مهارات المستقبل.. وثقافة التعلم مدى الحياة

لم يعد النجاح في سوق العمل يقاس اليوم بعدد الفرص المتاحة، بل بمدى جاهزية الفرد لاستثمار تلك الفرص، ففي ظل التغيرات التي يشهدها العالم، وتسارع وتيرة التحول الرقمي، أعاد سوق العمل صياغة معاييره، حيث لم تعد الشهادات الأكاديمية التقليدية وحدها كافية، رغم أهميتها، بل أصبحت المهارات الحديثة، خاصة المرتبطة بالتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، العامل الحاسم في التوظيف والاستمرارية.

ولعل المتأمل في كلمة معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، التي ألقاها في افتتاح أعمال مؤتمر مبادرة القدرات البشرية 2025م، المنعقد مؤخراً في مدينة الرياض؛ يجدها تصب في هذا الاتجاه المهم، حيث ذكر معاليه "أن المملكة تشهد تحولات جوهرية يقودها الذكاء الاصطناعي والتطور المتسارع، ضمن ملامح الثورتين الصناعيتين الرابعة والخامسة، وأن هذه التحولات لم تعد جزءًا من المستقبل، بل أصبحت واقعًا يعيد تشكيل سوق العمل ومفاهيمه الأساسية، وأن المهارة أصبحت محركًا رئيسًا للفرص في سوق العمل الجديد، وتدعيماً لهذا التوجه دشنت الوزارة  المنصة الوطنية للمهارات ضمن مبادرة مسرعة المهارات، التي تهدف إلى تأهيل أكثر من 300 ألف متدرب في قطاعات استراتيجية بالتعاون مع برنامج تنمية القدرات البشرية، وتوظف هذه المنصة تقنيات الذكاء الاصطناعي في تصنيف المهارات".

دددوفي ذات الاتجاه تشير تقارير حديثة صادرة عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" لعام 2025م إلى أن نحو 44% من المهارات الأساسية للموظفين ستتغير بحلول عام 2027م، نتيجة التقدم التقني الواسع، كما تؤكد "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" أن 1.1 مليار وظيفة حول العالم ستكون عرضة للتغيير خلال العقد القادم، مما يتطلب من الموظفين والمؤسسات معاً تبني ثقافة التعلم مدى الحياة.

ولعل هذا الأمر يتجلى بوضوح فيما تقوم به الشركات الكبرى حالياً، والتي بدأت تستشعر أهمية هذا التحول؛ فقد أعلنت شركة "أمازون" عن استثمار أكثر من 700 مليون دولار في برامج لتطوير مهارات موظفيها حتى نهاية عام 2025م ضمن مبادرة أطلقت عليها "Upskilling 2025"، والهادفة إلى تجهيز موظفيها للوظائف المستقبلية، وفي استطلاع أجرته مجلة "فوربس" أبدى 70% من الموظفين استعدادهم لمغادرة وظائفهم الحالية إذا لم يحصلوا على فرص تدريب وتطوير داخل مؤسساتهم.

ولكي تكتمل أمامنا أبعاد الصورة تشير التقديرات العالمية إلى أن أكثر من 85 مليون وظيفة قد تُفقد بنهاية عام 2025م، وستنشأ بدلاً عنها 97 مليون وظيفة جديدة في ذات الفترة، لكنها ستتطلب مهارات مهنية مختلفة كليًا.

ومع ذلك يظل التحدي الأكبر في سوق العمل ليس في عدد الوظائف المتاحة بل في اتساع الفجوة بين مهارات الموظفين الحالية، والمطلوبة مستقبلاً في سوق العمل، وهذا التباين يعد إشكالية يحتم على المنظمات والشركات أن تتبنى خطط تدريب تستثمر أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل المهارات، وتوجيه الأفراد إلى المجالات ذات الطلب الأعلى، فالموظف القادر على التعلم، وإعادة التعلم هو من سيمتلك فرص البقاء، والتطور في سوق عمل لا يجامل، ولا يمنح مكانًا إلا لمن يواكب التغيير.

وعليه يمكن القول أن بناء موظفين قادرين على المنافسة في سوق العمل يبدأ أولاً من التركيز على تطوير رأس المال البشري، واعتبار التعليم المستمر، والتأهيل المهني ركيزة أساسية؛ فالمنظمات التي تزرع ثقافة التعلم والتطوير، وتدعم موظفيها بالمهارات الحديثة، هي التي ستقود المستقبل، وتساهم في بناء اقتصاد قوي ومزدهر.​

21/11/1446
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة