القرارات الإدارية المستثناة من مبدأ التحصين

أ.تركي بن مهيزع
استكمالاً لما بدأناه، وجواباً على ما أوردناه من تساؤل في ختام المقال السابق تحت عنوان: “آخر الدواء الكي”، الصادر في ذات المجلة عدد (١٩٠)، والمتمثل في: “هل جميع القرارات الإدارية المؤثرة في حقوق الموظفين ومراكزهم النظامية تسري عليها تلك المدد النظامية أم هنالك استثناءات؟”؛ نُحدِّد أولاً: المقصود بمبدأ التحصين، وهو القرار الإداري الذي لا يجوز سحبه من مُصْدِرِهِ حتى ولو كان معيباً؛ لفوات الأجل النظامي المُقَرَّرُ لسحبه، هذا من جهة، أو بفوات مواعيد التظلم عليه دون تظلُّم من جهة أخرى، أو بفوات مواعيد الطعن عليه أمام ديوان المظالم بعد إجراء التظلم عليه من جهةٍ ثالثة، بحيث يُنتج هذا القرار كافة الآثار المترتبة عليه، شأنه شأن القرار الصحيح. إلا أن هذا المبدأ لم يبق على إطلاقه؛ فقد استثنت وحصرت هيئة التدقيق مجتمعة بمقر ديوان المظالم، بموجب قرار رقم (٨٤) لعام ١٤٢٩هـ، سبعة أنواع من القرارات الإدارية التي لا يُقبل التمسُّك بتحصُّنها قضاءً، خلافاً للقاعدة العامة، وهذه القرارات على النحو الآتي:
أولاً: القرارات المنعدمة: وهي التي اشتملت على مخالفةٍ جسيمةٍ للنظام أو اللوائح تصل بها إلى درجةِ العدم، مثل صدور قرار يتضمن إيقاع عقوبة على منشأةٍ ما بإغلاقها؛ استناداً إلى لائحةٍ ملغية.
ثانياً: القرارات المبنية على غشٍ أو تدليس: ومثالها: صدور قرار من مؤسسة تعليمية حكومية بقبول دارس أخفى بسوء نية هويته الحقيقية كموظف يعمل لدى جهة حكومية عند التقديم على دراسة دبلوم معين؛ بهدف الجمع بين المكافآت الدراسية التي تمنح للطلاب المتفرغين وراتبه الذي يتقاضاه من الوظيفة.
ثالثاً: القرارات المعيبة التي لم تُنشر ولم تعلن بعد لذوي الشأن: 
وهي التي لم يتم فيها بعد إخبار المخاطبين بها، وإيصال العلم إليهم بأي وسيلة معتمدة لدى الجهة مصدرة القرار، ومثالها: صدور قرارٍ معيبٍ بترقية موظف من المرتبة السابعة إلى المرتبة الثامنة، إلا أن هذا القرار لم يتم-بعد-تبليغه للموظف بالطرق النظامية، ثم بعد مضيء ستين يوماً من تاريخ صدور هذا القرار، قررت الجهة سحبه، فإن هذا السحب في هذه الحالة يُعَدُّ صحيحاً؛ لأن العبرة في الاحتجاج بمبدأ التحصين يكون من تاريخ الإبلاغ أو الإعلان، وليس من تاريخ الإصدار.
رابعاً: القرارات التي يوجب أو يُجيز النظام إلغاءها، أو سحبها: وهي القرارات التي يمنح فيها المُنَظِّم الذي أصدر نظام أو لائحة الحق للجهة الحكومية في سحب أو إلغاء قرارات إدارية معينة؛ إعمالاً لتوجيهاته دون التقيُّد بأي مدة معينة.
خامساً: القرارات التنفيذية:وهي تلك القرارات التي لا تتضمن إنشاء حقوق أو تعديل مراكز نظامية، وإنما تستند في وجودها إلى قرار إداري أو حكم قضائي سابق مُنشئٌ لهذه الآثار النظامية، ويقتصر دورها فقط في وضع تلك القرارات أو الأحكام موضع التنفيذ. ومثالها: كأن يتحصَّل شخص على حكم نهائي باستحقاقه مبلغًا معينًا، فيصدر-تبعاً لذلك-قراراً تنفيذياً بإيداع المبلغ في حسابه؛ تنفيذاً لمنطوق الحكم. فإن صدر حكم أخر من المحكمة العليا بنقض هذا الحكم المنفَّذة آثاره، فإنه في هذه الحالة لا يمكن الاحتجاج بأن القرار التنفيذي قد دخل دائرة التحصين، ولا يمكن ردُّ المبلغ؛ لأن القرار التنفيذي يدور وجوداً وعدماً مع القرار الإداري أو الحكم القضائي الذي أحدث تلك الآثار النظامية، فإذا تحصّن القرار أو الحكم القضائي يتحصَّن القرار التنفيذي تبعاً له.  
سادساً: القرارات التي تُعَارِضُ حُجِيَّة الشيء المَقْضِيُّ به: ومثالها: القرار الإداري السلبي المتضمن امتناع جهة عمل الموظف من تعيينه على وظيفة أستاذ مساعد، بالرغم من حصوله على حكم نهائي يقضي بأحقيَّته في التعيين.
سابعاً: الأخطاء في المرتبات: وهي تلك القرارات التي صدرت وشابها خطأً في تسوية المرتبات وما في حكمها، ومنحت الموظف أقل أو أكثر مما يستحق من الرواتب أو المزايا المالية من بدلات أو علاوات؛ ظناً منها أنها كانت تسويات صحيحة.
وفي الختام نقول: لعل هيئة التدقيق في حصرها القرارات المشار إليها-بعاليه-قد هدفت إلى التوفيق بين مصلحتين متعارضتين: أولاهما: مصلحة الجهات الحكومية في عدم المساس بقراراتها حتى ولو كانت معيبة بمرور المدة النظامية دون التظلم عليها، أو إمكانية سحبها متى شاءت دون التقيُّد بالمهلة النظامية المحددة للسحب. وثانيتهما: مصلحة الموظفين التابعين لها أو المستفيدين من خدماتها في رغبتهم في استقرار مراكزهم النظامية من أي تعطيلٍ أو تبديلٍ، أو تمكينهم من إلغاء القرارات أمام القضاء حتى بعد تحصينها.
ونُثَمِّن للهيئة ما انتهت إليه من نتائج سالفة الذكر؛ فبهذه النتائج ألقت على الموظفين والمستفيدين-بصفةٍ خاصةٍ-طوقَ نجاةٍ يُخرج بعض القرارات الصادرة في حقهم من دائرة التحصين؛ باعتبارهم الحلقة الأضعف في العلاقة التي تجمعهم بالجهة الحكومية، والتي منحها النظام امتيازات استثنائية وسلطاتٍ واسعة لتحقيق الصالح العام.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة