القطاع العام يواجه نقص المختصين والبرمجيات اللازمة لمعالجتها وتحليلها البيانات الضخمة ثورة معلوماتية وتقنية في خدمة التنمية الإدارية

أصبحت البيانات الضخمة من أهم الاتجاهات الحديثة في مجال تحليل البيانات واتخاذ القرار والتخطيط الإستراتيجي؛ نظراً لدورها الهائل في تقديم خدمة معلوماتية عبر وسائل تقنية حديثة تُمكٍن المسؤول وصانع القرار من اتخاذ القرار المناسب. في هذا التقرير نتعرف على مفهوم هذه النوعية من البيانات، وأهميتها للتنمية الإدارية.

 

البيانات الضخمة

في كتابه "ثورة البيانات: البيانات الكبيرة والبيانات المفتوحة والبنى التحتية للبيانات والنتائج المترتبة عليها"، والذي صدرت ترجمة له عن معهد الإدارة العامة، يعرف "روب كيتشن" البيانات الضخمة بأنها التي تتكون من تيرابايت أو بيتابايت من البيانات، والعالية السرعة، أي أنها تنشأ بشكل آني أو فوري أو قريباً من الزمن الحقيقي، والمختلفة من حيث تنوعها، فهي تتنوع بين المنظمة وغير المنظمة في طبيعتها كما تتنوع من حيث مرجعيتها الزمانية والمكانية.

التنمية المستدامة

وهناك إقرار متزايد بأن نجاح أهداف التنمية المستدامة يعتمد على قدرة الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني على تسخير البيانات في عملية صنع القرار. وتتلخص القضية-وفقاً لما يشير إليه الموقع المتخصص في التنمية "أخبار البيئة"-في الاستثمار في بناء أنظمة البيانات المبدعة التي تعتمد على مصادر جديدة من البيانات المحدثة لحظياً للتنمية المستدامة. فنحن نعيش في عالم يعتمد على البيانات. وقد تعلمت شركات الإعلان، وشركات التأمين، ووكالات الأمن الوطني، كيفية الاستفادة من البيانات الضخمة، كما أدرك عدد لا يحصى من العلماء والباحثين أهميتها أيضاً؛ وبالتالي نجحوا في تسريع وتيرة التقدم على مسار التوصل إلى اكتشافات جديدة. ولكن مجتمع التنمية العالمي كان أبطأ في الاستفادة من البيانات الضخمة، خاصة وأن الكثير من بيانات التنمية لا تزال تُجمَع باستخدام أساليب مرهقة ومتخلفة كثيراً عن القدرات التكنولوجية اليوم.

وتتلخص إحدى الطرق لتحسين عملية جمع واستخدام البيانات في إنشاء صلة نشطة بين تقديم الخدمات وجمع ومعالجة البيانات لصنع القرار. ولنتأمل هنا خدمات الرعاية الصحية. ففي كل يوم في القرى النائية الواقعة في بلدان نامية، يساعد العاملون في مجال الصحة المجتمعية المرضى في مكافحة الأمراض (مثل الملاريا)، والوصول إلى العيادات لإجراء الفحوص، وتلقي التطعيمات المهمة، والحصول على التشخيص (من خلال التطبيب عن بُعد)، والوصول إلى مساعدات الطوارئ لعلاج الرضع والأطفال (من حالات مثل نقص التغذية المزمن). ولكن المعلومات التي يُستهدف جمعها من مثل هذه الزيارات لا يتم ذلك بالشكل المطلوب، وحتى إذا دونت على الأوراق فإنها لا تستخدم مرة أخرى أبداً.

الواقع أننا لدينا الآن وسيلة أكثر ذكاءً للتقدم إلى الأمام. فعلى نحو متزايد يحصل العاملون في مجال الصحة المجتمعية على الدعم من قِبَل تطبيقات الهواتف الذكية، والتي يمكنهم استخدامها لتسجيل معلومات المرضى في كل زيارة. ومن الممكن أن تذهب هذه المعلومات بشكل مباشر إلى إحصاءات الصحة العامة، والتي يستطيع القائمون على الصحة استخدامها لرصد تفشي الأمراض، أو الحاجة إلى تعزيز قدرات العاملين الفنيين. ومثل هذه الأنظمة قادرة على توفير سجل لحظي بالأحداث المهمة، بما في ذلك المواليد والوفيات، بل وحتى استخدام ما يسمى "التشريح الشفهي" للمساعدة في تحديد أسباب الوفاة. وكجزء من السجلات الطبية الإلكترونية، يمكن استخدام المعلومات في الزيارات المقبلة للطبيب أو لتذكير المرضى بالحاجة إلى متابعة الزيارات أو التدخلات الطبية.

وفي مجال التعليم، وبالاستعانة بتطبيقات الهواتف الذكية؛ يصبح بوسع العاملين في المدارس تسجيل حضور الطلاب والمدرسين على أساس شفاف ولحظي، والمتابعة بشكل أسهل مع الطلاب المتسربين. ومن الممكن أن يؤدي جمع البيانات على هذا النحو إلى التعجيل بالتنمية المستدامة، من خلال تحسين عملية صنع القرار. ولكن هذه ليست سوى خطوة أولى؛ إذ ينبغي استخدام الأساليب نفسها أيضاً لجمع بعض المؤشرات الرئيسية التي تقيس التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

نقص البيانات

في عام 2015م، بدأ العمل على جدول أعمال التنمية، الذي عُرف بأهداف التنمية المستدامة. والملاحظة اللافتة في هذا الإطار تمثلت في نقص البيانات المطلوبة لوضع سياسات تنموية وطنية وإقليمية وعالمية؛ حيث تفتقد كثير من الحكومات إلى سبل الحصول على البيانات الكافية المتصلة بشعوبها.

ويمكن للبيانات الضخمة أن تسلط الضوء على أوجه التفاوت في المجتمع مما لم يكن ملحوظاً من قبل. ويجمع القطاع الخاص معظم البيانات الضخمة التي تنطوي على أهمية كبيرة لاستخدامها في الصالح العام؛ ولذا يُرجح انتشار الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وسيكون التحدي الماثل هو ضمان استدامتها على مر الزمن، فضلا عن ضرورة وجود أطر واضحة تحدد الأدوار التي يضطلع بها كل طرف والتوقعات المرجوة منه.

دور الأمم المتحدة

وأحد الأدوار الرئيسية التي تضطلع بها الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية هو وضع المبادئ والمعايير الموجهة للعمل الجمعي فيما يتصل باستخدام البيانات الضخمة في مجالات التنمية والعمل الإنساني. ويُراد لهذه المعايير زيادة فائدة البيانات من خلال إتاحتها إتاحة أكثر انفتاحاً وشفافية، وتجنب التعرض للخصوصيات أو الإساءة لحقوق الإنسان؛ من خلال سوء استخدام البيانات في يتعلق بالأفراد والمجموعات، والتقليل من التفاوت في إنتاج البيانات وسبل الحصول عليها واستخدامها. ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة في عالمنا الرقمي؛ لابد من الاعتراف بالحاجة إلى الوقاية من سوء استخدام البيانات، وضمان استخدامها استخداما مسؤولا لما فيه الصالح العام.

وقد قدم فريق الخبراء الاستشاري المستقل التابع للأمين العام والمعني بتسخير ثورة البيانات لأغراض التنمية المستدامة توصيات محددة بشأن كيفية التصدي لهذه التحديات، داعياً لبذل جهود تقودها الأمم المتحدة لاستخدام ثورة البيانات في التنمية المستدامة، وهي:

  1. تعزيز وتشجيع الابتكار؛ لسد الثغرات البيانية.
  2. تعبئة الموارد؛ للتغلب على التفاوت بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة، والتغلب على التفاوت بين الشعوب الغنية بموارد البيانات والشعوب التي تفتقر إليها.
  3. إيجاد القيادة والتنسيق؛ بما يتيح لثورة البيانات الاضطلاع بدورها الكامل في تحقيق التنمية المستدامة.
    وقد أصدرت مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية إرشادات توجيهية عامة بشأن خصوصية البيانات وحمايتها والأخلاقيات المتصلة باستخدام البيانات الضخمة، التي تُجمع آنياً من قبل مؤسسات القطاع العام والخاص؛ وذلك بهدف مشاركتها مع أعضاء المجموعة الإنمائية. وفي منتدى الأمم المتحدة العالمي الأول للبيانات الذي عقد في كانون الثاني/يناير 2017م اجتمع ما يزيد عن 1400 مستخدم ومنتج للبيانات في القطاعين العام والخاص، فضلا عن واضعي السياسيات وأعضاء من الوسط الأكاديمي والمجتمع المدني لاستكشاف سبل تسخير قوة البيانات لأغراض التنمية المستدامة. وقد خلص المنتدى إلى عديد من النتائج المهمة، والتي من بينها تدشين خطة عمل "كيب تاون" العالمية لبيانات إنمائية مستدامة.
    مبادرة غلوبال بلوص
    "غلوبال بلوص" هي مبادرة ابتكارية للأمين العام للأمم المتحدة بشأن علوم البيانات. تذكي المبادرة الوعي بالفرص التي تتيحها البيانات الضخمة فيما يتصل بأغراض التنمية المستدامة والعمل الإنساني. وللاستفادة من البيانات؛ أنشأت المبادرة برنامجاً بشأن خصوصية البيانات، وأحد أجزاء ذلك البرنامج متعلق بالبحوث الجارية في استخدامات البيانات الضخمة للأغراض الإنسانية والإنمائية. ولفهم المخاطر المرتبطة بالبيانات الضخمة؛ طورت "غلوبال بلوص" أداة تعمل في مرحلتين وتسمى "أداة تقييم المنافع والأضرار والمخاطر"، وتشتمل على إرشادات توجيهية لمساعدة الممارسين في تقييم تناسب المخاطر والأضرار في المشروعات التي تعتمد على البيانات.
    القطاع الحكومي
    ويؤكد د.عدنان مصطفي البار في بحثه بعنوان: "البيانات الضخمة ومجالات تطبيقها" على أن هناك مجالاً كبيراً لتطبيقات البيانات الضخمة في القطاع الحكومي، فعندما يتعلق الأمر بإدارة البيانات، فإن أغلب المنظمات الحكومية تواجه وجود كميات هائلة من البيانات في أنظمة الكمبيوتر، ومعظم هذه البيانات غير منظمة؛ وهذا يعني أنها لا تتناسب مع أي نموذج بيانات معروف مسبقاً. ولفهم الأنماط الموجودة في هذه البيانات؛ تطبق المنظمات الحكومية نماذج إحصائية تسعى لالتقاط ومعالجة كميات هائلة من البيانات غير المنظمة.
    وبما أن أغلب المنظمات الحكومية لا تملك عدداً كافياً من الموظفين، أو القدرة الحسابية اللازمة لإدارة وتحليل جميع البيانات الخاصة بهم، ومع طبيعة البيانات المتغيرة وارتفاع حجمها؛ أصبحت الاستعانة بأدوات الـبيانات الضخمة من خلال الحوسبة السحابية أمراً ضرورياً، وأصبح بإمكان المختصين بتطوير الخدمات الحكومية رصد مدى رضا المواطنين عن الخدمات المقدمة لهم. وعلى ضوء النتائج التي تم تحليلها؛ يمكن استنتاج ما يلزم عمله للتطوير والتحسين، حيث َّ بات مسح آراء الجمهور عن طريق الاستبيانات التقليدية مكلفاً وغير مجدٍ في كثير من الأحيان؛ وذلك نظراً لتنوع البيانات الديموغرافية وثقافات المتعاملين معها. ومن أكبر المصادر لتلك البيانات الضخمة هي البيانات المسجلة من خلال عمليات التعداد السكاني والتسجيل في قواعد البيانات الحكومية، حيث يمكن أن تستنتج الحكومات معلومات ثمينة جداً من خلال تحليل تلك البيانات المخزنة.
    ومن الأمثلة على ذلك: في الحكومات المحلية وحكومات الولايات استخدام البيانات الكبيرة لمتابعة وتحليل أنماط الاستخدام لخدماتهم؛ حتى يتمكنوا من تطوير خدماتهم وجعلها أكثر فعالية. ومثال آخر يتضمن فرز الوثائق الموجهة للمواطنين، كالأعداد الكبيرة من استمارات التعداد السكاني، ونماذج مصلحة الضرائب، والانتخابات، والعديد من الوثائق الرسمية الأخرى بلغات مختلفة يجب جمعها وإدارتها. كما يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية برنامج حكومي؛ يهدف إلى مساعدة المحليات والمدن الصغيرة على تضمين برامج وتقنيات البيانات الضخمة في عمليات اتخاذ القرار وتحسين الخدمة العامة. ويتضمن هذا البرنامج بيانات تفصيلية عن الأمن وحالات إطلاق النار، ومخالفات البناء وتنظيم المرور، وشكاوى المواطنين.
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة