الإدارة المُستندة على النتائج و"كورونا"

​​

خضع أسلوب العمل عن بعد إلى الكثير من الدراسات في فترات سابقة، وبالرغم من النتائج الإيجابية التي كانت تشير إليها معظم هذه الدراسات؛ إلا أن المنظمات في جميع أنحاء العالم لم تكن تتبنى هذا الأسلوب إلا في بعض القطاعات المحدودة. ولكن عقب اندلاع جائحة كورونا؛ لجأت المنظمات إلى تطبيق أسلوب العمل عن بعد؛ لاستمرار الأنشطة والخدمات. وأرى أنه من المهم تسليط الضوء على أسلوب الإدارة المُستندة على النتائج، كأحد الأساليب الإدارية الهامة التي تتعامل بكفاءة مع تحديات تحقيق النتائج على مستوى الأفراد والفرق والمنظمات.

هذا الأسلوب ليس بجديد؛ فقد تطرق له "بيتر دراكر" عام 1954م، عندما أشار إلى أهمية التركيز على النتائج، كطريقة تفكير وأسلوب للإدارة. وقد تنامى استخدم هذا الأسلوب خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتطُور بعد ذلك حين قدمت وزارة الدفاع الأمريكية منهج الإطار المنطقي، والذى طبقته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  عام 1969م-كأداة للتخطيط ورصد وتقييم البرامج-ثم انتشر في القطاع الحكومي في عقدي السبعينات والثمانينيات، خاص' في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OCED) ، وزاد استخدامه مع ظهور منهج الإدارة العامة الحديثة في عقد التسعينات-كأحد أدوات هذا المنهج المبنى على التمركُز حول المُواطن والمُساءلة لتحقيق النتائج-أما التطبيق الواسع لهذا الأسلوب كان في بداية التسعينات حين قدمه "أل جور" نائب الرئيس الأمريكي من خلال قانون أداء الحكومة والنتائج الأمريكي، ليُصبح مُمارسة إدارية ناجحة وراسخة-ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب-ولكن في الكثير من دول العالم وفي العديد من المنظمات الدولية، كهيئات الأمم المُتحدة والبنك الدولي، وبشكل خاص بعد التطور الكبير في  تقنية المعلومات والاتصالات وما قدمته من أدوات وتطبيقات أسهمت بشكل كبير في انتشار استخدام هذا الأسلوب الإداري.

وتتضمن الإدارة المُستندة على النتائج على المفاهيم التالية:

  • التوجه نحو النتائج: حيث تُصمم وتُدار البرامج والمشاريع بطريقة تضمن التركيز على تحقيق النتائج.
  • التحليل المناسب: إذ تُبنى البرامج والمشاريع على أساس تحليل المشكلة والإطار الموجودة فيه.
  • النتائج المُستندة على الرصد والتقييم: فيتم جمع وتحليل البيانات باستخدام مُؤشرات لقياس التقدم نحو النتائج المتوقعة.
  • التعديل والتطوير المُستمر أثناء العمل: حيث تستخدم البيانات التي تُقدمها المُؤشرات في تقييم ومقارنة النتائج المُتوقعة بالنتائج الفعلية وإجراء التعديلات المُناسبة خلال التنفيذ لتعظيم النتائج.
  • إدارة المخاطر: يتم تحديد المخاطر وتُوضع في الاعتبار عند تحديد النتائج والموارد المطلوبة.
  • الدروس المُستفادة: أبرزها تزداد المعرفة من خلال التعلُم المُستمر.

وقد تختلف المُصطلحات والأدوات المستخدمة عند تطبيق الإدارة المستندة على النتائج من منظمة الى أخرى الا ان مبادئها تظل ثابتة وهي البساطة، والتعلُم من خلال المُمارسة، والمُرونة، والمُشاركة، والمُساءلة، والشفافية.

تستخدم الإدارة المُستندة على النتائج مجموعة من الأدوات الرئيسية، كالآتي:

  • تحليل شجرة المشكلة: وهو تحليل الوضع الراهن للمشكلة؛ لتحديد مسبباتها وأثرها وعلاقاتها وطرق حلها.
  • سلسلة النتائج: وهي بمثابة خريطة طريق للمبادرة أو المشروع، تتضمن المُدخلات والأنشطة، والمُخرجات والنتائج المباشرة والوسطية والنهائية.
  • المُؤشرات: وهي أداه قياس التغيُر في الأداء واتجاهُ التغير باستخدام مُؤشرات كمية ونوعية.
  • إطار قياس الأداء: وهو أداة لجمع وتحليل المعلومات وقياس الأداء. والإطار يأخُذ شكل مصفوفة يتضمن محورها الأفقي 8 عناصر هي: النتيجة المتوقعة، ومُؤشرات قياس الأداء، وخط الأساس، والمُستهدف، ومصادر البيانات، وطريقة ودورية جمع البيانات، والمسؤول عنها، بينما يتضمن محورها الرأسي عناصر سلسلة النتائج السابقة.
  • خطة الرصد والتقييم المُستندة على النتائج: هي خطة تُوضح اللوجستيات والميزانية والتفاصيل التشغيلية لجمع وتحليل البيانات.
  • سجل المخاطر: هو قائمة بالمخاطر وتحليلها وكيفية التعامل معها بشكل وقائي، وهي تحتاج الى تحديث باستمرار.

وتتحدد أهم فوائد الإدارة المٌستندة على النتائج في التالي:

  • تدعيم صناعة القرار في ضوء النتائج من خلال رصد التغيير أثناء العمل واتخاذ الخطوات اللازمة، إما بالسير قدماً أو باتخاذ خطوات تصحيحية.
  • تعظيم العائد من الموارد من خلال الربط بين تكاليف الأنشطة والنتائج.
  • تعزيز إدارة التغيير؛ حيث إن فكرة الإدارة المُستندة على النتائج مبنية أساساً على نظرية التغيير والتحول من المُساءلة عن المُدخلات والعمليات إلى المُساءلة عن النتائج والتمركُز حول العميل.
  •  التعلُم المُستمر من الدروس المُستفادة، ودمجها في عملية اتخاذ القرارات وبناء القُدرات.
  • التقييم المُستمر للكفاءة والفاعلية والنتائج خلال دورة حياة البرنامج او المشروع.
  •  في مجال الموارد البشرية أصبحت الإدارة المُستندة على النتائج آلية داعمة لأساليب العمل المرنة كالعمل عن بعد، واستقطاب والحفاظ على المواهب.

إن العالم بعد جائحة كورونا لن يعود كما كان قبلها، وتحول المنظمات لتصبح منظمات رشيقة وأكثر مرونة لم يعد رفاهية وإنما أصبح ضرورة ملحة؛ لمواجهة التغيرات المتسارعة في بيئة الأعمال. وفى ضوء الدور الداعم لتقنية المعلومات والاتصالات أصبحت الإدارة المستندة على النتائج أحد الأساليب الإدارية التي يمكن الاعتماد عليها في التعامل مع هذه التغيرات والوصول إلى النتائج التي تسعى المنظمات الي تحقيقها.

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة