غالبًا ما يتزامن ذكر توأمتين رائدتين في قيادة الابتكار في عصر التحول الرقمي والتسارع التكنولوجي، وهما: البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي؛ وقد أدى ذلك إلى ارتباك في فهم أدوار وأهمية كل منهما. فتمثل البيانات الضخمة مجموعات هائلة الحجم من البيانات المتنوعة للغاية والمتزايدة بسرعات كبيرة. كما أنها تتطلب أدوات وتقنيات متطورة لمعالجتها، وهذه البيانات تنشأ من مصادر مختلفة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والأجهزة الذكية والاستشعار، والمشاريع الحكومية. وفي المقابل يشير الذكاء الاصطناعي إلى قدرة الآلة على محاكاة العقل البشري في إنجاز المهام، حيث يتميز بقدرته على الإدراك والتعلم، ويحسِّن من أدائه من خلال البيانات التي يلتقطها، ويشمل الذكاء الاصطناعي مجموعة من التقنيات، مثل التعلم الآلي، والعميق، والشبكات العصبية، والنظم الخبيرة والروبوتات.
وتلتقي البيانات الضخمة مع الذكاء الاصطناعي في علاقة تكاملية تنتج عنها قوة تكنولوجية تشكل المشهد التكنولوجي في العصر القائم على البيانات وتدفع عجلة التقدم، وتتمثل أوجه هذه العلاقة في الآتي:
أولا: تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال تزويدها بالكميات الهائلة من البيانات المتنوعة، وكلما زاد حجم ونوع وجودة البيانات؛ زادت قدرتها على التعلم والتعرف على الأنماط وإجراء تنبؤات دقيقة. فالبيانات بمثابة الغذاء الذي يمد أنظمة الذكاء الاصطناعي بالقوة والطاقة. كذلك تكرار عمليات التعلم هذه من خلال التغذية المستمرة بالبيانات لأنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يمكِّن خوارزميات الذكاء الاصطناعي من ضبط تنبؤاتها بدقة وتحسين نماذجها باستمرار، مما يؤدي إلى تحسين الدقة والأداء الضروريان في عالم الذكاء الاصطناعي. وهذا الدور للبيانات الضخمة يشكل أساس تطور الذكاء الاصطناعي.
ثانيا: وفي المقابل، فإن البيانات الضخمة بحاجة إلى تحليل ذكي لتصبح قوية بمساعدة الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي باستخدام خوارزميات تستطيع استخراج الأنماط المخفية والتصورات من البيانات التي يستحيل استنباطها يدويا. كما لا يمكن إنكار دور الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل دورة حياة البيانات الضخمة، ابتداء من جمع البيانات وتخزينها واسترجاعها تلقائيًا وفقا لخوارزميات وسيناريوهات محددة؛ مما اختصر على العاملين في مجال البيانات الجهد والوقت نتيجة التنفيذ اليدوي لنفس المهام. وأيضا تُنتج الأجهزة الذكية والمستشعرات الذكية مجموعة كبيرة من البيانات وبالتالي تعتبر من مصادر البيانات الضخمة.
ثالثا: يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطبيقات عديدة تستفيد من البيانات الضخمة، مثل التنبؤ بالسلوكيات الاستهلاكية وتقديم التوصيات، وتحليل السوق، وتحسين التشخيص الطبي، وتحسين عمليات الإنتاج والتصنيع، واكتشاف الحالات الشاذة في سلوك النظام ومنع الاحتيال.
وتجدر الإشارة إلى أن الفهم الواعي من قبل المنظمات المدارة بالبيانات لهذه العلاقة الوثيقة والانسجام بين البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا واسعة لتمكين القدرات المذهلة لهاتين القوتين وتعظيم الاستفادة من تطبيقهما. لذلك فإن الدمج بينهما ضرورة تساعد هذه المنظمات في الكشف عن رؤى قيِّمة في الوقت الفعلي، وتعزيز عمليات صنع القرار، ودفع المنظمة نحو الابتكار.
وفي الختام، يمكن القول إن البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي رغم ترابطهما واعتماد كل منهما على الآخر، إلا أنهما تقنيتان مختلفتان تمامًا، حيث تركز الأولى على جمع البيانات وإدارتها مع التركيز على تقنيات وأدوات التعامل مع البيانات الضخمة، أما الذكاء الاصطناعي فيشير إلى إنشاء خوارزميات يمكنها التعلم من البيانات وتنفيذ مهام ذكية؛ مما يجعل البيانات الضخمة هي جوهر تعلم وتطور الذكاء الاصطناعي.