؛ بل هي خارطة الطريق للحاضر والمستقبل، ورؤية لا تنظر للحاضر، بل تأخذ بعين الاعتبار استشراف المستقبل والعمل من أجل الأجيال القادمة، وكسر حالة الجمود في الاقتصاد السعودي الذي يعتمد بنسبة كبيرة على النفط كمصدر دخل رئيسي في وقت تراجعت أهميته على المستوى السياسي والاقتصادي. فنقاط القوة التي تمتلكها المملكة وتسعى للاستفادة منها للحفاظ على صلابة اقتصادها هي العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي، وهذه الركائز الأساسية تسعى الإدارة الاقتصادية ممثلة بمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية إلى استثمارها والاستفادة منها؛ للعبور إلى مرحلة ما بعد النفط الذي كان الصائغ الرئيسي للسياسات والمحرك الأساسي للعلاقات بين الدول.

ويقول القنيبط :"أنه وبعد أن بدأ النفط يفقد الأهمية التي كان يحظى بها سابقاً، تراجعت أهميته أيضا كمصدر رئيسي للدخل؛ لذلك فقد أصبحت هناك حاجة ملحة اليوم نحو العمل على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط بنسبة كبيرة، لذا جاءت رؤية المملكة 2030، التي صاغها ووضع اللبنة الرئيسية لها ويشرف على العمل على تنفيذها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة قائد التحول الوطني صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، كرؤية استشرافية عن إدراك وقراءة عميقة للماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لكي تحرك المياه الراكدة في الاقتصاد السعودي، وتشحذ الهمم للعمل على خيارات جديدة لمصادر الدخل، وعدم الاستمرار بالاعتماد على النفط الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً، ليس من جهة أسعاره، بل من جهة أهميته التي يحظى بها منذ عقود على المستوى السياسي والاقتصادي".

وأضاف: "إن رؤية المملكة 2030 ستجد أمامها الكثير من العقبات لاسيما وأن النسبة التي تعتمد عليها المملكة على النفط كمصدر رئيسي للدخل نسبة عالية؛ لذا فالطموح للتحول نحو اقتصاد السوق الحر، وتشجيع وجذب الاستثمارات، وخلق فرص وظيفية، والمحافظة على قوة الاقتصاد المحلي كعضو في قمة العشرين الاقتصادية، وتخفيض بعض الدعم الحكومي الذي أرهق ميزانية الدولة لسنوات طويلة، يتطلب الكثير من التخطيط الإستراتيجي؛ لخلق أكبر تحول اقتصادي وطني على مستوى العالم.

وأوضح أن من الضروري الإسراع في تنويع مصادر الدخل، وحصر الفرص المتاحة وتطوير الخدمات الحكومية لضمان بيئة استثمار مناسبة للقطاع الخاص، وهو ما ينعكس على خلق آلاف الفرص الوظيفية للشباب والفتيات. فالدولة منذ سنوات وضعت إستراتيجية للاستثمار الصناعي لتحقق الفائدة للناتج المحلي، وخاصة صناعات التعدين وتوزيعها حسب المدن الرئيسية والمدن الصناعية، والسنوات القادمة ستشهد تحولاً كبيراً ناحية الخصخصة في بعض المرافق الحكومية، بعد أن سبقتها في تخصيص قطاع المياه، والطيران المدني والاتصالات، وأخيراً تم تخصيص قطاعات الصوامع؛ الأمر الذي أسهم في تحويل إداراتها لإدارة تنفيذية دون الارتباط بالقطاعات الحكومية من ناحية التشغيل وبناء المشاريع، وتوصيل الخدمات للمواطنين والقطاع الخاص والعام؛ فقرارات التخصيص هي نتاج خطط إستراتيجية لضمان التنمية وخاصة في المشاريع الحكومية، عبر الاستخدام الأمثل للتقنية وتدريب الكوادر العاملة في المرافق الحكومية المخصصة.

التوازن المالي

وحول تحذيرات صندوق النقد الدولي التي أطلقها في عام 2014م بضرورة تحقيق التنويع في اقتصادات دول الخليج العربي لمعالجة بعض الاختلالات في الاقتصاد، ولإخراج المنطقة من ضغوطات تذبذب اسعار النفط، والعمل على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية؛ يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي د.فضل البوعينين: "من بين أهم التحديات التي تواجهها الخطة المنتظرة "رؤية المملكة 2030" هو مدى قدرة القطاعات الحكومية تحمل متطلبات التحول الوطني الذي يعتمد في مداخيله على فكر القطاع الخاص، خاصة ما يتعلق منه بالإنتاجية، والقياس والعمل وفق خطط إستراتيجية للوصول إلى تحقيق أهداف محددة".

ويضيف: "هذا يستوجب إحداث هيكلة في كل قطاع ووزارة؛ كي تتوافق مع متطلبات الرؤية، وتهيئة البنية التحتية المؤسساتية لتقبل هذه التغييرات، وتجاوز تحدي البيروقراطية المتراكمة لعقود مضت. فهذه المشروعات الإستراتيجية الكبيرة ستحقق فائدتها على المدى الطويل في تحرير اقتصاد المملكة من الاعتماد الكثيف على النفط، وتحقيق أهداف اقتصادية، ومجتمعية، وتعليمية، وتدريبية، إضافة إلى الأهداف المرتبطة بريادة الأعمال. ومن هنا يُفترض أن تكون تلك الأهداف الإستراتيجية قادرة على تهيئة المواطنين لمواجهة المتغيرات الاقتصادية، والمجتمعية المتوقع حدوثها بإتمام مرحلة التحول؛ فرؤية المملكة 2030 إنما وضعت لإعادة هيكلة الاقتصاد وتطوير المجتمع، والارتقاء بالمجتمع وبيئته الحاضنة، ومن الطبيعي أن يكون التركيز الأكبر على مكونات المجتمع البشرية".

وتوقع البوعينين أن يحافظ النفط على مركزه التنافسي عالميًا كمصدر رئيسي للطاقة لأكثر من 50 عامًا قادمة، وستكون المملكة من أهم المنتجين؛ لذا جاء تركيز رؤية المملكة على تنويع مصادر الاقتصاد، وخفض الاعتماد على إيرادات النفط، من خلال تحقيق التوازن المالي بعيداً عن متغيرات أسواق النفط التي لا يمكن الوثوق باستقرارها.

اقتصاد متنوع

وفي الإطار ذاته يقول أستاذ الإدارة الدولية والموارد البشرية والمشاريع بجامعة الملك فيصل بالدمام، والخبير الاقتصادي د.محمد القحطاني: "منذ إعلان المملكة عن رؤية المملكة 2030، أصبحت تتمدد في جميع قطاعات الدولة بشكل انسيابي، وأصبحت أيضاً تثير فضول كثير من أفراد الشعب السعودي، خصوصا فئة الشباب، حيث بدأوا يتساءلون عن مستقبل الاقتصاد في ظل هذه الرؤية الطموحة، والذي سيكون اقتصاداً متنوعاً يعتمد على قطاعات متعددة ليس فقط قطاع النفط، فاقتصاد المملكة بدأت تتضح أهم القطاعات التي ستحقق له إيرادات عالية، وتتمتع بالجاذبية وتلامس فضول المستثمرين الأجانب، مثل قطاع التعدين، والطاقة، والسياحة مع إعلان مشروع البحر الأحمر وغيره.

وأوضح القحطاني أن المطلوب من المواطن لرفع معدلات إنتاج الاقتصاد الوطني أن يكتشف ما لديه من مهارات، ويسخرها لصالح المشاريع التنموية التي تنسجم مع رغباته، وتتوافق مع تطلعات وتوجهات الرؤية التي لا تعد بديلاً للنفط؛ لكنها برامج تتحقق من خلال الاهتمام وإعادة هيكلة الإنفاق الحكومي إجمالاً، وتوسيع إيرادات الخزانة العامة، فبرنامج التوازن المالي 2020 على سبيل المثال هو مخصص لرفع كفاءة الجهاز الحكومي، وإعادة دور المنظومة الحكومية حتى تصبح منتجة أكثر؛ لذلك فإن هذا البرنامج يركز تركيزاً كبيراً على الخصخصة.

وتابع القحطاني مؤكداً على أن هناك تحديات اقتصادية لتحقيق الأفضل للجيل الحالي وجيل المستقبل، فالقضية ليست سهلة، وتحتاج إلى جهود كبيرة؛ من أجل التخلي عن النفط.

صياغة الاقتصاد

أما عضو اللجنة السعودية للاقتصاد بالغرف التجارية والصناعية السعودية د.عبدالله المغلوث، فيرى أن رؤية المملكة 2030 هي رؤية طموحة يتابعها العالم، ويتابع آلية تطبيقها على أرض الواقع، وهي تحقق يوماً بعد آخر ما تهدف إليه لإعادة صياغة الاقتصاد السعودي من جديد، وبنائه على ثوابت وأسس مستدامة بعيداً عن أسعار النفط المتقلبة؛ مما يتطلب مساندة أهداف هذه الرؤية ودعم توجهاتها، حتى تحقق المطلوب.

ويؤكد المغلوث أن من أبرز القرارات التي اتخذتها الدولة في مجال تنويع مصادر الدخل الوطني، السماح بنسبة تملك 100% للمؤسسات الأجنبية الراغبة بدخول السوق السعودية خاصة التي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد، وكذلك فتح سوق الأسهم للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتأسيس هيئة مستقلة لها وتحويل تمويلها إلى صندوق التنمية الصناعية، إضافة إلى دعم الحكومة لحاضنات الأعمال، وتقديم تسهيلات ودعم لوجستي؛ بهدف زيادة انتشارها. وهذا يعني ارتفاع وتيرة خطط التخصيص وفق إستراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل لإنعاش الاقتصاد ومواجهة التحديات، والصعوبات المختلفة.

ويتابع أنه على صعيد التوسع في الخصخصة، فقد أقر مجلس الوزراء خصخصة 4 شركات للصوامع، وخصخصة مطار الرياض، وخصخصة مرافق الخطوط السعودية. وفرض رسوم على الأراضي البيضاء، ورفع أسعار التبغ ومشتقاته، ومشروبات الطاقة التي تحوي سكريات عالية.

وأضاف المغلوث أن من التحديات الحالية التي تواجه الاقتصاد الوطني تواضع توطين القوى العاملة المحلية في القطاع الخاص؛ مما يتطلب تكثيف الجهود الحالية لوضع إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى، وبمشاركة فاعلة من القطاعين الخاص والعام للحد منها، مع ترشيد استقدام العمالة الأجنبية، ومواصلة تطوير برامج التعليم العام والفني والمهني وكذلك مخرجات التعليم العالي حتى تواكب احتياجات السوق، ورفع مستوى كفاءة الاستخدام الداخلي للطاقة والمياه، وتخصيص بعض المرافق العامة، والحد من التوسع في هذا الباب لصالح المشاريع التنموية والانتاجية.

وقال المغلوث:"الدولة تواجه تحديات كبيرة للانتقال لهذا الجانب؛ وذلك بهدف المحافظة على المستوى المعيشي للأجيال الحالية والمستقبلية، لذا أُنشئت إدارات متخصصة لتشجيع الاستثمارات كهيئة المشاريع الصغيرة، وهيئة توليد الوظائف، وقطاعات التعدين، والاقتصاد المعرفي، إضافة إلى تحفيز الاستثمار الأجنبي من نشاطات التجزئة وشركات السيارات، إضافة إلى تخصيص الجهات الحكومية؛ مما سيسهم في إيجاد دخل مالي لتنفيذ مشاريعها، والإسراع في تنفيذها، وفرض رقابة على الجهة؛ وهو ما يحد من البيروقراطية والتجاوزات والفساد، ويحفز الشركات الكبرى في الخارج للاستثمار في المملكة".​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة