محمولاً على أسبابه

يعتبر تسبيب الأحكام القضائية-بصفة عامة-التزامًا نظاميًا يجب على المحاكم أن تأخذه بعين الاعتبار، وقد أكد المنظم السعودي في نظام المرافعات الشرعية والمرافعات أمام ديوان المظالم والإجراءات الجزائية، والمحاكم التجارية، على وجوب تضمين نسخة الحكم أسبابه ومنطوقه؛  لأن وجود التسبيب وجودته يشعران الخصوم بالطمأنينة إلى أن المحكمة قد أحاطت بوقائع الدعوى وأوراقها وطلبات الخصوم ودفوعهم ودفاعهم، ومحَّصت الأدلة التي قُدمت إليها، وأن القاضـي ناقش الدفوع والأدلة، ومحَّصها تمحيصاً دقيقًا، وانتهى إلى نتيجة تتفق مع الواقع والنظام؛ مما يثلج صدورهم، حتى في حالة صدور الحكم غير محقق لطلبات بعضهم. ولهذا أكدت المحكمة الإدارية العليا بديوان المظالم على وجوب تسبيب الأحكام، فقضت بأنه: "يجب على الدائرة مصدرة الحكم بيان الأسباب التي بنت عليها حكمها بما يكفي لحمله عليها؛ لما في ذلك من حفظ الحقوق المتقاضين، وإبراز لعدالة الحكم القضائي". (مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا لعام 1442هـ، المجلد الثاني، مكتب الشئون الفنية، ديوان المظالم، المملكة العربية السعودية، الحكم رقم 181، ص: 969.) إن أهم مقياس لعدالة الحكم القضائي كونه مسببًا تسبيبًا قانونيًا كافيًا ومنطقيًا ومقنعًا، وعلى الرغم من هذه الأهمية، إلا أن بعض محاكم الاستئناف، تحيل في أسباب حكمها إلى الحكم المستأنف، معللةً ذلك بأنه قد استبان لها صحة النتيجة التي انتهى إليها الحكم المستأنف، وأن في الأسباب الواردة فيه-محل الاستناد التي بني عليها هذا القضاء-ما يكفي لتأييد نتيجة الحكم، مما يدعوها إلى تأييد الحكم محمولاً على أسبابه. ولا غضاضة في ذلك -إن توفرت شروط الإحالة- بأن كان الحكم المحال إليه موضحة وقائعه وأسبابه بما يكفي لحمله، ولم يبد أطراف الاعتراض أوجه دفاع جديدة أمام المحكمة المعترض أمامها تخرج في جوهرها عما قدموه في الحكم المعترض عليه، لكن أن تستسهل بعض الدوائر وتقضي برفض الاستئناف وتحيل في أسباب حكمها إلى الحكم المعترض عليه، رغم عدم توفر شروط الإحالة؛ أمر يثير الدهشة والغيظ لدى الخصوم ومحاميهم،  ويدفعهم إلى استنفاد طرق الطعن المتاحة، مما ينعكس بالسلب على إثقال كاهل المحاكم العليا بطائل من الاعتراضات المبنية على خلو أحكام محاكم الاستئناف من أسبابها، ومما يدفع المحاكم العليا إلى  نقل رقابتها إلى أسباب محاكم الدرجة الأولى، ومن ثم إلغاء الأحكام الاستئنافية التي يثبت قصورها في التسبيب وإحالة القضية لمحكمة الاستئناف الإدارية للفصل فيها من جديد من غير من نظرها؛ وهو ما ينتج عنه إطالة أمد التقاضي من جانب آخر. ولهذا، فقد تواترت أحكام المحكمة الإدارية العليا على لزوم تسبيب الأحكام، باعتباره أصل من أصول التقاضي (الحكم رقم 123، مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا للأعوام 1439، 1440، 1441 هـ، المجلد الثاني، ص: 647). كما قضت بأن: "خلو الحكم من الأسباب الموضوعية اللازمة لمثله، بالمخالفة للنظام، وبما يصل بالحكم إلى درجة البطلان؛ يجعله فاقدًا لأهم عناصر بنائه، مما يتعين معه نقضه" (الحكم رقم 136المرجع السابق، ص: 713)، بل إنها اعتبرت أن: "عدم بحث دفاع جوهري مؤثر في النتيجة التي انتهى إليها يجعل الحكم مشوبًا بالقصور في التسبيب" (الحكم رقم 31، المرجع السابق، ص: 177). ويهم أي مشتغل بالشأن القانوني أو القضائي أن يجد ضالته في الأحكام والسوابق القضائية، ليستخلص منها تفسيرًا للنصوص النظامية ومعالجة للوقائع المتشابهة، لتكون تلك الأحكام -إلى جانب الشروحات الفقهية-نبراسًا يضئ الطريق، لا سيما إن اشتملت صكوك الأحكام على مناقشة للدفوع وأوجه الدفاع، وبيان الغث من الثمين منها؛ فتضمن بذلك تعزيز القدرات الذهنية والفكرية للقارئ أو المطلع، وهو أمر يصبوا إليه كل قانوني.​

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة