يهتم الباحثون والخبراء والمتخصصون بتطبيق آليات حوكمة الشركات، سواء كانت داخلية أم خارجية، والتي من أبرزها استقلالية مجالس إداراتها وتحسين القرارات المالية التي يتخذها المديرون فيها؛ مما قد يؤدي إلى تخفيض التعارض بين مصالح المستثمرين وإدارة الشركات. مع الأخذ في الاعتبار أن الدراسات السابقة تناولت العلاقة بين القدرة الإدارية لهؤلاء المديرين وكفاءة القرارات الاستثمارية، وفي ضوء زيادة الاهتمام بتطبيق هذه الآليات وتعدد الأطراف المسؤولة عن تطبيقها. لذلك فقد اهتم د.محمد بن عبدالمحسن الشيبي ببحث أثر حوكمة الشركات المساهمة السعودية في العلاقة بين هذه القدرة الإدارية وكفاءة تلك القرارات الاستثمارية، في دراسته التي نستعرضها معكم في هذا العدد من “مجلة التنمية الإدارية”، والمنشورة في “مجلة الإدارة العامة” الصادرة عن معهد الإدارة العامة.
القدرة الإدارية
سلطت العديد من الدراسات الحديثة الضوء على القدرة الإدارية للمديرين التنفيذيين، وعلاقتها بالعديد من المتغيرات في مجال بيئة الأعمال. وقد تنوعت وجهات نظر الباحثين وآرائهم نحو القدرة الإدارية، فمنهم مَن أشار إلى أنها عبارة عن القدرة الكامنة والموهبة الإدارية والدوافع الشخصية لهؤلاء المديرين. بينما نظر إليها آخرون باعتبارها تلك الخصائص التي يتصف بها المديرون التنفيذيون، والتي تمكنهم من فهم البيئة الاقتصادية، والاستخدام الفعال للموارد المتاحة، واتخاذ القرارات الملائمة، ولاسيما في الحالات المعقدة، مقارنةً بغيرهم؛ مما يسهم في إحداث تأثير إيجابي في كل المجالات وتحقيق مزايا تنافسية مستمرة للشركات. وتؤكد نظرية المستويات العليا أن الكفاءات الإدارية هي التي تتكون من تراكم الخبرات طوال فترة حياة المديرين التنفيذيين المهنية؛ مما يؤثر في عملية اتخاذ القرارات في الشركات. وفي ضوء ذلك، يخلص الباحث إلى أن مفهوم القدرة الإدارية يُقصد به توافر عدة خصائص لهؤلاء المديرين، مثل المعرفة، والمهارة، والخبرة، والموهبة، والدوافع الشخصية، والسمعة الإدارية؛ مما يكون له أثر كبير في تحقيق أهداف الشركةط، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لمواردها، وحماية استثماراتها، وبالتالي تعزيز الثقة لدى المستثمرين فيها. وتتمثل أهمية القدرة الإدارية في تحقيق معدلات أرباح مرتفعة وعوائد استثمارية عالية. كذلك في عدة جوانب تتعلق بنشاط الشركة، والتي منها: دورها في توفر المعرفة بجوانب التشغيل فيها والقطاع الذي تنتمي إليه، ودورها في اتخاذ القرارات التشغيلية والاستثمارية والتمويلية، وأيضًا التأثير في أداء الشركة، بالإضافة إلى تحسين بيئة معلومات الشركة، وغيرها.
كفاءة القرارات الاستثمارية
ويلفت د.محمد الشيبي إلى أن المقصود بالقرارات الاستثمارية تلك الاستثمارات الرأسمالية والمتعلقة بالحصول على الأصول الثابتة أو التخلص منها، مثل: العقارات، والآلات، والمعدات، والاستثمارات طويلة الأجل. مشيرًا إلى أن هذه القرارات تتصف بالكفاءة كلما كان مقدار الاستثمار الفعلي في سنة معينة مساويًا لحجم الاستثمار المتوقع في تلك السنة، ويتحدد في ضوء فرص النمو المتاحة للشركة. كما يقصد بهذه الكفاءة-أيضًا-تنفيذ المديرين التنفيذيين للمشروعات الاستثمارية ذات صافي القيمة الحالية الموجبة، وذلك في ظل عدم وجود احتكاكات سوقية.بينما تشير عدم كفاءة القرارات الاستثمارية إلى الفشل في تحقيق الهدف الاستراتيجي للشركة. ويرى الباحث أن هناك عدة أسباب قد تؤدي إلى عدم كفاءتها، والتي من أهمها: عدم تماثل المعلومات، وعدم القدرة على اختيار المشروعات ذات صافي القيمة الحالية الموجبة، وانخفاض جودة التقارير المالية، وعدم وجود دور رقابي لآليات حوكمة الشركات.
الجدير بالذكر أن الآراء حول العلاقة بين القدرة الإدارية للمديرين التنفيذيين وكفاءة القرارات الاستثمارية انقسمت إلى رأيين، وهما: الأول يرى أهمية هذه القدرة في التأثير في كفاءة هذه القرارات؛ حيث يستند هذا الرأي على نظرية “التعاقد الفعال” التي تقوم على فرض أهمية المديرين التنفيذيين الكبار وأنهم لديهم معرفة أفضل. أما الرأي الثاني وهو خاص بعدم تأثير القدرة الإدارية على كفاءة القرارات الاستثمارية، وهو الرأي الذي يذهب إلى التأثير المحدود للمديرين التنفيذيين في هذه القرارات.
حوكمة الشركات
وينتقل الباحث إلى حوكمة الشركات، فيوضح أن المقصود بها هو النظام الذي يتم بواسطته توجيه الشركات والرقابة عليها، حيث تحدد هيكل وإطار توزيع الواجبات والمسؤوليات بين المشاركين فيها وتضع القواعد والأحكام لاتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونها. ويحظى تطبيق حوكمة الشركات بأهمية كبيرة في عدة مجالات؛ بهدف تحقيق الشفافية والمصداقية وضمان حقوق جميع الأطراف.ويبرز أثر حوكمة الشركات في العلاقة بين القدرة الإدارية وكفاءة القرارات الاستثمارية، من خلال مدى استقلالية مجالس إدارات الشركات؛ فهذه الاستقلالية بوصفها متغيرًا معدلًا تؤثر في هذه العلاقة، إذ تسهم استقلالية مجلس الإدارة بشكل فعال في الحد من الاستثمار غير الفعال، وبالتالي تعزيز كفاءة الاستثمار، وذلك من خلال تقليل قيود التمويل على الشركات، كما تسهم في عملية الاستثمار الزائد الناجم عن السياسات النقدية في الشركات.
4 نتائج بارزة
وقد توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج البارزة، فقد أثبتت أن متوسط القدرة الإدارية للمديرين التنفيذيين في المملكة العربية السعودية يقترب من مثيلاته في الدول المتقدمة اقتصاديًا. وثبت أن ارتفاع هذه القدرة يؤدي إلى التأثير الإيجابي في كفاءة هذه القرارات. كما اتضح أن حوكمة الشركات المتمثلة في استقلالية مجالس إداراتها له أثر إيجابي في العلاقة بين القدرة الإدارية وكفاءة القرارات الاستثمارية. وخلصت الدراسة إلى أن نظرية “التعاقد الفعال” في الشركات السعودية هي السائدة، والتي تشير إلى تأثير فاعلية المديرين التنفيذيين أصحاب القدرة الإدارية العالية أكثر من خصائص الشركة نفسها على كفاءة الاستثمار.
8 توصيات
وفي ضوء هذه النتائج؛ تقترح الدراسة 8 توصيات، وهي:
• اهتمام مجلس الإدارة بتحسين عمليات اختيار وتعيين ومنح الحوافز للمديرين التنفيذيين في الشركات بالمملكة.
• حث المديرين التنفيذيين في الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي على الالتزام بحوكمة الشركات.
• ضرورة مراعاة الجمعية العمومية العامة في الشركات الرقابة على المديرين التنفيذيين وتوجيه قدراتهم ورغباتهم لمصلحة المسهمين.
• حث مجلس إدارة الشركات على رفع تقييم سنوي لأداء المديرين التنفيذيين.
• تنظيم دورات وورش عمل للمديرين التنفيذيين لمعرفة اللوائح والأنظمة الحديثة.
• تعزيز اهتمام هؤلاء المديرين بتحديد تقييم كفاءة القرارات الاستثمارية دوريًا والعمل على تحسينها بشكل مستمر.
•حث المديرين التنفيذيين أصحاب القدرة الإدارية العالية على زيادة الاهتمام بمصلحة المسهمين من خلال التقليل من مختلف المخاطر.
• تحفيز هؤلاء المديرين والملتزمين بلوائح المنشأة ومعاقبة المخالفين منهم بعدم تنفيذها.