المسئولية الاجتماعية للمنظمات سلوك أخلاقي

​تعد المسؤولية الاجتماعية للمنظمات سلوكاً أخلاقياً، وإسهاماً في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة والمجتمع، وهي تتعدى توقعات الرأي العام الأخلاقية والقانونية والتجارية بشكل عام.

ويُعرٍف "مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة" المسؤولية الاجتماعية بأنها: "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل". وفي تعريف آخر فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي: "القيام بالأعمال بطريقة تطابق أو تتعدى توقعات الرأي العام الأخلاقية والقانونية والتجارية تجاه الشركة، وهي مجموعة شاملة من السياسات والممارسات والبرامج المدمجة في صلب عمليات الشركة ومنهج اتخاذ القرار بها". وبالتالي ستخرج كثير من الشركات ومؤسسات الأعمال من هذين التعريفين حتى ولو خصصت ميزانيات للتبرعات للجمعيات الخيرية ورعاية المناسبات العامة وبناء المساجد ودعم حلقات تحفيظ القرآن؛ إذا كانت ممارساتها التجارية لا تلبي توقعات المجتمع ولا تلتزم بمنظومة القيم، ومن المؤكد أن المجتمع لا يقبل منك أن تبني حديقة في الحي وأنت تلوث البيئة بمخلفات مصنعك، ولن يقبل منك أن تطلق برامج لمساعدة العاطلين عن العمل، بينما شركتك لا تلتزم بتوظيف المواطنين أو تدريبهم للعمل، وفي الوقت نفسه تقدم المنتجات بأسعار غير عادلة وبخدمات رديئة لما بعد البيع. وبالتأكيد فإنه ليس من المسؤولية الاجتماعية أن تقدم للأسواق منتجاً على حساب ظروف عمل غير عادلة للعاملين في المصنع.

لقد أنضجت التجارب العالمية مفهوم المسؤولية الاجتماعية والاستدامة؛ بعد نتائج كارثية تسببت فيها ممارسات غير أخلاقية أحياناً، أو قصور في اتباع منهج العمل غير الأخلاقي، فشركة "إينرون"-على سبيل المثال-التي أشهرت إفلاسها وأغلقت أبوابها عام 2001م كانت من أكثر الشركات سخاءً في تقديم التبرعات للمشاريع الاجتماعية، لكن هذا السخاء لم يحمها من الانهيار؛ بسبب التصرفات غير الأخلاقية في ممارسة العمل، وشركة "بريتش بتروليوم" أنفقت أكثر من 200 مليون دولار على حملة علاقات عامة لتغيير صورتها من شركة نفط إلى شركة طاقة نظيفة حريصة على البيئة، واستثمرت في شراء شركات للطاقة البديلة، لكن سمعتها تلطخت مباشرة بعد هذه الحملة؛ بسبب تسرب نفطي هائل في خليج المكسيك هو نتيجة مباشرة دون شك لخلل في ممارسة المسؤولية الاجتماعية التي كان لا بد وأن تعني الحرص على سلامة المعدات وصيانتها أو الحرص على سلامة ظروف العاملين في تشغيل الموقع حتى يتقلص احتمال حدوث الخطأ البشري.

إن المسؤولية الاجتماعية تتضمن سبعة موضوعات رئيسة-حسب المنظمة الدولية للمواصفات ISO-وهي: الحوكمة، وحقوق الإنسان، وأنظمة العمال، والبيئة، وأخلاقيات التشغيل، وقضايا المستهلك، والإسهام المجتمعي. وبالتالي فإن تشجيع القطاع الخاص في الوطن العربي على وضع خطط لممارسة صحيحة وواعية لمشاريع المسؤولية الاجتماعية تسهم في تنمية مجتمعاتها، وتتضمن تشجيع قيام جمعيات وطنية للمسؤولية الاجتماعية في إطار المنظمات الإقليمية والدولية لرفع مستوى ممارسة المسؤولية الاجتماعية وتبادل الخبرات والتجارب.

والمسؤولية الاجتماعية ليست تبرعاً تقدمه الشركة أو المنظمة لتحسين صورتها وصورة مسؤوليها، ولكنها عنصر أساسي في استدامة الأعمال واستدامة البيئة واستدامة الاقتصاد الوطني؛ ولذا فإن الأسواق العالمية الناضجة لا تقبل دخول منتجات شركة لا تلتزم بمبادئ الاستدامة، ولهذا فإن شركة عملاقة مثل "سابك" تنشر سنوياً تقريراً عن التزامها بمبادئ المسؤولية الاجتماعية والاستدامة هي شهادة عبور منتجاتها إلى الأسواق. ويخطر في ذهني دائماً أن الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية يتطابق تماماً مع وصف المواطنة الصالحة للأفراد، فالفرد الذي ينتج للمجتمع أبناء غير صالحين وغير منتجين سنتردد في تسميته مواطناً صالحاً حتى لو كان رجلاً كريماً يتصدق على الفقراء ودائم الحضور مع جماعة المسجد.

ونحن الآن في صدد توجه مهم نحو "تطهير" المجتمع وقطاع الأعمال من الفساد بكافة أشكاله وأنواعه، كما أننا أيضاً في صدد رؤية طموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، والتي من ضمن عناصرها زيادة عدد الشركات السعودية ذات الحضور العالمي؛ ولذا فإن فرض قوانين لتطبيق مبادئ المسؤولية الاجتماعية والاستدامة ستكون شديدة الإلحاح.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة