فـوبيا" الخوف من النجاح الوظيفي .. وتحذير من "المحتال"

- الرغبة المتجددة في تحقيق الكمال والمثالية في الأداء مرهقة وتؤدي إلى الفشل
-10 مخاوف تهاجم الناجحين في وظائفهم والتحذير من الأضواء والتوقعات والأصدقاء
إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد
رغم متعة تحقيقه، إلا أن البعض وصف النجاح الوظيفي بأنه أمر غريب؛ ربما لأنه يجلب-غالبًا-السعادة للإنسان الذي يسعى إلى تحقيقه طوال حياته ومسيرته الوظيفية، لكنه في بعض الأحيان قد تكون له عواقب غير مرغوبة، قد تصل إلى حد المرض والانتكاسات الصحية، عندما يتخوف الإنسان منه، فتصيبه “فوبيا” الخوف من النجاح. فالأمر لا يتعلق بالنجاح الوظيفي في حد ذاته، بل يرتبط بتداعياته السلبية التي تطارد الإنسان وكأنها لعنة تتجسد في 10 مخاوف متداخلة أو مركبة وممتزجة معًا، أبرزها “متلازمة المحتال”. لذلك أثارت ظاهرة أو “فوبيا” الخوف من النجاح الوظيفي اهتمام الخبراء والمعنيين والباحثين، والذين تعمقوا فيها للتعرف عليها وتحديد مفهومها، وأسباب هذا الخوف، وأعراضه، وأنواعه، وطرق التغلب عليه، وعلاجه، والتي نتعرف عليها بالتفصيل في هذا التقرير.
ســعــادة وهمــيــة
نستهل التقرير بالمفارقة الغريبة التي يطرحها Eli Straw عبر موقع successstartswithin.com المتمثلة في أن الخوف من النجاح يبدو وكأنه مفهوم غريب. ويتساءل: لماذا يخاف أي شخص من نجاحه؟ أليس هذا ما نأمله جميعًا وهو تحقيق هذا النجاح على أي حال؟ إذن، فماذا يمكن أن يكون أفضل من هذا؟
ويجيب Straw بقوله: إن النجاح في أي شيء يمكن أن يعني المزيد من الظهور أمام الجمهور، ومسؤوليات أكبر، والمزيد من الضغوط، سواء من نفسك أو من الآخرين. إذ يمكن أن ينشأ القلق والشك في النفس والخوف من الفشل والعديد من أنماط التفكير السلبية الأخرى. فالنجاح الذي كان من المفترض أن يجلب السعادة والبهجة لحياة الإنسان يمكن أن يتحول إلى بؤس وألم. 
 بــســرعــة كــبيــرة.
وهو المعنى نفسه الذي يشير إليه موقع verywell mind أن الخوف من النجاح ينطوي على الخوف من الإنجاز، وربما يؤدي إلى الفشل. بالرغم من أن النجاح يُنظر إليه عمومًا على أنه أمر مرغوب فيه، إلا أن هناك أسبابًا تجعل الناس يخافون من النجاح وتحقيق الأداء المتميز. ومن المهم أن ندرك أن الناس في كثير من الأحيان لا يخشون النجاح في حد ذاته، وبدلا من ذلك، يتركز خوفهم على العواقب المحتملة للنجاح؛ نظرًا لأن توقعات النجاح غالبًا ما تعتمد على فكرة أن تحقيق الأهداف يعني تقديم التضحيات أو تحمل الخسائر، ولذلك فليس من المستغرب أن يشعر الناس بالقلق مما قد يكلفهم النجاح.
قلق وقياس
وتقدم Dr.Jenni Jacobsen وصفًا موجزًا للخوف من النجاح-عبر مدونة Calmerry-كما يراه باحثو علم النفس، بأنه الدافع لتجنب الإنجازات، ومؤخرًا، عرَّف الباحثون الخوف من النجاح بأنه شكل من أشكال القلق. وتضيف: لقد صمم الباحثون وابتكروا مقياسًا للنجاح في عام 1976م، والذي يستخدم 27 سؤالًا لقياس هذه الظاهرة.
10 مــخاوف
ويتطرق موقع Forbes إلى أن الخوف من النجاح هو نوع من المخاوف المركبة، فهو يتضمن 10 مخاوف متداخلة وممتزجة معًا، وهي كالتالي:
•الخوف من فقدان نفسك: يخشى الكثير منا أن يؤدي النجاح إلى تضخيم غرورنا وتحويلنا إلى أشخاص مختلفين.
•الخوف من رد الفعل العكسي: في بعض الأحيان يكون لدى الناس تخوف من النجاح؛ بسبب التداعيات الاجتماعية. وتطلق بعض الدراسات على هذه الظاهرة مسمى “تجنب رد الفعل العكسي”. على سبيل المثال، قد تتجنب النساء الترويج لأنفسهن لأنهن يخشين من أنه لا يتماشى مع الأدوار التقليدية للجنسين. كما خلصت الدراسات إلى أن النساء يميلن إلى ربط النجاح بعواقب سلبية أكبر. وبناء على ذلك، يميل الناس إلى الالتزام بهذه المعايير المتوقعة لأنهم يخشون ردود الفعل الاجتماعية أو الاقتصادية.
الـمـحـتـال والـنقـد والأضــواء
•الخوف من ألا تكون جيدًا بما فيه الكفاية: في بعض الأحيان، تساور بعض الأشخاص الناجحين هواجس من أنهم ليسوا جيدين كالآخرين في مجالهم؛ إذ إنهم قد يخشون أنهم لن يرقوا إلى مستوى التوقعات أو أن يكتشف الآخرون أنهم ليسوا على مستوى التحدي. وهو نوع من الخوف الذي يُعرف بـ “متلازمة المحتال”، والتي تنطوي على مشاعر الشك الذاتي التي تستمر، على الرغم من تعليمك وخبراتك وإنجازاتك. وفي الوقت الذي يشيد الآخرون بمواهبك، فربما تنسبها أنت للحظ والتوقيت.
•الخوف من النقد: يعاني الكثير من خوف مُبالغ فيه-أحيانًا-من أن يتم رفضنا إذا حققنا النجاح وتبوأنا منصبًا أو حصلنا على ترقية. وللأسف، فإن هذا الخوف يعيقنا، ويمكن أن يؤدي إلى حرمان أنفسنا من الفرص المهمة التي قد تؤدي إلى السعادة والوفاء.
•الخوف من الأضواء: قد يخاف الأشخاص الخجولون أو المحرجون اجتماعيًا من النجاح؛ لأنهم لا يريدون أن يكونوا في دائرة الضوء.
الـتغـييــر والأصـدقـاء والـتقـصــير
•الخوف من التغيير: أحد الأسباب الأكثر شيوعًا التي تجعلنا نسمح لخوفنا من النجاح بأن يعيقنا هو الخوف من التغيير؛ حيث إننا كبشر نشعر بالاطمئنان نحو الروتين والاعتياد على وضع معين، ونميل إلى الخوف من أي شيء غير معروف.
•الخوف من فقدان الأصدقاء والمقربين.
•الخوف من العمل المتواصل: فالإنسان إذ نجح في مساره الوظيفي الذي يحبه، فإن تحقيق هذا النجاح والمزيد منه للحفاظ على هذا المسار يتطلب العمل مزيدًا من الوقت؛ وهو الأمر الذي على الأرجح سينعكس على حياته الشخصية والأسرية، وربما يجعله مقصرًا تجاهها.
الــتوقــعــات والـعصـبيــة
•الخوف من التوقعات المتزايدة: سبب آخر لخوف الناس من النجاح هو أنه يخلق معايير وتوقعات جديدة، ويشعر الناس بالتوتر بشأن كيفية إدارتها. فعندما تنجح؛ يبدأ الآخرون في توقع المزيد منك ويحملونك المسؤولية عن مستويات أداء أعلى مما كنت تقدمه من قبل. لذلك فإنه في هذه الحالة يتعلق الخوف من النجاح بالخوف من الضغوط ورفض المساءلة.
