الأساليب الإحصائية في المحاسبة القضائية


​الاحتيال أو التحريف في البيانات المالية المعقدة في المنظمات والأجهزة المختلفة من الموضوعات المهمة؛ لأن عدم مواجهته ربما يهدد وجود هذه المنظمات واستمراريتها، ويلتهم المردود الاقتصادي؛ وتصبح عواقبه وخيمه سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمعات. وقد وضع علم الإحصاء مناهج متطورة لكشف الاحتيال المالي وتحديده وإثبات أنه متعمد؛ ومن هنا تأتي أهمية موضوع الكتاب الذي نطالعه في هذا العدد من "التنمية الإدارية"، بعنوان: "استخدام الأساليب الإحصائية في المحاسبة القضائية"، وهو من تأليف "سوراف ك. دوتا"، وقام بترجمته للغة العربية كل من: د.ماجد محمد السيد جزر، وأ.مروة بنت عبدالإله محمد الحبوبي، وصادر عن معهد الإدارة العامة..فتعالوا نتعرف معاً على أهم ما ورد فيه.

الجريمة الإلكترونية والحوكمة

يتكون الكتاب من 12 فصلاً متنوعاً، وتبلغ عدد صفحاته 370 صفحة. يستهله المؤلف بالفصل الأول، وهو مقدمة تبرز "التحديات التي تواجه المحاسبة القضائية" وأهمها أنه بالرغم من التقدم الذي أصبحنا نعيشه والكشف عن العديد من طرق ومخططات الاحتيال، إلا أن هناك مخططات أخرى متطورة لم يتم الكشف عنها؛ لأن المحتالين يسبقوننا دائما بخطوة إلى الأمام في ابتكار طرق جديدة. كذلك فإن الجريمة الإلكترونية تمثل تهديداً متزايداً؛ بسبب التقدم التقني الراهن وصعوبة مراقبة الأنشطة غير المشروعة والمشبوهة على الإنترنت.

ثم يركز الكتاب في الفصل الثاني على "التشريعات واللوائح والإرشادات المؤثرة على المحاسبة القضائية"، فيقدم نظرة عامة وموجزة عن مدى تأثير هذه التشريعات على عملية إعداد التقارير بالشركات، وهي نقطة مهمة خاصة إذا علمنا أن الخسائر المالية الناتجة عن احتيال الشركات تصل إلى بلايين الدولارات، إضافة إلى كثرة أعداد الضحايا المتضررين منه، فضلاً عن القصور الذي ربما يعتري الرقابة الداخلية في العديد من الشركات؛ ولذلك فقد استجابت الحكومات والجهات المسؤولة عن التنظيم إلى شعور الرأي العام من خلال سن التشريعات التي تعمل على تحسين حوكمة الشركات.

المشاركة الجماعية

أما الفصل الثالث فهو يتحدث عن "إجراءات وقائية: حوكمة الشركات، ونظم الرقابة الداخلية"، فيبرز العديد من المفاهيم المرتبطة بالتشغيل الجيد للمنظمات الحديثة في العالم وأهمها "نظرية الوكالة" التي تعد نظرية اقتصادية مقبولة على نطاق واسع وتوفر طريقة متسلسلة منطقياً لتحليل تضارب المصالح بين مختلف أطراف المنظمة الحديثة، وقد قام المؤلف بدراسة نوعين من التداعيات لتلك النظرية وهما: الخطر الأخلاقي، والاختيار المعاكس. ويقرر "دوتا" أنه مع تزايد العولمة؛ فإن تحقيق التوازن بين المرونة التنظيمية والرقابة أصبح تحدياً. وقد أصبح من الأهمية بمكان وجود نظام يتم تصميمه بشكل صحيح للرقابة الداخلية؛ لضمان التنفيذ الفعال لأهداف المنظمة، وفي هذا الصدد يحدد المؤلف أن إطار COSO بمثابة مؤشر واقعي لأغراض تصميم الرقابة الداخلية.

وينتقل الكتاب في فصله الرابع إلى تسليط الضوء على "الكشف عن الاحتيال: المسؤولية المشتركة"، حيث يناقش أدوار ومسؤوليات مختلف الأطراف المشاركة في دورة إعداد التقارير المالية في منع واكتشاف الاحتيال. ويؤكد المؤلف على أن هناك حاجة إلى مسؤولية مشتركة بين الأطراف المختلفة في اكتشاف الاحتيال؛ فالمشاركة الجماعية أفضل بكثير من غيرها في كشف المزيد من طرق وأساليب وجرائم الاحتيال، ولتسريع وتيرة هذه المشاركة؛ لابد من أن تكون هناك خطوط رسمية للاتصال متاحة لهذه الأطراف. وفي هذا الشأن، تتحمل الإدارة عادة مسؤولية التشجيع على ثقافة الاتصال المفتوح التي يشعر الموظفون فيها بإمكانية الاتصال بشكل مباشر عبر جميع مستويات المنظمة.

التنقيب والأدلة

ويعالج "دوتا" في الفصل الخامس "التنقيب في البيانات"، والذي يعد عملية اكتشاف للاتجاهات، والأنماط، والعلاقات التي لم تكن معروفة سابقاً والقابلة للتنفيذ في مجموعة البيانات. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن مهمة المحاسب القضائي تتمثل في البحث عن الاستثناءات، والحالات الشاذة، والأنماط والمعاملات المشبوهة في مجموعة البيانات. وتساعد أساليب التنقيب في البيانات على تسهيل مهمة المحاسبين القضائيين عن طريق التخفيض المنظم لمجموعة الملاحظات أو المعاملات التي يجب أن يتناولها المحاسب القضائي. وبصفة عامة فإن أدوات التنقيب الأكثر أهمية للمحاسبين هي تلك التي تعمل على الاكتشاف، وإعداد النماذج التنبؤية، وتحليل الانحراف. وقد تناول هذا الفصل جزئية في غاية الأهمية وهي استخدام التنقيب في البيانات للكشف عن غسيل الأموال، ووفقاً لما تمت مناقشته فإنه بالرغم من أن أدوات التنقيب في البيانات مفيدة، إلا إنها ليست مثالية.

ثم يقرر المؤلف في الفصل السادس "الانتقال إلى الأدلة"، فيقدم المفاهيم الأساسية للاحتمالات، والتعريفات، والرموز الرياضية، ومن هذا المنظور فإن مفهوم الاحتمال الشرطي يعد وثيق الصلة بالمراجعة والمحاسبة القضائية، كما تساعد أشكال "فين Venn" في توضيح العلاقات المهمة بين الأدلة والمزاعم. ففهم هذه المصطلحات هو أمر مهم بالنسبة للمحاسب القضائي؛ حتى يكون قادراً على التواصل مع خبراء الإحصاء والخبراء القانونيين، وغيرهم من الخبراء خارج مجال المحاسبة، كذلك فإن المفاهيم تقدم هيكلاً ضرورياً وتشكل الأساس لتقييم الأدلة. وقد استعرض هذا الفصل أيضاً قاعدة "بايز Bayes" المطبقة على نطاق واسع، وتعكس المنطق الاحتمالي الخاص بتحديد احتمالات النتائج التي تم الوصول إليها.

التوزيعات الاحتمالية والمعاينة

ويتطرق الفصل السابع إلى "التوزيعات الاحتمالية"، حيث التركيز على إنشاء الروابط بين الإحصاء الوصفي وهذه التوزيعات، والتي من أمثلتها: توزيع ذي الحدين، والتوزيع الاحتمالي بواسون، والتوزيع الهندسي الزائدي. والمحاسب القضائي مُطالب هنا بأن يدقق ويمحص مجموعات كبيرة من البيانات المالية، وإنشاء استدلالات احتمالية. ويستكمل "دوتا" في الفصل السابع حديثه عن "التوزيعات الاحتمالية المتصلة"، التي تكون مناسبة في مجال المحاسبة والمراجعة عندما تكون المتغيرات موضع الدراسة أرصدة حسابات. ويبرز هذا الفصل عدداً من النقاط المهمة في هذا الصدد، مثل: الإطار النظري للاحتمالات، والتوزيع الاحتمالي المنظم، والتوزيع الاحتمالي الطبيعي، ومتباينة شيبيتشف، والتوزيع الأسي، والتوزيع المشترك للمتغيرات العشوائية المتصلة. ويعد التوزيع الاحتمالي الطبيعي هو أكثر هذه التوزيعات المتصلة شيوعاً وفائدة؛ نظراً لخواصه المتميزة.

ثم يتناول الفصل التاسع "نظرية وأساليب المعاينة" التي تستخدم في حالة صعوبة عمل حصر كامل للبيانات، وتختلف تطبيقات المعاينة في المحاسبة القضائية والمراجعة عن تطبيقاتها في مجالات الأعمال الأخرى. وتجدر ملاحظة أن أحد القرارات الأولية المهمة التي ينبغي أن يتخذها المحاسب القضائي أو المراجع هي مدى تعميم نتائج العينة على كامل المجتمع أم لا؛ لأنه إن كان التعميم مرغوباً فيجب أن يكون أسلوب المعاينة احتمالياً وتتم عملية اختيار العينة بطريقة عشوائية. والمحدد الرئيسي هنا هو الهدف الأساسي من الاختبار أو المراجعة، فقد يكون الهدف رصد الاحتيال والعثور على دليل قاطع، وقد يكون هدف المراجعة تقديم ضمانات بعدم وجود أخطاء ملموسة في أرصدة الحسابات، وهنا تتضاءل أهمية إيجاد هذا الدليل، ويصبح الهدف الأساسي هو القدرة على تعميم نتائج العينة.

الاستدلال والحجم

ويبحث الفصل العاشر في "الاستدلال الإحصائي من معلومات العينة"، وهو الجانب المتعلق بتعميم نتائج العينة؛ لأن المراجع في مجال المراجعة والمحاسبة القضائية يعتمد في حالة البيانات الكبيرة على العينات، والتي ينتج عن الاعتماد عليها الحصول على الأدلة المطلوبة للاستدلال على وقوع تحايل من عدمه. فالاستدلال الإحصائي هو المنهجية التي تزودنا بالأساس النظري لأخذ القرارات أو عمل التقديرات المعقولة من المعلومات غير المكتملة. ويناقش الفصل الحادي عشر "تحديد حجم العينة"، وهو الإجراء المحاسبي والإحصائي المهم؛ لكنه يتم وفق عدد من المعايير، والتي منها حالات معينة؛ مثل ما إذا كان الانحراف المعياري للمجتمع معلوماً، أو غير معلوم، أو في حالة التناسب. ويبين "دوتا" أن هناك عاملين مهمين يؤثران على حجم العينة وهما: مستوى الثقة، ودرجة الدقة.

ويختتم المؤلف كتابه بمناقشة "الانحدار والارتباط" في الفصل الثاني عشر، حيث نتعرف على أساليب تقدير المعالم الخاصة بالمتغيرات اعتماداً على معلومات العينة، ويناقش الفصل أيضاً بعض الحالات التي تكون فيها قيمة المتغير معتمدة على قيمة متغير آخر، وذلك في حالة أن المتغيرين متصلين. وهنا تصبح عملية حصر الاحتمالات الشرطية شاقة، ويتم عوضاً عن ذلك توظيف الأساليب الإحصائية للانحدار والارتباط. كذلك ناقش الفصل الافتراضات والقيود المفروضة على تحليل الانحدار بالتفصيل.​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة