تهديد المصالح الشخصية والغموض والخوف من المستقبل أهم أسبابه "فوبيا التغيير" مرض يصيب الموظفين ويعرقل التطوير والشفافية هي الحل

​​ 

د.مقعد العتيبي: التغيير المؤثر هو الذي يواجه المقاومة وعلى الإدارة تطوير استراتيجيات "لمقاومة المقاومة"

عبدالله العرجاني: أرحب بالتغيير في ظل إدارة مقنعة وتغيير فعّال على أرض الواقع

راكان الشمري: أدعم التغيير إذا كان بهدف التطوير وتحقيق المصلحة العامة

زيد المطيري: بعض الموظفين يفضلون أن يظلوا في منطقة الأمان بعيداً عن التغيير

 

عادة الغالبية العظمي من الناس حب الاستقرار والخوف من المجهول. صحيح أن هناك أفراداً يتمتعون بالجسارة وحب الاستطلاع؛ لكنهم أقلية، وهذا الخوف من المجهول يسبب إشكاليات كبيرة في بيئة العمل، فالتطوير الإداري يعتمد على تغيير أساليب العمل واستراتيجياته، وإذا قاوم الموظفون هذا التغيير، فخطط التطوير ستفشل في النهاية. في هذا التحقيق نقترب من هذه الظاهرة ونحللها من كافة جوانبها.

​أسباب وإجراءات

في البداية، يقول د.مقعد بن مطلق بن مداد العتيبي الخبير الإداري وأستاذ الإدارة المساعد بكلية الملك خالد العسكرية: "توجد قاعدة إدارية مفادها أن التغيير المؤثر هو الذي يواجه المقاومة. والمقاومة قد تكون أحد أساليب تقييم مشروع أو خطة التغيير، بمعنى آخر ليس دائماً المقاومة أمر سيء ويجب محاربتها، لكن قد تصل مقاومة التغيير إلى ظاهرة فوبيا التغيير، سواءً على المستوى الشخصي أو التنظيمي. فعلى كافة المستويات هناك أشخاص سلبيين ومشككين ولا يرغبون في مغادرة (منطقة الارتياح)، بل يوجد أشخاص يسعون عن سبق إصرار لإفشال نجاحات الآخرين؛ لذلك يجب على الإدارة ومسئولي التغيير أن يقوموا بعدد من الإجراءات التي تسبق تنفيذ التغيير، والتعرف على أسباب مقاومة التغيير، ومن ثم تطبيق الإستراتيجيات المناسبة (لمقاومة المقاومة) وتحويلها لحليف وداعم للتغيير.

ويضيف د. مقعد العتيبي: ذكرت الدراسات الإدارية أسباباً عديد لمقاومة التغيير والتطوير من أهمها:

  • تهديد التغيير للمصالح الشخصية للموظفين: وتنشأ المقاومة عندما يهدد التغيير الأمن الوظيفي، والمركز الوظيفي، والحوافز المالية أو العلاقات الشخصية للموظفين. فلماذا يشارك الموظف في تغيير يعتقد معه أنه سوف يخسر شيئاً ذا قيمة؟ فغالباً ما يضع الأفراد مصالحهم الخاصة قبل مصالح منظمتهم، خاصة إذا لم يشعروا بولاء قوي لهذه المنظمات.
  • عدم فهم الموظفين أهداف وإجراءات التغيير المتوقع: ففي ظل غياب أو نقص المعلومات حول أسباب ونتائج التغيير؛ فإن الموظفين قد يفترضون أن ذلك التغيير شيئاً سيئاً لابد من مقاومته.
  • تقييم مختلف للحالة الراهنة، كالاختلاف حول الحاجة للتغيير أو الحلول المناسبة أو الوقت المقترح للتغيير؛ وتنشأ المقاومة هنا بسبب عدم الاتفاق على ما هو الأفضل بالنسبة للعمل وللمنظمة بشكل عام.
  • تنمو مقاومة التغيير نظراً لحاجة الموظفين للأمان والاستقرار في حياتهم والخوف من المستقبل؛ إذا كان هناك رغبة كبيرة في الإبقاء على الوضع الراهن وانخفاض في الرغبة في التغيير، خصوصاً إذا كان ذلك ناجم عن تجربة فاشلة للتغيير في الماضي)؛ فقد تنمو مقاومة شديدة للتغيير.

ويستطرد د.العتيبي: هناك العديد من الإجراءات التي تسبق تنفيذ التغيير، والتي تمكٍن المنظمة من تفادي ظهور المقاومة عند تنفيذه، أهمها:

  • تعزيز ثقافة التغيير، من خلال إشراك الموظفين في عملية تخطيط وتنفيذ التغيير؛ مما قد يحوّل الأشخاص المقاومين إلى مسئولي تغيير، ورفض التغيير إلى تعاون والتزام.
  • إقناع الموظفين بأهمية وضرورة التغيير القادم وأنه أفضل من الوضع الحالي. فالشفافية والوضوح ونشر المعلومات الصحيحة اللازمة عن التغيير المتوقع والإجابة عن كافة تساؤلات الموظفين يزيد من الوعي ومستوى الثقة بالمسئولين عن التغيير.
  • عقد الورش التدريبية للموظفين والمشرفين، وشرح كيف يتم التغيير؟ وكيف يمكن تجاوز المشاكل التي قد يحدثها ذلك التغيير؟

تلقائي ومخطط

ويقول د.سامي عبدالله الباحسين أستاذ إدارة الأعمال بالكلية التقنية بالدمام في بحثه المعنون "القيادة الإدارية العربية ومتطلبات التغيير": يُقصد بالتغيير بالمعنى العام أي انحراف عن الماضي، وقد يكون هذا التغيير تلقائي يحدث بطبيعته دون تخطيط أو توجيه، أو قد يكون تغييراً مخططاً منظماً نستطيع أن نضبطه ونوجهه نحو أهداف مقصودة ومحددة مسبقاً. ويتضمن التغيير عادة جانباً أساسياً بالنسبة للإدارة يتمثل في زيادة قدرة الفرد أو التنظيم على التكيف مع البيئة الجديدة والاستجابة لمتطلباتها بشكل مناسب وفعال. بينما يُعرَف التغيير المخطط على أنه إحداث تعديلات في أهداف وسياسات الإدارة، أو في أي عنصر من عناصر العمل التنظيمي؛ بهدف ملائمة أوضاع التنظيم وأساليب عمل الإدارة ونشاطاتها مع المتغيرات وأوضاع جديدة في المناخ المحيط بالتنظيم؛ وذلك بغرض إحداث تناسق وتوافق بين التنظيم وبين الظروف البيئية التي يعمل فيها، وكذلك بهدف استحداث أوضاع تنظيمية وأساليب إدارية وأوجه نشاط جديدة تحقق للتنظيم سبقاً على غيره من التنظيمات وتوفر له ميزة نسبية تمكٍنه من الحصول على مكاسب وعوائد أكبر. وعموماً فالتغيير المخطط بشكل عام يهدف إلى إصلاح وضع التنظيم، وزيادة قدرته على مواجهة الظروف البيئية المتغيرة من حوله، والتغلب على المشكلات التي يتعرض لها، مع إتاحة الفرصة للقيادات للإبداع والتطوير في مناخ إداري أفضل.

ركود وأهمية التغيير

ويضيف د.سامي عبدالله: تكمن أهمية التغيير الإداري أنه بات من أهم متطلبات التقدم والتطور لمنظمات اليوم، ولم يعد يُنظر إلية كوسيلة تستخدمها بعض المنظمات تبعاً لظروف معينة والتي ما إن تمر حتى تعود كل الجهود المبذولة إلى حالة الركود والاستقرار. فما يمكن ملاحظته في الوقت الراهن التنافس الكبير بين المنظمات لتحقيق الاستمرار والنجاح؛ وهو ما أدى بها إلى حركة دائبة لا تهدأ مع التغيير والتطوير. لقد أضحت الصفة والسمة المشتركة للمنظمات المعاصرة هي ضرورة التطوير والتغيير لمواكبة التغييرات المختلفة في محيطها الخارجي. لقد أصبح التغيير هو الأساس في الحياة، وإن نظرية الاستقرار هي عملية محدودة بفترة زمنية استمراراً لعملية تغيير أخرى وهكذا، فالحياة معناها التغيير والكمال معناه إحداث التغيير ليتوافق مع الأوضاع الجديدة؛ ومن ثم يتعين قبوله واعتباره قاعدة طبيعية في الحياة وليس استثناءً، كما أن عملية إحداثه أمر ضروري وهي عملية مستمرة تتناسق مع طبيعة الأشياء. وقد أسهمت أسباب كثيرة وعديدة في زيادة الشعور بالحاجة إلى التغيير والتطوير المستمر والمنظم للمنظمات ومن أهم هذه الأسباب:

  • التطور التقني والتكنولوجي السريع.
  • زيادة حدة المنافسة الداخلية.
  • زيادة حدة المنافسة الخارجية، خاصة في ظل ما يطلق عليه بالعولمة وانفتاح الأسواق على بعضها وانضمام كثير من الدول لمنظمة التجارة العالمية.
  •  التحالف الإستراتيجي بين المنظمات، سواءً الداخلية منها أو الخارجية.
  • متطلبات إدارة الجودة الشاملة.
  • التغير المستمر في أذواق ورغبات المستهلكين.
  • زيادة القوة التي يتمتع بها العملاء والمستهلكون، وسيادة عصر التوجه للعميل واحترام المستهلك والعمل على إرضاءه.
  • عدم استقرار الظروف الاقتصادية العامة.
  • تزايد تعقيد الأعمال؛ بسبب التوسع في حجم المنظمات، ولامركزية السلطة، وتنوع خطوط الإنتاج، والدمج، وتزايد حساسية العمليات الداخلية لقوى بيئية لا يمكن السيطرة عليها.
  • ثورة المعلومات والاتصال، ويطلق الكثير من الناس على هذا العصر عصر المعلومات.

من أكبر الأخطاء

يقول عبدالله بداح في موضوع بعنوان: "كيف تتعامل مع مقاومة التغيير لدى الموظفين في المؤسسة" في موقع "هارفارد بيزنس ريفيو العربية": "واحد من أكبر الأخطاء التي تحصل أثناء تطبيق مبادرات التغيير توقع القادة أن ردة فعل جميع الموظفين سيكون فيها الحماس والرغبة الملحة للتغيير وأنها مشابهة لتوقعاتهم؛ لكن الموظفين هم الذين يحددون ما إذا كان التغيير يحقق النتائج المرجوة أم لا. فإذا كان الموظفون لا يثقون بالقيادة ولا يشاطرون رؤية الشركة معهم؛ فلن يكون هناك أي تغيير ناجح حتى ولو كان هناك إستراتيجية محكمة. لذلك نرى أن معظم مبادرات التغيير التي تقدم في شركة ما تفشل في كثير من الأحيان؛ بسبب عدم القدرة على الوصول إلى توافق ما بين القيادة والموظفين. وأظهرت نتائج الدراسة التي قامت بها شركة "مكنزي" عام 2016م والتي شملت 1657 موظفاً من مختلف القطاعات حول العالم أن أحد أسباب انخفاض معدلات نجاح التغيير وعدم تحققه كان عدم مشاركة الموظفين في مبادرات التغيير، خصوصاً داخل الشركات الكبرى. ولكي نفهم أسباب عدم مشاركة الموظفين في مبادرات التغيير؛ يتوجب على القادة تسليط الضوء على فهم الطبيعة البشرية للموظفين في مثل هذه الحالات وذلك لمعرفة كيف يفكرون".

دوافع

ويقول د.عبدالرحيم محمد استشاري التخطيط الإستراتيجي وقياس الأداء المؤسسي في بحثه بعنوان: "التغيير..مبرراته وأسباب المقاومة": التغيير ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما وسيلة للوصول إلى هدف وهو المستقبل الأفضل؛ ولذا ينبغي أن يكون هناك مبرر للتغيير، والتغيير الذي لا ينبع من دوافع وأسباب يكون تغييراً عشوائياً غير مخطط وبدون هدف وغالباً ما يفشل ويسبب للمنظمة أو للشخص نفسه الكثير من المشكلات، وهناك العديد من المبررات والدوافع وراء عملية التغيير، منها:

  • مواجهة مشكلات اقتصادية أو اجتماعية تؤثر على المنظمة.
  • اثبات الذات وبيان القدرات الموجودة لدى المديرين والعاملين في المنظمة.
  • كسر الروتين ومحاولة تنشيط وتفعيل دور المنظمة.
  • الاستفادة من الطاقات والقدرات المبدعة التي يمكن كتشافها في المنظمة.
  • الاستفادة من التطور التكنولوجي والتقدم العلمي في المجال الذي تعمل فيه المنظمة.
  • تحسين وتطوير الأداء لمواجهة المنافسة الشديدة والمحافظة على المركز التنافسي في السوق.
  • البحث المستمر عن الكفاءة والفعالية وحسن استخدام الموارد المتاحة.

إدارة مقنعة

ويرى عبدالله بن تركي العرجاني-مدقق الحسابات بوزارة المالية-أنه يرحب بالتغيير في ظل وجود إدارة مقنعة وتغيير فعال وملموس على أرض الواقع، ويوضح أن التغيير الذي يحدث في الإدارات واستقطاب كفاءات شابة واشراك شاغلي المراتب الوظيفية الأدنى في اجتماعات وورش عمل مع المدراء وتغيير أساليب العمل كلها مؤشرات إيجابية تعمل على إخراج الموظف من العمل الروتيني وتكليفه بمهام جديدة. ويضيف العرجاني: في بداية التغيير يكون هناك غموض ويتخوف بعض الموظفين؛ لكنني عادة ما أكون متفائلاً بهذا التغيير.

المصلحة العامة

وفي إطار التوجه نفسه؛ يؤكد راكان الشمري-المراقب الإداري بجامعة حائل-أنه عادة ما يكون مؤيداً وداعماً للتغيير إذا كان بهدف التطوير، ويستطرد قائلاً: التغيير له أسس ومبادئ عامة، إذا تمت مشاركتها مع الموظفين بكل شفافية، وإذا كان التغيير للمصلحة العامة؛ سأتقبل هذا التغيير.

منطقة الأمان

ويشير زيد مضحي المطيري-المفتش الإداري بجامعة المجمعة-إلى أنه عند إحداث تغيير في محل عمله؛ فإنه يعمل على تحقيق أقصى قدر ممكن من المنافع من هذا التغيير، ويحاول التقليل من آثار التغيير، ويتجنب الابتعاد عن الأهداف العامة للعمل. ويضيف المطيري: بعض الموظفين يفضلون أن يكونوا في منطقة الأمان، وهي المنطقة التي يكون فيها كل ما تعود عليه الموظف؛ لكنني أفضل البدء بتغيير الأمور البسيطة التي تعودت عليها والتي لا تؤثر على مستقبلي الوظيفي.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة