إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد
"الخروف الأسود"؛ دائمًا منبوذ ..ثنائية واقعية منتشرة. ترتبط وتتجسد بشكل عجيب بين الزملاء والزميلات في مختلف بيئات العمل، وهو ما يؤكده الخبراء والمتخصصون، والواقع، سواء كان هذا الخروف "جانيًا" يتصرف بسلبية وتصبح سلوكياته وآرائه وأفكاره مرفوضة؛ لأنها قد تهدد هويتهم الاجتماعية، أو كان "ضحية" بسبب بعض سماته الإيجابية التي تنم-أحيانًا-عن تميزه. إلا أنه في الحالتين يستفز زملائه وزميلاته ومرؤوسيه، والذين يرونه تهديدًا لهم. لذلك فإنهم يواجهونه بالإقصاء أو الاستبعاد، فيصبح منبوذًا منهم، وقد يشعر بألم الموت الاجتماعي في مكان عمله. والخطير في هذه الظاهرة هو تأثيراتها السلبية في أداء هؤلاء الموظفين، ورؤسائهم، ومؤسساتهم بصفة عامة. نصحبكم في هذا التقرير، عبر صفحات "مجلة التنمية الإدارية" كي نتعرف على ظاهرة وتأثير "الخروف الأسود" في أماكن العمل، وجانبيه "الجاني" و "الضحية"، وتأثيراته، والاستراتيجيات والحلول المقترحة. وإليكم التفاصيل.
علامة الشيطان
نستهل الحديث بتوضيح المقصود بتأثير "الخروف الأسود"-بصفة عامة-من خلال موقع جمعية علم النفس الأمريكية(APA)، وهو التأثير الذي يُقصد به الميل إلى تقييم شخص سيئ السمعة أو مكروه بشكل أكثر سلبية في مجموعته الخاصة وليس في مجموعة أخرى. ويمكن تفسير تأثير "الخروف الأسود" من خلال نظرية الهوية الاجتماعية؛ حيث يستجيب الناس بشكل سلبي لأولئك الذين يتصرفون بطرق تهدد هوية مجموعتهم التي ينتمون إليها بقوة.وبصفة عامة، يرجع إطلاق مصطلح "الخروف الأسود" إلى وجود خروف أسود داخل قطيع أبيض من الأغنام، فيصبح مثل هذا الخروف غير مألوف. ووفقًا لموسوعة "ويكيبديا" فإنه في إنجلترا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان يُنظر إلى اللون الأسود للأغنام على أنه علامة الشيطان؛ حيث يُعتبر الصوف الأسود الذي ينتجه هذا الخروف غير مرغوب فيه تجاريًا لأنه لا يمكن صبغه.وخلاصة الأمر تتحدد في أن الزملاء والزميلات في أماكن وبيئات العمل المختلفة ربما يقومون بتصرفات وسلوكيات إقصائية؛ بناء على تقييمات سلبية لبعض منهم ممن تصرفوا على نحو غير مرغوب، وبشكل يرونه ضارًا بهويتهم الاجتماعية كمجموعة تسعى للحفاظ على هذه الهوية ويتحيزون لها.
السيئ والمشكلة
وحتى يتضح المعنى أكثر، فإن د.توم مورين، الأكاديمي الكندي-عبر منصة "لينكد إن"-يبيِّن المقصود بظاهرة "الخروف الأسود"، بقوله: نحن جميعًا نلتزم بمعايير السلوك المقبولة لمجموعة واحدة أو أكثر، ولكننا جميعًا-تقريبًا-نلتزم أكثر في العمل. إنها الطريقة التي نحافظ بها على وظائفنا ونصعد السلم الوظيفي والاجتماعي. فإذا لم تمتثل بما فيه الكفاية فإنك ربما تخاطر بفقد وظيفتك، أو بالنبذ مثل "الخروف الأسود". وتجدر الإشارة إلى أن النبذ-كعقوبة-تم تسجيله لأول مرة في اليونان القديمة عندما كان الناس يصوتون لنبذ الآخرين كشكل من أشكال العقاب. فإذا كان الشخص يشعر بعدم الأمان وكأنه يعاني من الموت الاجتماعي في العمل، فهذا يعني أنه أصبح منبوذًا.وترى "كريسي زافيكار"-إحدى المتخصصات والمؤثرات بمواقع التواصل الاجتماعي عبر "لينكد إن"-أن "الخروف الأسود" هو الشخص الذي يتم تعريفه على أنه "السيئ" داخل أسرة أو مجموعة ما، بحيث يصبح هو المسؤول عما يحدث من المشكلات، سواء على مستوى الأسرة أو المجموعة أو داخل بيئة العمل، وبحيث يصبح هو الشخص السيء. ويحدث هذا في مجال الأعمال، حينما يتم تحديد شخص واحد على أنه "المشكلة"، ويترتب على ذلك أنه يمكن أن تتضمن سيناريوهات علاقاته أنماطًا سلبية وأحيانًا عقابية وربما مرفوضة، كالتنمر، حيث يتكتل المديرون أو الموظفون ضد هذا الشخص، ويقصونه ويعزلونه ويتهامسون عليه بالأحاديث، أو يتناقلون صورة سلبية له ولعلاقاته مع أقرانه ورؤسائه في مكان العمل لتضخيم تصنيفه، بحيث يصبح منبوذًا ومستبعدًا؛ باعتباره الـ"مشكلة"، مما يمكن أن يؤثر بدرجة كبيرة على الفرص المهنية الحالية والمستقبلية المتاحة أمامه.كما أثبتت دراسات متخصصة لبعض الباحثين، مثل "مركيز وآخرين" أن "تأثير الخروف الأسود" يحدث عندما يقوم الأفراد داخل مجموعة ما أو داخل بيئة عمل معينة بتقييم أداء أحدهم باعتباره ضعيفًا أو متدنيًا، مقارنة بالآخرين.
4 احتياجات أساسية
ويشير د.مورين إلى أنه تمت دراسة النبذ، والتي استهلها الباحثون عبر مجموعة متنوعة من السياقات الاجتماعية خارج مكان العمل، ولكن فيما بعد توالت الدراسات المعنية بتسليط الضوء عليه في بيئات العمل. وتُبرز إحدى هذه الدراسات أن 13% من المشاركين فيها، والبالغ عددهم 5000، ذكروا أنهم تم استبعادهم من العمل خلال الأشهر الستة الماضية. وفي دراسة أخرى، قال 66% من الموظفين إنهم تعرضوا لحالات من القطيعة و"المعاملة الصامتة"، وأشار 29% منهم إلى أن الآخرين غادروا الغرفة بمجرد دخولهم، وأفاد 18% أنهم تم نقلهم إلى مكان معزول.لقد وجد الباحثون أن النبذ لا يسبب الألم الاجتماعي فحسب، بل إنه يهدد 4 احتياجات إنسانية أساسية، وهي: حاجتنا إلى احترام الذات، والانتماء، والسيطرة، والوجود ذي المعنى. إن التهديد المحتمل لهذه الاحتياجات الإنسانية الأساسية يتضمن عامل الردع، بحيث يجعل أي موظف يراجع نفسه عندما يصبح على وشك تجاهل شخص ما.
تنمر صامت و3 مراحل
ويعد النبذ في بيئة العمل-بحسب ما ذكرته د.مرفت محمد في مقالها بصحيفة "الأيام"-أحد التكتيكات الشائعة والمفضلة لدى المتنمِّرين في بيئة العمل؛ وذلك لكونه مُضمَرًا أو خفيًّا، فبعض علماء النفس يعتبرونه تنمُّرًا صامتًا، يشبه الرصاصة التي تنطلق من سلاح صامت فتصيب ضحيتها بلا رحمة ولا هوادة. لا تترك جرحًا ولا كدمة على جسد الضحية، ولكنها تفتك بحالته النفسية، وتقتل شعوره بالانتماء للمؤسسة، وتهدم العلاقات الاجتماعية بين أفرادها، فتحول دون تدفق المعلومات وانتقالها فيما بينهم، وهو ما يقلل من مستوى أدائهم الوظيفي، وينعكس سلبًا على أداء المؤسسة بوجه عام. وتبرز الكاتبة بعض ممارسات النبذ في مكان العمل، وتتساءل: هل تمت دعوتك يومًا إلى اجتماع، وبادر رئيس الجلسة بسؤال جميع الحضور عن رأيه في الموضوع المطروح، واستثناك أنت؟ وعندما حاولت التغلب على الحرج الذي تتعرض له، واستأذنته للإدلاء برأيك، تجاهل الحضور بما فيهم رئيس الجلسة ما تقول، وانشغلوا بالهمهمة والأحاديث الجانبية فيما بينهم، أو لربما سخروا من رأيك كي يجبروك على التوقف عن الحديث، هل وجدت يومًا زملاءك يتسامرون، ولكن ما إن رأوك توقفوا حتى لا تشاركهم الحديث؟ هل هممتَ يوما بتحية أحد زملائك بكل ود حين رأيته، ولكنه ما إن رآك، إلا وأومأ بعينه إلى الجهة الأخرى هربًا من رد التحية عليك، ولربما يصل الأمر بك إلى ما هو أقسى من ذلك وأصعب، حين تتم الإساءة إلى شخصك وتشويه سمعتك كذبًا؛ بهدف عزلك وإقصائك اجتماعيا من قِبَل الآخرين. وتشير كاتبة المقال إلى أن علماء النفس يرون أنه عندما يتعرض الفرد للنبذ، فإنه يمر بثلاث مراحل أساسية: تبدأ أولاها بشعوره بأن احترامه لذاته وانتماءه لمؤسسته باتا مهدَّدَين، فيبدأ في المرحلة الثانية منها بتقييم مستوى الضرر الذي يتعرض له، وهو ما قد يدفعه إما إلى مسايرة نابذيه، أو الغضب من سوء ما يلقاه من معاملة، وإذا ما طال أمد ما يتعرض له الفرد من نبذ أو إقصاء، فإن ذلك يُشعره باليأس والإحباط والاكتئاب خلال المرحلة الثالثة منها، ويدفعه إلى الاستقالة، وترك العمل بتلك المؤسسة.
جانب الضحية
والآن دعونا نسلط الضوء على الوجه الآخر والجانب الثاني للخروف الأسود والذي يبدو من خلاله إيجابيًا؛ بسبب تميزه وسماته الإيجابية في بعض الأحيان، ويختلف-تمامًا-عن سابقه، بالرغم من تعرضه لعقوبة النبذ-أيضًا-في بيئة العمل، لكنه هذه المرة ليس بسبب تصرفاته السلبية التي يصبح بموجبها جانيًا، بل بسبب سماته الإيجابية وهذا التميز الذي يتسبب في أن يتحول إلى ضحية لهذا النبذ-وهو ما توضحه د.مرفت محمد-والذي من أبرز أسبابه ارتفاع مستوى كفاءته في عمله، أو ما يمتلكه من صفات وقدرات فائقة تميِّزه عن أقرانه، أو قد يكون بسبب قربه من رؤسائه، وهو ما يثير الغيرة والحقد في نفوس أقرانه، ويدفعهم إلى نبذه؛ بهدف مضايقته وإزعاجه نفسيًّا للحد من كفاءته في عمله. فليس كل مَن يتعرض للنبذ يكون بسبب جُرم ارتكبه، أو خطأ صدر عنه، أو لعيبٍ في شخصه. وحينها يعتريه الشعور بالإحباط، ويسيطر عليه اليأس، ويتملكه الشعور بأنه غير مرحَّبٍ به في مؤسسته، ويصبح أسيرًا لسؤال يدور في ذهنه ويعصف بعقله، يطرح نفسه عليه دائمًا، لعله يجد له إجابة: "هل ارتكبت خطًأً أو إثمًا كي ينبذني الآخرون بهذه الطريقة؟". وفي هذه الحالة، فإن العواقب التي يتعرض لها المنبوذ (الخروف الأسود) تصبح وخيمة وعميقة الأثر؛ لأنه ببساطة ضحية لأعراض من النبذ في بيئة العمل، لا ذنب له فيه. إذ يقلل هذا النبذ من شعوره بالانتماء لمؤسسته، وهو ما يدفعه إلى الانسحاب النفسي منها إما بالغياب المتكرر أو التأخير عن العمل، أو عدم التواصل مع الآخرين. لذا يكون من الأفضل بالنسبة للمنبوذ ترك العمل بتلك المؤسسة والبحث عن أخرى يجد فيها الراحة من المتاعب أو المضايقات التي تؤثر سلبًا على صحته البدنية والنفسية. وبصفة عامة، تؤكد بعض الدراسات أن النبذ كعقوبة وسلوك مضاد يسلكه الموظفون تجاه "الخروف الأسود" في بيئة عملهم وبصرف النظر عما إذا كان سلبيًا أم إيجابيًا فإنه أكثر قسوة وتأثيرًا من التنمر. وهو ما بثه موقع PsycgCentral، حينما تناول د.جونيس ويب ظاهرة "الخروف الأسود" في بيئات العمل، وأشار إلى أن نتائج دراسة "أورايلي" و"روبنسون" و"بيردال" أوضحت أن العمال المنبوذين هم في الواقع أكثر عرضة لترك وظائفهم من زملائهم الذين يتعرضون للتنمر.
18 نصيحة
ولمواجهة هذا النبذ السلبي الذي يتعرض له بعض المتميزين في بيئات أعمالهم من أعداء النجاح، تنصح صحيفة "المدينة" هؤلاء بمواجهة الإحباط، وتجنب كل ما من شأنه أن يُشعر الإنسان بالإحباط، وممارسة الهوايات، وتفريغ المشاكل بالفضفضة، وعدم الكبت، وتدريب النفس على مواجهة المشاكل اليومية، وتبسيط الضغوط النفسية، واتباع طرق التنفيس وتهدئة الذات، والاهتمام بالتغذية الجيدة، والمرونة في مواجهة تحديات الحياة، والثقة بالله سبحانه وتعالى ثم بالنفس، والانخراط في جماعة محفزة إيجابية، وتعلم التحفيز الذاتي والمعارف اللازمة لطموحات الشخص، والتكيف مع المشكلات والأزمات التي يمر بها الفرد، وتعليم الفرد وضع أهداف لحياته، وتحديد المشكلات وإيجاد أفضل الطرق لحلها، وتطوير العلاقات الإيجابية مع الآخرين، وتحديد السلوكيات والأفكار السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، وخفض سقف التوقعات تجاه الآخرين
10 استراتيجيات
ويبدي أحد المتخصصين المتفاعلين مع الإجابة عن تساؤل طرحه موقع Quora حول كيفية تجنب أن تصبح خروفًا أسودًا في مكان عملك، تصوره المتميز والخاص بهذا الأمر، وذلك من خلال بناء علاقات إيجابية، والتوافق مع ثقافة مكان العمل، وإظهار الاحترافية. بالإضافة إلى الاعتماد على 10 استراتيجيات، وهي: فهم ثقافة مكان العمل (الشركة)، وبناء علاقات متفاعلة إيجابية كالدخول في نقاشات والمشاركة في أنشطة فرق العمل، والتواصل بفاعلية وبوضوح وباحترام، والحفاظ على الاحترافية، وأن يقوم الموظف بدوره كعضو فاعل في فريق العمل بتقديم الدعم والمساعدة لزملائه، والبحث دائمًا عن أرضية مشتركة لتقوية الروابط مع الزملاء والزميلات والمديرين كالاهتمامات والأهداف المشتركة، وأن يحافظ الموظف على الاتصاف بالإيجابية، وبالأصالة في الحفاظ على القيم والشخصية والصدق، والتعاطي مع الصراعات والخلافات بطريقة بنَّاءة من خلال البحث عن حلول إيجابية هادفة لها بدلًا من توجيه اللوم، وتحري ردود أفعال الآخرين والتغذية الراجعة منهم وتعليقاتهم.