دراسة ميدانية على القطاع العام السعودي لواقعها ومعوقاتها وطرقها توصي: تعزيز استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية

-  سلامة عمل المراجعة الداخلية في القطاع العام السعودي بسبب ارتفاع مستوى استقلاليتها وموضوعيتها
يستعرضها معكم/ د.أحمد زكريا أحمد

المراجعة الداخلية هي إحدى أهم أدوات الحوكمة التي تمثل إحدى أبرز آليات ضبط وتحسين الأداء في المنظمات المختلفة؛ بما يحقق الاستدامة. وفي هذا الصدد، تعد المملكة العربية السعودية إحدى الدول الرائدة-عربيًا وعالميًا-في الاهتمام وتشجيع وتنظيم وتطبيق وظيفة المراجعة الداخلية؛ فقد قامت المملكة بتفعيل هذه الوظيفة بموجب قرارات مجلس الوزراء منذ العام 1425هـ. وبصفة عامة، فإنه من الأهمية بمكان توفير المستوى المناسب من الاستقلالية والموضوعية للمراجعة الداخلية لضمان أقصى درجات الاستفادة من وظيفتها وأهميتها. وفي المقابل، فإن مراجعة الأدبيات السابقة أكدت ندرة الدراسات التي تتناول هذه الاستقلالية وتلك الموضوعية والمعوقات. لذلك أجرى د.عبدالرحمن بن علي الجبر وأ.ماجد بن محمد العرجاني دراسة ميدانية تتناول هذا الموضوع المهم بالتطبيق على القطاع العام السعودي، والتي نستعرضها معكم في السطور القادمة.
فرص أكبر
لقد جسدت قرارات مجلس الوزراء السعودي خلال العامين 1425هـ، و1428هـ اهتمام المملكة وحرصها على تأسيس وحدات المراجعة الداخلية في مؤسسات القطاع العام، والموافقة على اللائحة الموحدة لهذه الوحدات في الأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة. ومع ذلك، يُلاحظ أن هيكلة وتشريعات القطاعين الخاص وغير الربحي تمتلك فرصًا أكبر لتحقيق استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية، مقارنة بالقطاع العام الذي يتم فيه ربط هذه الوظيفة بالمسؤول الأول في الجهة.
الندرة والهدف
 ويؤكد الباحثان أنه بالرغم من وجود عدد من الأبحاث التي تناولت واقع وظيفة المراجعة الداخلية في القطاع العام، وفق مستويات مختلفة لمدى استقلاليتها وموضوعيتها ولأبرز معوقاتها والطرق المقترحة لتعزيزها، فلا تزال هناك فجوات بحثية تتطلب المزيد من الدراسة؛ إذ إن الدراسات المعنية بهذه الجوانب لا تزال نادرة وقليلة. وهو الأمر الذي يبرز مدى أهمية هذه الدراسة المعنية ببحث تلك الجوانب، ويسهم في تحديد مشكلتها البحثية، وهدفها الرئيس المتمثل في التعرف على واقع ومعوقات وطرق تعزيز استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية في القطاع العام السعودي، بالإضافة لأهدافها الفرعية الأخرى. 
4 مفاهيم
ووفقًا للإطار النظري للدراسة؛ فقد حدد الجبر والعرجاني 4 مفاهيم رئيسة ذات صلة بموضوعها، وتتمثل في كل من: المراجعة الداخلية، والحوكمة، وإدارة المخاطر، وأنظمة الرقابة الداخلية. ويخلص الباحثان إلى أن المراجعة الداخلية تسعى لمساعدة المنظمات لتجويد أعمالها وتحسين أدائها واستدامتها من خلال تقييم وتحسين فاعلية الحوكمة وأدواتها المتعلقة بإدارة المخاطر وأنظمة الرقابة الداخلية. كما تطرقا لمفهوم الحوكمة في القطاع العام، والذي يتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية أبرزها: النزاهة والانضباط الأخلاقي، والإفصاح، والمساءلة، والمشاركة، وسيادة القانون، والكفاءة والفاعلية، والعدالة.
“الإنتوساي” والمعايير
ويسلط الإطار النظري للدراسة الضوء على محاور استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية، من خلال التركيز على المعايير الدولية للممارسة المهنية للتدقيق الداخلي الصادرة عن المعهد الدولي للمراجعين الداخليين (IIA)، وتحديدًا المعايير ذات الأرقام: 1100، و1110، و1111، و1112، و1120، والتي تبرز عددًا من هذه المعايير، كتحقق الاستقلالية عند إزالة كل ما من شأنه إعاقة المراجع الداخلي من أداء مهامه المنوطة به بشكل موضوعي وغير متحيز، إضافة إلى عدم تكليف رئيس المراجعة الداخلية بالقيام بمهام خارجة عن نطاقها. وعلى الصعيد الأكاديمي، فقد اتفق منشور “الإنتوساي” (9140) مع ما ورد بالمعايير والدراسات السابقة، حيث وضح المنشور 4 مؤشرات مهمة لمستوى استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية، وهي: المكانة التنظيمية، والعلاقات الإدارية، والأهلية، والمتطلبات النظامية.
أبرز المعوقات والقيود
ويشير الجبر والعرجاني إلى معوقات هذه الاستقلالية وتلك الموضوعية، والتي يمكن تلخيص أبرزها في الآتي:
• القيود المفروضة على وظيفة المراجعة الداخلية: مثل قيود على نطاق العمل والمهام، والقيود على الوصول للبيانات والمستندات والموظفين.
• ضعف مستوى الحصانة التي تقدمها الأنظمة واللوائح الحاكمة للمراجعين الداخليين.
• معوقات موضوعية تتمثل في العمل في ظل وجود حالات من تعارض المصالح، مثل العمل بدون تطبيق الشك المهني اللازم.
• غياب السياسات والضوابط اللازمة لتعزيز التزام المراجعين الداخليين بمبادئ الموضوعية.
• الاعتماد على مقاييس أداء تهدد الموضوعية.
• ممارسة بعض الإدارات في المنظمة لسلطة وصلاحيات على المراجعين الداخليين.
طرق التعزيز
كما حدد الباحثان أبرز طرق تعزيز استقلالية وموضوعية وظيفة المراجعة الداخلية في المنظمات في الآتي:
• إيجاد الموقع التنظيمي الملائم لوظيفة المراجعة الداخلية من خلال تبعيتها الفنية والوظيفية للجان مراجعة تابعة لمجالس إدارة.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة تنظم انخراط هذه الوظيفة في الأعمال والمهام التنفيذية.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة تعزز من صلاحيات تلك الوظيفة للوصول للبيانات والمستندات والأصول والموظفين.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة تعزز من استجابة الجهات/العمليات الخاضعة للمراجعة لمتطلبات وظيفة المراجعة الداخلية.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة بشأن منح مكافآت لتعزيز مستوى الكفاءة المهنية لمنسوبي إدارة المراجعة الداخلية.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة تُلزم إعداد جميع السياسات اللازمة لحماية وتعزيز مستويات موضوعية منسوبي هذه الإدارة.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة يشأن استخدام مقاييس أداء تراعي تطبيق مبادئ الموضوعية.
• سن وإضافة ضوابط باللائحة للحد من التأثيرات السلبية التي تسببها ممارسة التوظيف بتلك الإدارة لأغراض تأهيل القيادات على موضوعية وظيفة المراجعة الداخلية.
• إسناد جميع مهام الموارد البشرية المتعلقة بمنسوبي إدارة المراجعة الداخلية لجهة مستقلة، مثل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
نتائج مهمة
توصلت الدراسة إلى العديد من النتائج المهمة، والتي من أبرزها ما يلي:
• تتمتع وظيفة المراجعة الداخلية بحالة مرتفعة من الاســتقلالية والموضوعية؛ مما يؤكد سلامة عمل هذه الوظيفة في القطاع العام السعودي.
• تتحقق استقلالية وظيفة المراجعة الداخلية على مستوى المحاور ذات الصلة كافة، كالارتباط التنظيمي لإدارة المراجعة الداخلية وموقعها بالهيكل التنظيمي.
• تتحقق موضوعية وظيفة المراجعة الداخلية على مستوى المحاور ذات الصلة كافة، ومنها مستوى إنجاز الأعمال دون تحيز أو تأثريات خارجية.
• تواجه وظيفة المراجعة الداخلية عددًا من التحديات والمعوقات لحالة استقلاليتها وموضوعيتها، والتي من بينها انخفاض مســتوى الحصانة التي يوفرها نظــام الخدمة المدنية واللائحة المنظمة لأعمال المراجعة الداخلية للمراجعين الداخليين. إضافة إلى معوقات الموضوعية لها، كوجود ســلطة غير مباشرة لدى بعض الإدارات على منسوبي إدارة المراجعة الداخلية.
• وتتنوع طرق تعزيز استقلالية وموضوعية تلك الوظيفة، والتي من أهمها: النص على حوافز إضافية باللائحة تعزز من مســتوى الكفاءة المهنية لمنســوبي إدارة المراجعة الداخلية، ووضع ضوابط إضافية باللائحة تحد من التأثريات الســلبية لممارســة التوظيف بإدارة المراجعة الداخلية لأغراض تأهيل القيادات على موضوعية وظيفة المراجعة الداخلية.
تطوير ومأسسة وتوفير
وفي ضوء هذه النتائج وأهداف الدراسة وحدودها المستقبلية؛ يبدي الباحثان عددًا من التوصيات، والتي من بينها تطوير اللائحة الحالية للمراجعة الداخلية في القطاع العام، وبصفة خاصة على مستوى بعض الجوانب، كتوفير المكانة التنظيمية الملائمة لوظيفة المراجعة الداخلية في مختلف الجهات الحكومية على اختلاف هياكلها التنظيمية وتبعيتها الإدارية. وتطويــر أنظمة الموارد البشرية بحيث تســتوعب الوظائف المتعلقة بالمراجعة الداخلية، علاوة على قيام وزارة المالية بتوفير الأعداد والكفاءات المناسبة لمنسوبي إدارات المراجعة الداخلية بمنظمات القطاع العام بموجب أســس ومعايري معتمــدة؛ وذلك لتمكينها من تفعيل وظيفة المراجعة الداخلية على النحو الأمثل. يضاف إلى ذلك، توفـيـر البرامج التدريبية لجميــع الأطراف المتصلة بمنظومة المراجعــة الداخلية (الإدارة العليا، وإدارة المراجعة الداخلية، وجميع الوحدات الإدارية بالجهة الحكومية) وفق مستويات الاحتياج لهذه البرامج. وختامًا، مأسسة العمل بإدارات المراجعة الداخلية.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة