الخبراء يستعدون في العام 2018م للمزيد منها: "إدارة المخاطر" تحديات تحت السيطرة
  • ​​​سياستها ومجلس إدارة المؤسسة ووحداتها والمراجعة الداخلية أبرز دعائم هيكل وتنظيم إدارة المخاطر
  • المؤسسات المعاصرة تواجه مخاطر عديدة وتتصدى لها وتديرها عبر 8 مراحل
  • إدارة المخاطر نشأت في الخمسينيات من القرن العشرين وتختلف تماماً عن إدارة الأزمات

 

​تسهم المتغيرات، والتحديات التي نواجهها في عالمنا اليوم بشكل مباشر في بروز بيئة مفعمة بالخطر؛ بحيث أصبحنا ندير شؤون حياتنا، ومؤسساتنا المختلفة في ظل عالم محفوف بالمخاطر والتهديدات، خاصة عقب الحرب العالمية الثانية التي أكد اندلاعها، بالإضافة لغيرها من الأحداث؛ على الآثار البالغة لمثل هذه المخاطر في حركتي الإدارة والاقتصاد؛ ولذلك كان من المنطقي نشأة وظهور "إدارة المخاطر" كمفهوم وتطور إداري حديث شغل فكر الممارسين، والخبراء، والأكاديميين؛ للتصدي للمخاطر، وكيفية إدارتها. في هذا التقرير نتعرف على طبيعة إدارة المخاطر، ونشأتها، واختلافها عن غيرها من المصطلحات الإدارية، وأنواعها، ومراحلها، وهيكلها وتنظيمها؛ وإليكم التفاصيل.

مزيد من المخاطر

يستعد الخبراء في العام 2018م لعام آخر من المخاطر المتزايدة بحسب الدراسة المسحية السنوية للمخاطر العالمية (GPRS). ووفقاً لما بثه موقع "صانعو الحدث" فإنه عند سؤال حوالي ألف مشترك عن وجهات نظرهم وآرائهم حول المخاطر في العام نفسه؛ أشار 59٪ منهم إلى أنهم يرون أن المخاطر في ازدياد، مقارنةً بـ 7٪ منهم اعتبروا أن المخاطر في انخفاض. وقد خلص تقرير المخاطر العالمية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن احتمالية النمو الاقتصادي القوي في العام 2018م تتيح للقادة فرصة ذهبية لمعالجة علامات الضعف الشديد في الكثير من النظم المعقدة التي تشكل جزءاً أساسياً من عالمنا، كالمجتمعات، والاقتصادات، والعلاقات الدولية، والبيئة.

وفي ضوء ذلك؛ نؤكد على أن "إدارة المخاطر" هي الوسيلة العصرية لضمان سلامة، ومستقبل المؤسسات وجعل التحديات المحيطة بها تحت السيطرة. وطبقاً لـ "ويكيبيديا" فإن إدارة المخاطر هي عملية قياس، وتقييم للمخاطر، وتطوير إستراتيجيات لإدارتها. تتضمن هذه الإستراتيجيات نقل المخاطر إلى جهة أخرى وتجنبها وتقليل آثارها السلبية وقبول بعض أو كل تبعاتها، كما يمكن تعريفها بأنها النشاط الإداري الذي يهدف إلى التحكم بالمخاطر وتخفيضها إلى مستويات مقبولة. وبشكل أدق هي عملية تحديد وقياس والسيطرة وتخفيض المخاطر التي تواجه الشركة أو المؤسسة. ويطرح دليل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بعنوان: "تطبيق إدارة المخاطر وثقافة السلامة" مفهومه لإدارة المخاطر باعتبارها عملية تحديد، وتقييم، وتحديد أولويات المخاطر، وما يتبعها من تطبيقات للحد منها، ومراقبتها، والسيطرة على أثرها.

المخاطر والأزمات

وتسرد لطيفة عبدلي في أطروحتها بعنوان: "دور ومكانة إدارة المخاطر في المؤسسة الاقتصادية"-باختصار-نشأة إدارة المخاطر؛ فتؤكد على أنها نشأت من اندماج تطبيقات الهندسة في البـرامج العسـكرية، والفضـائية، والنظرية المالية، والتأمين في القطاع المالي، وكان التحول من الاعتماد على إدارة التأمين إلـى فكر إدارة المخاطر المعتمد على علم الإدارة في تحليل التكلفة، والعائـد، والقيمـة المتوقعـة، والمنهج العلمي لاتخاذ القرار في ظل ظروف عدم التأكد. وقد كان أول ظهـور لمصـطلح إدارة المخاطر في مجلة "هارفرد بييسنز ريفو" عام 1956م؛ حيث طرح المؤلـف آنـذاك فكـرة مختلفة تماما، وهي أن شخصاً ما بداخل المؤسسة ينبغي أن يكون مسئولاً عـن إدارة مخـاطرها البحتة. ومن بين أولى المؤسسات التي قامـت بـإدارة مخاطرهـا وممارسـة إدارة المخاطر هي البنوك التي ركزت على إدارة الأصول، والخصوم، وتبين أن هناك طرقاً أنجـع للتعامل مع المخاطر؛ بمنع حدوث الخسائر والحد من نتائجها عند استحالة تفاديها. وتم التوسع في استخدام تقنيات إدارة المخاطر في مختلف المؤسسات خصوصا المؤسسـات الماليـة كشركات التأمين وصناديق الاستثمار. وقد حدث الانتقال من إدارة التأمين إلى إدارة المخاطر عبر فترة من الوقت حيـث تواكبـت حركة إدارة المخاطر في مجتمع الأعمال مع حدوث إعادة تقويم لمناهج كليات الأعمال.

وخلال مسيرة نشأة وتطور مفهوم إدارة المخاطر وتطبيقاته بالمؤسسات المختلفة؛ حدث نوع من الخلط بين هذا المفهوم وغيره من المفاهيم، والتي منها: مفهوم "إدارة الأزمات"، ومفهوم "الأمن الصناعي"، ومفهوم "نظام الوقاية". وقد كان الأبرز من بينها "إدارة الأزمات". ومن الجدير يالذكر أن المؤسسة تكون أسيرة سلسلة من الأزمات والمشكلات؛ بسبب سوء التخطيط وعـدم العنايـة بالتوقع، وأيضا انخفاض فعالية المواجهة؛ وبالتالي فإن المؤسسة لا تختار مـا تفعلـه، وإنمـا يُفرض عليها ما تفعله وأولوية أمورها لا تحددها هي. وإنما تحددها الأزمات المتتالية؛ وبالتالي فبدلاً من أن تدير هي الأزمات تصبح مدارة بالأزمات.  فإدارة الأزمات يمكن تعريفها على أنها "تقدير للأمور المفاجئة، وتحديد اتجاهـات الحركـة البديلة، وتصور السيناريوهات الممكنة لتطور الأحداث، ثم اتخاذ القرارات والمسارات الكفيلة بالسيطرة على الموقف مع الاستعداد للتغير عند الحاجة". وللتعرف على الفرق بين إدارة الأزمة وإدارة المخاطر؛ يتطلب ضمنيا ضرورة التفريق بين مفهومي الخطر، والأزمة. فالخطر هو مفهوم كما رأينا مرتبط أكثر بعنصر عدم التأكد، أمـا الأزمة فهي مفهوم يعبر عن شيء حدث فعلاً. كما أن الخسارة الناتجة عن الخطر هي خسارة محتملـة، أما في الأزمة فهي أكيدة. كذلك فإن تأثير الأزمة أوسع من تأثير الخطر، فمـثلا نقـول الأزمة المالية العالمية.

أنواع ومراحل

وعلى صعيد آخر؛ يصنف محمد نصار-خبير حوكمة الشركات وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية-ضمن رؤيته الخاصة بـ "العلاقة بين إدارتي التدقيق الداخلي وإدارة المخاطر في إطار حوكمة مؤسسية سليمة" أنواع المخاطر وفئاتها التي تواجهها المؤسسات المختلفة إلى خمسة أنواع كالتالي: المخاطر الإستراتيجية وهي التي تهدد تحقيق الأهداف الإستراتيجية، والمخاطر المالية والتشغيلية وهي التي تنشأ عن الأنشطة المادية، ومخاطر البيئة والصحة والسلامة كالأوبئة والعنف، ومخاطر استمرارية العمل كالحرائق وانقطاع المرافق العامة، ومخاطر الامتثال وهي غير المطابقة للقوانين والمعايير الضرورية. موضحاً أن هذه الأنواع جميعاً تؤثر على سمعة هذه المؤسسات.

ويجمل مراحل إدارة المخاطر-وفق منهجية إدارة المخاطر المؤسسية القائمة على معيار (ISO 31000)-في ثماني مراحل كالآتي: أولاها: تتمثل في إنشاء إطار وبناء الوعي في جميع أنحاء المؤسسة، وثانيتها: تحديد أهداف العملية، والثالثة: تتركز في تحديد المخاطر (أنواع المخاطر ووصفها، والمسببات، والأصول المتضررة، ومصدر الخطر)، والرابعة: هي تحديد المخاطر من حيث (احتمالية الحدوث، والآثار المترتبة عليها)، والمرحلة الخامسة: تنصرف إلى معالجة المخاطر، أما المرحلة السادسة: فتُعنى بتأسيس سجلات المخاطر، والمرحلة السابعة: عبارة عن تصميم وإعداد خطط السيطرة على/تخفيض المخاطر، والمرحلة الثامنة: هي مراجعة ومراقبة.

هيكلها وتنظيمها

وقد حدد فريق عمل يتكون من إدارة الخطر الرئيسة بالمملكة المتحدة (معهد إدارة الخطر)، وجمعية التأمين ومديري الخطر، والمنتدى الوطني لإدارة الخطر في القطاع العام هيكل وتنظيم إدارة الخطر-وذلك في معرض الحديث عن "معيار إدارة الخطر"-والذي يتبلور في الآتي:

  • سياسة إدارة الخطر: حيث يجب على هذه السياسة أن تضع منهجها، وميولها تجاه الخطر، ومنهجها في إدارته، وتحديد المسؤوليات تجاه هذه الإدارة داخل المؤسسة كلها، والإشارة إلى أي متطلبات قانونية فيما يخص بيان سياسة المؤسسة. وتتطلب عملية إدارة الخطر ما يلي: التزام الرئيس التنفيذي ومدراء المؤسسة، وتوزيع المسؤوليات داخلها، وتخصيص الموارد الملائمة لتدريب وتطوير الوعي بالخطر من قبل أصحاب المصلحة.
  • دور مجلس الإدارة: يقع على عاتق هذا المجلس مسؤولية تحديد الاتجاه الإستراتيجي للمؤسسة، وخلق بيئة وهياكل إدارة الخطر؛ كي تعمل بصورة فعالة؛ وهو ما يمكن أن يتم من خلال مجموعة من المدراء، أو لجنة غير تنفيذية، أو لجنة المراجعة، أو أي وظيفة تتلاءم مع أسلوب المؤسسة في العمل، وتكون قادرة على العمل كراعٍ لإدارة الخطر. ويجب-كحد أدنى-أن يأخذ مجلس الإدارة في الحسبان عند تقييم نظام الرقابة الداخلية ما يلي: طبيعة ومدى حجم الأخطار المقبولة التي تستطيع المؤسسة تحملها ضمن نشاطها الخاص، واحتمالية تحقق تلك الأخطار، وكيفية إدارة الأخطار غير المقبولة، وقدرة المؤسسة على تخفيض احتمال تحقق الخطر وتأثيره على النشاط، وتكاليف عوائد الخطر وأنشطة التحكم في الخطر المطبقة، وفاعلية عمليات إدارة الخطر، والآثار الضمنية لقرارات مجلس الإدارة على الخطر.
  • دور وحدات العمل: وتتضمن ما يلي: تتحمل هذه الوحدات المسؤولية الأولى في إدارة الخطر على أساس يومي، ومسؤولة عن نشر الوعي بالخطر داخل نشاطهم، كما يجب تحقيق أهداف المؤسسة من خلال هذا النشاط، ويجب أن تصبح إدارة الخطر موضوعاً للاجتماعات الدورية للإدارة؛ وذلك للأخذ في الحسبان مجالات التعرض للخطر ووضع أولويات العمل في ضوء تحليل فعال للخطر، ويجب أن تتأكد إدارة وحدة العمل من شمول إدارة الخطر ضمن المرحلة الذهنية للمشروعات وحتى انتهائها.
  • دور وظيفة إدارة الخطر: والتي يجب أن تتضمن التالي: وضع سياسة وإستراتيجية إدارة الخطر، والتعاون على المستوى الإستراتيجي والتشغيلي فيما يخص إدارة الخطر، وبناء الوعي الثقافي للخطر داخل المؤسسة ويشمل التعليم الملائم، وتصميم ومراجعة عمليات إدارة الخطر، والتنسيق بين أنشطة مختلف الوظائف التي تقدم النصيحة فيما يتعلق بنواحي إدارة الخطر داخل المؤسسة، وإعداد التقارير عن الخطر وتقديمها لمجلس الإدارة وأصحاب المصلحة.
  • دور المراجع الداخلي: بالرغم من احتمال اختلاف دور المراجع الداخلي من مؤسسة لأخرى؛ إلا أنه عملياً قد يتضمن دوره كل، أو بعض من الآتي: تركيز عمله على الأخطار المهمة التي حددتها الإدارة ومراجعة عمليات إدارة الخطر داخل المؤسسة، ومنح الثقة في إدارة الخطر، وتقديم الدعم الفعال والمشاركة في عمليات إدارة الخطر، وتسهيل أنشطة تحديد وفحص الأخطار وتعليم العاملين بإدارة الخطر والمراجعة الداخلية، وتنسيق عملية إعداد تقرير الخطر المقدم لمجلس الإدارة ولجنة المتابعة الداخلية وغيرهما.
  • الموارد والتطبيق: يجب توفير الموارد الضرورية لتطبيق سياسة إدارة الخطر بالمؤسسة، وذلك على كل المستويات الإدارية داخل وحدات العمل، ويجب تعريف بوضوح أدوار المشاركين في إستراتيجية/تنسيق إدارة الخطر، وهو تعريف مطلوب أيضاً للمشاركين في مراجعة ومتابعة إجراءات التحكيم وتسهيل عمليات إدارة الخطر. ويجب أن يتم دمج أنشطة إدارة الخطر داخل المؤسسة عن طريق العمليات الإستراتيجية والموازنة، ويجب إلقاء الضوء عليها ضمن عمليات التدريب والتطوير والإنتاج.​​​
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة