تطوير المنظمات وعملية إدارة التغيير التنظيمي

​ 

  • الهدف زيادة الفاعلية التنظيمية وتسهيل التغيير الشخصي والتنظيمي مع الحفاظ على قيم أساسية للتطوير
  • التطوير يبدأ بجمع المعلومات وتحليلها، ومناقشة واختيار أنسب الحلول، وصولًا للتغيير المطلوب

 

​تحتاج العديد من منظماتنا للتطوير وإعادة تأهيل نفسها بما يتلاءم مع المستجدات والمتغيرات التي تجتاح عالمنا المعاصر؛ ولكي تصبح قادرة على المساهمة بشكل فعال في التنمية الإدارية، وتلبية طموحات قيادتنا الرشيدة، ووطننا الحبيب وأبنائه المخلصين. وهذا التطوير لن يتم ويصبح على مستوى الطموحات دون تخطيط علمي ناجح، والأخذ في الاعتبار ظهور أساليب تنظيمية جديدة متناغمة مع خطوات التغيير المتزايدة، والاطلاع على تجارب الدول الناجحة في هذا المجال بما يتفق مع ثقافتنا وظروف مجتمعنا، والاطلاع على إسهامات الخبراء فيما يتعلق بتطوير المنظمات.

ومن هذا المنطلق نقدم لكم في هذا العدد من مجلتكم "التنمية الإدارية" قراءة في كتاب "تطوير المنظمات: عملية إدارة التغيير التنظيمي" لمؤلفه "دونالد أندرسون"، وقام بترجمته للغة العربية أ.منصور بن عبدالعزيز المعشوق، وصادر عن معهد الإدارة العامة.

ونستهل هذه القراءة بالإشارة إلى أن الكتاب يتكون من مقدمة، و15 فصلاً متنوعاً، بالإضافة على الخاتمة ومراجعه، ويبلغ عدد صفحاته 703 صفحات. ويستعرض المؤلف من خلالها عدداً من الموضوعات المهمة كالنظريات والنماذج المستخدمة من قِبَل خبراء التغيير وتطوير المنظمات، وأساسيات تطويرها، وقيمها، والمفاهيم الأساسية والأبحاث المطروحة في مجال التغيير التنظيمي، ومراحل جمع ومعالجة البيانات المتعلقة بهذا التطوير، وتقديم الحلول في هذا الصدد، وطرق تطوير المنظمات التقليدية والتي ينبغي الإلمام بها.

ويبرز "أندرسون" في مقدمة الكتاب الجدل السائد في الفكر الإداري المعاصر وعالم الشركات الكبرى حول جدوى تطوير المنظمات. ويسعى في الفصل الأول للإجابة عن تساؤل "ما هو تطوير المنظمات؟"؛ فيقدم تعريفات للعديد من الخبراء وأبرزهم "ريتشارد بيكارد" الذي يعد من أوائل من تخصصوا في مجال تطوير المنظمات، ثم يقدم "أندرسون" تعريفاً يرتكز على أن "تطوير المنظمات عملية تهدف إلى زيادة الفاعلية التنظيمية وتسهيل التغيير الشخصي والتنظيمي من خلال تدخل الإدارة المعتمد على علم السلوك التنظيمي والاجتماعي"، مبيناً الاختلافات بين هذا التطوير وغيره من المفاهيم كالاستشارة الإدارية، والتدريب. ومشيراً إلى المدى الزمني لهذا التطوير على المدى الطويل.

أسس وقيم ونماذج

ويبحث المؤلف في الفصول من الثاني حتى الخامس من الكتاب في: أساسيات تطوير المنظمات بما في ذلك الناحية التاريخية والقيم، والمفاهيم الأساسية والأبحاث المطروحة في مجال التغيير التنظيمي، والتعرف على بداية تطوير المنظمات كمجال للدراسة، وبداية هذا التطوير، وكيف تطور عبر العقود الماضية وفق ثمانية فروع لبحوث وممارسات تطوير المنظمات وهي: التدريب المختبري ومجموعة التدريب، والبحث التجريبي، والممارسات الإدارية، والجودة ومشاركة الموظفين (الانخراط)، والثقافة التنظيمية، وإدارة التغيير والتغيير الإستراتيجي وإعادة الهندسة، والتعلم التنظيمي، والفعالية التنظيمية والتزام الموظفين، وكيف يرى الممارسون اليوم هذا المجال. كذلك يناقش القيم الأساسية لتطوير المنظمات والتي من بينها قيم إنسانية بحتة، وقيم أخرى بارزة بشكل مباشر في عملية التطوير كالمشاركة والانخراط والتمكين، والحوار والتعاون، والأصالة والانفتاح والثقة، والتحديات التي تواجه التمسك بقيم تطوير المنظمات مثل التوترات المالية والاقتصادية، وثقافة الإدارة والتوقعات.

كما يلفت "أندرسون" إلى "أسس التغيير التنظيمي"، ومستوياته وخصائصه، ونماذج لهذا التغيير وبخاصة نظرية النظم ومداخل البناء الاجتماعي، حيث التركيز على قيمة نظرية النظم بالنسبة لممارسي تطوير المنظمات، والحديث عن نماذج من التغيير التنظيمي التي تتفق مع مدخل نظرية النظم، كنموذج المراحل الثلاث لـ"لوينز"، ونموذج التطابق لـ"نادلر-تشمان"، ونموذج "بورك-لوين" للأداء والتغيير التنظيمي. وتوضيح قيمة مدخل البناء الاجتماعي لممارسي تطوير المنظمات، والتركيز على النماذج الجديدة في تطوير المنظمات. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى "أخصائي تطوير المنظمات وعملية تطوير المنظمات"؛ فيسلط الضوء على العلاقة الاستشارية وأنواع الاستشارات؛ باعتبار أن الكثير من المنظمات تستعين بمستشارين خلال عمليات تطويرها، وتحديد المهارات التي يتمتع بها هؤلاء المستشارون، والتركيز على المدخل الحواري لتطوير المنظمات.

المعلومات وتحليلها

ويسلط "دونالد أندرسون" في الفصلين السابع والثامن الضوء على عمليتي "جمع المعلومات"، و"تحليلها والتغذية المرتدة"؛ فيستعرض طرق جمع البيانات التي يستخدمها مستشارو تطوير المنظمات، ويشرح كيف أن المستشارين يختارون من بين هذه الطرق ما يلائمهم لتكوين إستراتيجية لجميع البيانات، ثم يبين أهمية عملية جمع البيانات وتقديمها وإرجاعها للعميل في أنها قد تعطي صورة أكثر تكاملاً عن المنظمة وتوسع من معرفة كل من العميل والأخصائي.

ثم ينتقل المؤلف إلى التحري عن أغراض مراحل التحليل والتغذية المرتدة، وكيف أن المستشارين يفرزون ويحللون ويفسرون تلك المعلومات؛ وصولاً إلى نتائج من الممكن إرجاعها إلى العميل، وفي هذا الصدد يبرز أنواع النتائج التي يصل إليها المستشارون خلال مرحلة التحليل، وكيفية إدارة اجتماع التغذية المرتدة، وردة فعل العميل تجاهها، وكيفية التعامل مع القضايا الأخلاقية في مرحلتي التحليل والتغذية المرتدة.

الحلول

ويركز الكتاب في فصوله من التاسع وحتى الثاني عشر على الحلول؛ فيبدي "مقدمة في الحلول"، ثم يشرح "الحلول المتعلقة بالأفراد"، و"حلول الفريق"، و"المنظمة بكاملها والحلول المتعددة في المنظمة". وبصفة عامة فهو يعالج الكثير من الحلول الأكثر استخداماً من قِبَل أخصائيي تطوير المنظمات، ولماذا تنجح أو تفشل الحلول، ونتائج إدارة المدخل الذي لا ينجح، والعوامل التي يمكن أن ينظر إليها هؤلاء الأخصائيون وهم يختارون إستراتيجية الحلول الصحيحة، وتتواءم مع المعلومات والتحليل، كما أنه يناقش أنواعاً عديدة من الحلول، وإنه بالإمكان أن تركز الحلول على الأفراد، والفرص، والمجموعات والفرق المتعددة، والمنظمة بأكملها، والمنظمات المتعددة، كما أنها تضم أنواعاً واسعة من النشاطات بدءًا من تصميم المنظمة وحتى بناء الفريق، والتوجيه الوظيفي، والتدريب العملي.

وبصفة خاصة فإن هناك بعضًا من الحلول السائدة في تطوير المنظمات. والتي تم تصميمها لاستهداف التغيير في المنظمة بكاملها وتحديداً، فإن حلولًا في منظمة كبيرة تُصمًم لمعالجة قضايا تؤثر تقريباً على كل عضو بالمنظمة، وتتضمن الأمثلة في ذلك موضوعات متعددة مثل إستراتيجية المنظمة. كذلك يشرح الكتاب الحلول ذات الحجم الكبير التي تُمارس بشكل عام، وتلك التي يجب ذكرها كثيرًا في مسوحات وممارسي تطوير المنظمات.

قضايا عالمية والمستقبل

ويوضح "أندرسون" أن الحلول المتقدم ذكرها في الفصول السابقة، هي ما يمكن استخدامها لتطبيق التغيير. ومن هذا المنطلق يُفرد الفصل الثالث عشر من كتابه للحديث عن "استمرارية وثبات التغيير، والتقويم وإنهاء الارتباط"، حيث يناقش ماذا يحدث بعد إنفاذ تلك التغييرات، وما النظم المساعدة الأخرى، والعمليات، أو التغييرات التي يمكن وضعها في مكانها بحيث يصمد التغيير ويبقى طويلًا وبفاعلية؟ وكيف يمكن للعملاء وخبراء التغيير معرفة عما إذا كانت الحلول لتطبيق التغيير أحدثت أي اختلافات على الإطلاق؟

ويتناول الفصل الرابع عشر "قضايا عالمية في تطوير المنظمات"؛ بهدف البحث من منظور عالمي وثقافي حول تطوير المنظمات، والتي يشير من خلاله إلى تحديات تطوير المنظمات في بيئة عالمية، وأبعاد الاختلاف الثقافي عالميًا، وتباين السلطة، وتفادي عدم التأكيد، يلي ذلك توضيح أربع ثنائيات هي: الفردية والجماعية، الذكورة-الأنوثة، والتوجيه القصير الأجل-الطويل الأجل، والتساهل والتقييد. ومن أهم ما ركز عليه هذا الفصل تلك النماذج لدول مثل اليابان، وهونج كونج، والصين، والهند.

ويختتم المؤلف الكتاب باستشراف "مستقبل تطوير المنظمات"، حيث يستعرض ثلاثة تحديات رئيسة تواجه اليوم المنظمات وهي: التعقيد المتزايد في التغيير، والتغيير الديموجرافي في القوى العاملة، والتغيير في طبيعة العمل. بالإضافة إلى حديثه عن تطوير المنظمات والتقنية، والموقف الراهن لتطوير المنظمات، والفرص أمام تطوير المنظمات في المستقبل، وتطوير المنظمات والمحافظة على الاستمرارية.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة