من العبارات المتداولة في عالم الأعمال "الوقت يعني المال"، لكن هذه العبارة، التي طالما رُدّدت دون أن تؤخذ على محمل الجد، باتت اليوم أكثر صدقًا في زمن الذكاء الاصطناعي. فمع كل نقرة وأداة ذكية، تُقاس فاعلية هذه التقنية الثورية بمقدار ما توفره من وقت وجهد وإنتاجية.
التقنية تتسارع والإنتاجية تتباطأ
ورغم القفزات الهائلة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، من النماذج اللغوية المتقدمة إلى أدوات البرمجة والتصميم الآلي، فإن هذه الطفرات لم تُترجم بعد إلى أرقام لافتة في مؤشرات الإنتاجية الاقتصادية إذ تشير استطلاعات إلى أن بين 20% إلى 40% من موظفي الشركات الأمريكية يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي، بينما وصلت النسبة في أوروبا إلى 13.5%. ومع ذلك، لا يزال الأثر بعيدًا عن الإحصاءات الوطنية.
التاريخ يعيد نفسه
وتعد ظاهرة "التأخر في جني ثمار التقنية" ليست جديدة، فحين زوّدت المصانع الأمريكية بالكهرباء في بدايات القرن العشرين، استغرق الأمر عقودًا قبل أن ينعكس ذلك على الإنتاجية. وهذا ما يحدث اليوم مع الذكاء الاصطناعي، حيث يتطلب الأمر ليس فقط إدخال التقنية، بل إعادة هندسة العمل، ووصف اقتصاديون، أبرزهم إريك برينجولفسون من جامعة ستانفورد، هذه الظاهرة بـ"منحنى الإنتاجية على شكل J"، إذ تنخفض الإنتاجية أولًا عند إدخال تقنية جديدة، قبل أن تبدأ بالارتفاع لاحقًا.
الإنتاج غير مرئي
وأحد أبرز التحديات في قياس إنتاجية الذكاء الاصطناعي يكمن في صعوبة تقييم الأداء في قطاعات خدمية غير ملموسة، كالقانون والاستشارات الإدارية. فكيف نقيس إنتاج شركة قانونية؟ بعدد صفحات المرافعات؟ أم جودة الحجج؟ وكيف نُقوّم فاعلية أدوات البحث في "جوجل"، التي تُستخدم مجانًا وتدرّ أرباحًا هائلة من الإعلانات، لكن يصعب حصر أثرها الاقتصادي المباشر؟
العملة الجديدة للإنتاجية
ويشير الخبراء إلى أن قياس الوقت المستغرق في أداء المهام بات أكثر دقة لتتبع أثر الذكاء الاصطناعي. فجوهر التقنية ليس اختراع أدوات جديدة فحسب، بل إعادة تعريف كيفية استخدام البشر لوقتهم.
يُسرّع العمل أم يسرق الوقت؟
وفي بعض المهام، مثل تلخيص الوثائق أو كتابة الشيفرات البرمجية، يُثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في اختصار الوقت. ولكن في حالات أخرى، قد يتحول إلى "ضريبة وقت" جديدة، تُحمَّل للمستهلك أو الموظف دون مقابل.
كيف نقضي وقتنا؟
لا تملك معظم وكالات الإحصاء بيانات كافية حول كيفية قضاء الأفراد لأوقاتهم، سواء في العمل أو خارجه، وبعض الدول بدأت بإدراج أسئلة حول الأنشطة الرقمية في استطلاعات استخدام الوقت، لكن الصورة لا تزال ضبابية. فهل التقنية أكثر كفاءة؟ أم أن الوقت أطول في التحديق في الشاشات بلا مردود حقيقي؟
تعريف الإنتاجية
ويقال أن على المنظمات أن تعيد النظر في إنتاجية موظفيها من منظور "كيف يقضون وقتهم؟"، وأين يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدث فرقًا حقيقيًا، وعلى الاقتصاديين تطوير أدوات قياس جديدة، تتجاوز مجرد حساب الإيرادات، إلى فهم أعمق لتدفق الوقت والجهد والمعرفة. وفي نهاية المطاف، الطريقة التي نوزع بها ساعات اليوم، هي التي ستحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُحدث ثورة اقتصادية أم يبقى مجرد وعد مؤجل.