في ظل التطور المتسارع، والتطبيقات المتزايدة، والإيجابيات والفوائد العديدة للذكاء الاصطناعي؛ تحرص المملكة العربية السعودية على تبني تقنياته، وتعظيم دوره التنموي في المساهمة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030. فهو أحد أبرز إفرازات الثورة الصناعية الرابعة، ويلعب دورًا مهمًا في الأداء وتحسين عملية صنع القرار العام ويمكن أن يؤدي إلى إنشاء منتجات وخدمات وأسواق وصناعات جديدة؛ وبالتالي تعزيز طلب المستهلكين وتوليد مصادر دخل قومية جديدة. لذلك تبدو أهمية إجراء دراسة لقياس واقع وجاهزية المنظمات العامة نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بالمملكة، وهو الموضوع الذي تتناوله دراسة أجراها كل من: د.ثنوى بنت عبدالله العمري ود.وحيد بن أحمد الهندي وأ.أسماء بنت عبدالرحمن الغامدي بعنوان: "تطبيقات الذكاء الاصطناعي في منظمات القطاع العام بالمملكة العربية السعودية-الواقع والتحديات"، ونشرتها "مجلة الإدارة العامة" الصادرة عن معهد الإدارة العامة، ونستعرضها معكم على صفحات هذا العدد من "مجلة التنمية الإدارية".
النفط الجديد
يبرز مجال الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الركائز العصرية التنموية في مختلف دول العالم، والتي تتسابق لإنشاء وتطوير بنية تحتية قوية في هذا المجال؛ حتى تضمن تقديم خدمات متطورة إلى جمهورها. فقد وُصفت البيانات الضخمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي بأنها "النفط الجديد" الذي تحتاجه الدول والحكومات لتنفيذ خططها الاستراتيجية ولتحقيقها الرؤى القومية. كما أصبحت ريادة الاقتصاد القائم على تقنيات الذكاء الاصطناعي هدفًا تتسابق عليه هذه الدول، حيث أشار تقرير منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات إلى اتخاذ عدد من الحكومات خطوات مختلفة لرفع مستوى الجاهزية نحو تبني الذكاء الاصطناعي في أشكال عدة تمثلت في: مراقبة التطورات في الذكاء الاصطناعي والاهتمام بالبيانات الضخمة، وتطوير استراتيجياته الوطنية، وإدخال وتعزيز تشريعات حماية البيانات، واعتماد وتكييف الحكومة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة، وإنشاء وتحديث قواعد البيانات الوطنية، وإنشاء البرامج والدورات الجامعية، وتمويل وتحفيز أبحاث الذكاء الاصطناعي والشركات الناشئة في هذا المجال.
تميز سعودي
وقد حظي الذكاء الاصطناعي بالأهمية والأولوية في رؤية المملكة 2030 من خلال العديد من البرامج والمبادرات الداعمة للتحول نحو اقتصاد رقمي قائم على البيانات والذكاء الاصطناعي، وتسخير الإمكانات وسن التشريعات؛ ليصبح الذكاء الاصطناعي ثقافة عمل مؤسسية في مختلف القطاعات. ففي أغسطس من عام 2019م تأسست الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) بموجب أمر ملكي، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. وقد جاء التفوق المشهود للمملكة جراء التطورات النوعية التي حظي بها الذكاء الاصطناعي منذ انطلاق الرؤية في عام 2016م، فيما يتعلق بالتمكين والتطوير والنشر لتقنياته في مختلف المجالات. لذلك حققت المملكة المركز الأول عربيًا، والمركز 26 عالميًا حسب المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي، حيث نالت المركز الأول عالميًا في معيار البيئة التشغيلية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والثالث عالميًا في معيار الاستراتيجية الحكومية.
وقد حددت استراتيجية الحكومي الذكية في المملكة العربية السعودية 3 محركات ودوافع أساسية للتحول الحكومة الذكي تتمثل في:
•المحركات على المستوى الوطني: رؤية المملكة 2030، والاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، واستراتيجية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
•محركات التكنولوجيا: الروبوتات والأتمتة، وإنترنت الأشياء، وسلاسل الكتل، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي.
•الدوافع الاجتماعية والاقتصادية: وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة، والخدمة الذاتية، والاقتصاد التشاركي، والهوية الرقمية والثقة.
تحديات
على الرغم مما يتمتع به الذكاء الاصطناعي من إمكانات استثنائية، فإن تبني تطبيقاته في المؤسسات يواجه تحديات عدة، ومنها: الثقة الأساسية في النموذج الذكي وشفافيته، والتحيز، وتوافر البيانات وملكيتها، وخصوصية البيانات وأمنها، والدراية المحدودة، والكم الهائل من "البيانات الضخمة"، وارتفاع نسب بطالة المورد البشري، وفقدان البيانات وضياعها.
كما يلفت الباحثون-أيضًا-إلى أن استخدامات تطبيقاته قد تحمل معها كمًا هائلًا من الفرص بجانب التهديدات بالتغييرات وحتى اختفاء بعض المهن، مثلما أشار لذلك تقرير مستقبل الوظائف الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وقد أكدت بعض الدراسات على وجود عدد من التحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في الجامعات السعودية. كذلك هناك التحديات المتعلقة بالتحول نحو نموذج الحكومة الذكية الذي يتطلب التخلص من الأساليب الإدارية التقليدية والتحول نحو نموذج الإدارة العامة الحديثة.
جاهزية عالية واختلافات وتحديات
توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج، وأهمها ما يلي:
-1اتضح أن مستوى جاهزية تبني الذكاء الاصطناعي في القطاع العام السعودي عالية في كافة أبعادها الخمسة (القيادة والإدارة الاستراتيجية، والثقافة، والبيانات، والتقنية، والمواهب)، وقد تحدد أعلاها في القيادة والإدارة الاستراتيجية والبيانات في ممارسات عدة منها: تشجيع القيادات الحكومية لموظفيها على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي والتزامها بذلك، وتوافر سياسات معلنة لحوكمة البيانات وإدارتها، ووجود أساليب قوية لحماية البيانات والحرص على أن تكون رقمية. فيما جاءت أقل درجات الجاهزية في بُعدي الثقافة التنظيمية والمورد التقني.
-2وتختلف تقديرات المبحوثين لمستوى هذه الجاهزية للمنظمات؛ فالموظفين الذين يعملون في منظمات حاصلة على جوائز تحول رقمي كانت تقديراتهم لمنظماتهم أعلى من نظرائهم العاملين في مؤسسات غير حاصلة على هذه الجوائز.
-3 ثبت أن واقع تبني استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في منظمات القطاع العام السعودي يتحقق بدرجة متوسطة. وجاءت أكثر الممارسات تطبيقًا في استخدام تطبيقات إلكترونية ومنصات ذكية لإتاحة خدمات المنظمات العامة للمتعاملين عبر الإنترنت، وصنع القرارات الذكية دون تدخل بشري. وتمثلت جوانب القصور في توفر أدلة لكيفية استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمة العامة، واستخدامها للتطبيقات الذكية في صناعة الصوت.
-4 تتحدد درجة التحديات التي تواجه هذه التطبيقات بأنها متوسطة، ومن أكثر هذه التحديات شيوعًا تردد الإدارة العليا للمنظمة في تبني تلك التطبيقات، وأقلها معضلة تتمثل في المشاكل الأخلاقية للآلة كالتحيز وعدم الشفافية. كما برزت أكبر التحديات الخاصة بالمورد البشري في قلة الدورات التدريبية للموظفين في مجالات تلك التطبيقات.
7 توصيات
وبناء على هذه النتائج، اقترحت الدراسة 7 توصيات مهمة، والتي تتمثل في: الاهتمام بالتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي، وبناء مؤشر حكومي له، وإعداد أدلة وإرشادات خاصة بتطبيقاته، واستحداث إدارة مختصة للذكاء الاصطناعي في القطاع العام، وبناء الشراكات لتطوير تطبيقاته في هذا القطاع المهم، وإجراء المزيد من الدراسات فيما يخص الذكاء الاصطناعي في القطاع العام، وعقد مؤتمر دوري كل 3 سنوات للأجهزة الحكومية.