دكتور/ علاء بن صلاح الدين مرغلاني
مع الحراك الاقتصادي والعقاري الذي نعيشه في مملكتنا اليوم، ومع التحول الوطني للقطاع العقاري الذي نمر فيه، وتحديداً من خلال تنفيذ أحكام نظام التسجيل العيني للعقار، تتطلب الحاجة إلى بيان التصرفات الواجب تسجيلها وفقاً لأحكام النظام، وما المقصود بالتصرفات العقارية؟ خصوصاً وأننا لم نتعود على توثيق مثل هذه التصرفات في السابق إختيارياً، وإنما كانت لظروف قد تكون خارجه عن إرادتنا مثل توثيق التصرفات لأسباب الوقف او الهبة او حصر الإرث وغيرها.
والمقصود بالتصرفات العقارية هو القيام بأي عملية يتنج عنها أثر قانوني يتمثل في نقل/تعديل/تغيير/ تصحيح/ تبديل مراكز قانونية على حق من حقوق العقار محل التصرف. ولتبسيط ذلك؛ يمكن القول أن التصرف العقاري هو أي تغيير قد يطرأ على ملكية العقار أو الحقوق المرتبطة به، ومن أشكالها؛ الهبة والبيع والتنازل والرهن والإجارة، وغيرها من التصرفات القانونية التي تؤثر على المراكز القانونية المرتبطة.
وفي المملكة صدر نظام التسجيل العيني للعقار بموجب المرسوم الملكي رقم (م/91) وتاريخ 19/9/1443هـ وقد أفرد في فصله الخامس أحكاماً تتعلق بتسجيل التصرفات العقارية، منها ما نصت عليه المادة الثالثة عشرة، والتي تقضي بأن “تسجل في السجل العقاري جميع التصرفات اللاحقة للتسجيل العيني الأول للعقار، والتي من شأنها إنشاء أي من الحقوق العينية الأصلية أو التبعية أو نقله أو تغييره أو زواله، أو تعديل بيانات العقار، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك، ولا تكون تلك الحقوق نافذة ومنتجة لآثارها القضائية والإدارية إلا بهذا التسجيل. ويدخل في تلك التصرفات القسمة العقارية والوصية والوقف والإرث والرهن والمنح ونحوها.”
ولعله من أبرز التصرفات التي يمكن الاستشهاد بها في عمليات إنشاء الحقوق هي نقل ملكية العقار و بيعه أو رهنه ونحوها. كما أشار النظام إلى أهمية تسجيل عقود الاجارة وما يتعلق بها وذلك في المادة الرابعة عشرة والتي تنص على أنه “يجب التأشير بجميع عقود الإيجار والالتزامات الموثقة نظاماً التي ترد على منفعة العقار إذا كانت مدتها (عشر) سنوات فأكثر، والأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك، في السجل العقاري، ولا تكون هذه الحقوق نافذة ومنتجة لآثارها القضائية والإدارية إلا بهذا التأشير.” ويقصد هنا أن أي عقد إيجار مدته عشر سنوات فأكثر يجب التأشير به في السجل العقاري، والعبرة من ذلك أهمية بيان الحقوق المرتبطة على العقارات وحفظها.
ولعله من الأهمية بمكان معرفة الأحكام المرتبطة بمثل هذه الحالة؛ فعلى سبيل المثال تنص عقود الإيجار الموحدة أنه حال “انتقلت ملكية العقار المستأجر إلى مالك آخر، فإن عقد إيجار الموحد ينص على بقاء العقد ساريًا ولا ينقضي إلا بانتهاء مدته” وعند إعمال النص النظامي الوارد في نظام التسجيل العيني للعقار حال كان مدة عقد الايجار تتجاوز عشرة سنوات ومثبتاً العقد في منصة إيجار، وتم إجراء تصرف عقاري عليه، فإن الحقوق المرتبطة تكون مثبتة نظاماً وتحمي أطراف التصرف العقاري، وفي ذلك حفظ لحقوق أطراف العقد الإيجاري و أطراف التصرف العقاري.
ولعل أحد أهم التصرفات القانونية التي يجب التأشير بها في السجل العقاري هي الدعاوى القضائية:؛ فقد نصت المادة السادسة عشرة على أنه “يجب التأشير بالدعاوى المتعلقة بحق عيني عقاري أو بتصرف من التصرفات الواجب تسجيلها، في السجل العقاري، متى تضمنت هذه الدعاوى إجراء تغيير في بيانات السجل، ولا تُسمع الدعوى إلا بعد تقديم ما يثبت حصول التأشير بمضمون الدعوى في السجل. ولكل ذي مصلحة أن يقدم طلباً إلى المحكمة المختصة بصفة مستعجلة لمحو التأشير المشار إليه أعلاه، وتأمر المحكمة بمحوه متى تبين لها أن الدعوى التي تم التأشير بها كيدية.”
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المنظم لم يغفل عن معالجة الأوضاع الناشئة قبل نفاذ النظام في المناطق العقارية، فقد أشارت أداة إصدار النظام في البند خامساً إلى أنه “ على المحاكم التي تنظر أيّاً من الدعاوى -المشار إليها في المادة (السادسة عشرة) من نظام التسجيل العيني للعقار المشار إليه في البند (أولاً) من هذا القرار- المرفوعة قبل نفاذ النظام، التي يكون محلها عقارًا في منطقة عقارية معلنة وفقاً لأحكام النظام، وقف نظرها حتى التأشير بالدعوى في السجل العقاري وفقاً لأحكام النظام. ويمنح المدعون بهذه الدعاوى مهلة قدرها (ثلاثون) يوماً من تاريخ إعلان قوائم ملاك العقارات محل الدعوى. فإن لم يقدم في أول جلسة بعد انتهاء هذه المهلة ما يثبت إجراء التأشير، تعين عدم سماع الدعوى.”
ولمعرفة الأثر المترتب على التأشير في السجل العقاري فقد نصت المادة السابعة عشرة على أنه “ يترتب على التأشير بالدعاوى -المشار إليها في المادة (السادسة عشرة) من النظام- أن يكون أي حق تقرر بحكم نهائي في هذه الدعاوى حجة على من ترتبت لهم حقوق أو أثبت لمصلحتهم بيانات في السجل العقاري بعد إجراء التأشير المذكور، وذلك متى ما سُجّل الحكم خلال (تسعين) يوماً من التاريخ الذي أصبح فيه الحكم نهائياً.” وفي ذلك حفظ للحقوق وتمكين لأطراف التصرفات العقارية من أن يكونوا على إطلاع تام بكافة ما يتعلق بالعقار محل التصرف.
إن الحراك في القطاع العقاري السعودي يعيش نهضة شاملة على صعيد التشريعات والتنظيمات العقارية بهدف تحفيز حيوية القطاع وتعزيز مساهمته الاقتصادية في التنمية الشاملة التي تعيشها بلادنا، ولعل تطبيق أحكام نظام التسجيل العيني للعقار في المملكة العربية السعودية جديدة نسبياً وتعد بيئة خصبة للبحث والنشر وتوعية المجتمع وذلك من خلال تبسيط مفاهيم التصرفات العقارية وآليات التأشير في السجل العقاري، بما تساهم بشكل وثيق في دعم أطراف التصرفات العقارية لتوثيق تصرفاتهم وإنشاء سجل عقاري سعودي يتميز بالموثوقية والأمان ويسهم في دعم التنمية العقارية.