•الخوف من مشاعر الإثارة الممتزجة بالعصبية: لذلك من السهل إساءة تفسير مشاعر الإثارة على أنها قلق؛ وهذا يمكن أن يجعل الناس يتجنبون المواقف التي تثير مثل هذه المشاعر.
7 أعــراض مــتنــوعـة
ومن وجهة نظر  Jaime R. Herndon، فإن من بين أبرز أعراض وقوع الإنسان تحت وطأة الخوف من النجاح، ما يلي:
•الأهداف المنخفضة: ينعكس الخوف من النجاح الوظيفي على مسار الموظف أو المدير في أنه يضع أهدافًا لا تسهم في تقدمه، ولكنها تبقيه حيث هو بدون إنجاز أو تطوير.
•الكمالية: حيث يحدد الإنسان لنفسه أهدافًا وتوقعات عالية جدًا لدرجة أنه لن ينجح أبدًا في تحقيقها.
•التخريب الذاتي: ربما يلجأ الخائف من النجاح إلى سلوكيات التدمير الذاتي التي تعيق تقدمه ونجاحه.
•التسويف: إذا يبدأ في تأجيل العمل، ولا يسمح له بإكمال العمل بنجاح، مما يعيق تقدمه.
•قلة أوعدم التحدث مطلقًا في اجتماع الفريق.
•عدم تولي أدوار قيادية أو مشاريع جديدة.
•عدم التحدث مع الرؤساء في العمل بشأن زيادة أو ترقية.
أســبــاب مــتنــوعــة
وتلفت مدونة Calmer you إلى أن هذه العواقب ذات التداعيات السلبية، ربما تبرز بشكل كبير مع الأشخاص الانطوائيين أو أولئك الذين يعانون من القلق الاجتماعي ومتخوفين من النجاح؛ بسبب الاهتمام الذي يمكن أن يجلبه لهم، مما يجعلهم يشعرون بعدم الارتياح. كذلك فإن السعي إلى الكمال، أو وضع معايير غير واقعية للتميز، يمكن أن يؤدي إلى عدم الرضا ويسهم في الخوف من النجاح. وقد يكون للشعور بالذنب-أيضًا-دور، فقد تشعر بأنهم يحرمون الآخرين من الفرص التي يحق لهم الحصول عليها بنفس القدر، أو قد تعتقد أنك تأخذ أكثر من حصتك العادلة، أو تشعر بالذنب لأن الآخرين لا يملكون ما لديك. وأخيرًا، يمكن أن يكون للتجارب السابقة تأثيرات دائمة على كيفية إدراك الفرد النجاح المستقبلي، مثل فقدان أحد الوالدين عمله الناجح، سابقًا.
رغـبــة مــرهقــة
ويبرز موقع successstartswithin.com سببًا مهمًا ضمن أسباب الخوف من النجاح، وهو الرغبة المتجددة والدائمة في تحقيق الكمال والمثالية في الأداء؛ والتي تتسبب في عدم الاستقرار أو عدم  الرضا أبدًا عما لدينا. في حين أن امتلاك شخص ما للطموح هو سمة رائعة، إلا أنه عندما يصل إلى مستوى الكمال، يمكن أن تتحول الأمور إلى سلبية بسرعة كبيرة. فعندما يكون لدينا نمط تفكير مثالي؛ فإن أفكارنا تركز على كيف أننا لسنا جيدين بما فيه الكفاية؟ وكيف يمكننا تحقيق المزيد؟ لذلك فإنه من المضحك الاعتقاد بأن الحالة التي تمنعنا من الشعور بالنجاح الحقيقي تسبب الخوف من النجاح. وبالرغم من ذلك، فإن عدم القدرة على تقدير ما تم إنجازه هو ما يؤدي إلى الخوف. إن القوة الكامنة وراء المشاعر التي يشعر بها الشخص الذي يسعى إلى الكمال هي قوة متطرفة ويمكن أن تُرهقه بمرور الوقت. فعندما نعلم أن كل نجاح سيكون مصحوبًا بهذا المستوى من المشاعر، نبدأ بالخوف وتجنب مثل هذه النتائج.
خــوف مــن الــفشــل أم الــنجــاح
وتسلط المدونة( calmer you ) الضوء على علاقة مهمة تسهم في توضيح طبيعة الخوف من النجاح، وهي العلاقة بين الخوف من الفشل والخوف من النجاح، حيث تكمن هذه العلاقة في أساسهما المشترك المتمثل في القلق وعدم اليقين بشأن المستقبل. كلتا الحالتان تنبعان من المخاوف بشأن عواقب الأفعال والتغييرات المحتملة التي قد تجلبها. فالخوف من الفشل مدفوع بالخوف من عدم تلبية التوقعات، أو التعرض للإحراج، أو مواجهة الرفض، فالأمر هنا يتعلق بالقلق من عدم تحقيق أهدافك والعار المصاحب لذلك. أما الخوف من النجاح فيتمحور حول الخوف من تحقيق أهدافك. وقد يشمل ذلك الخوف من المجهول، أو القلق بشأن المسؤوليات المتزايدة، أو القلق بشأن الحفاظ على النجاح. قد تقلق بشأن كيفية تأثير النجاح على علاقاتك أو هويتك الشخصية أو توازن حياتك.
وسواء كان من النجاح أم من الفشل، فإن كلا الخوفين على التردد في الخروج من منطقة الراحة الخاصة بالفرد بسبب مخاطر النتائج السلبية، سواء كانت تلك النتائج مرتبطة بالفشل أو بتداعيات النجاح. يمكن أن يؤدي هذا إلى التخريب الذاتي، حيث تقوم دون وعي بتقويض جهودك لتجنب مواجهة هذه المخاوف. إن فهم ومعالجة هذه المخاوف الأساسية أمر بالغ الأهمية للنمو الشخصي وتحقيق إمكانات الفرد.
3 آثــار ســلـبــيـة
وتحدد Dr.Jenni Jacobsen أهم 3 آثار سلبية للخوف من النجاح في الآتي:
•التأثير سلبًا على الصحة العقلية: فمن الممكن أن يعزل الإنسان نفسه عن الآخرين أو يتولد لديه الشعور بالاستياء؛ عندما يخشى الاستسلام لتوقعات الآخرين بأنه سيصبح ناجحًا.
•وبالنسبة للنساء، فقد تم ربط الخوف من النجاح بانخفاض الدخل: حيث إن النساء اللواتي يخشين الخروج من الأدوار النمطية للجنسين قد يقبلن بوظائف منخفضة الأجر أو يطالبن بأموال أقل مقابل عملهن مقارنة بالرجال. وهذا يمكن أن يكون ضارًا بالتقدم الوظيفي. فالخوف من النجاح يمكن أن يقف عائقاً في طريق تحقيق الأهداف.
•تدني احترام الذات: إن الشعور وكأنك لا تستطيع التحكم في نجاحك أو أنك لا تستحق إنجازات عالية يمكن أن يؤدي إلى تآكل ثقتك بنفسك ويقودك إلى الحكم على نفسك بقسوة.
8 نــصـائــح مــهـمــة
يكمن التغلب على “فوبيا” الخوف من النجاح-بحسب موقع very well health-من الناحية الطبية في كيفية إدارة المصاب بها للضغوط والقلق الذي يصيبه على نحو أفضل، من خلال المزيد من الاسترخاء، وتقليل التوتر والقلق؛ إذ إن هذا النوع من الخوف ليس أكثر من رد فعل لهذه الضغوط وهذا القلق. ويحدد الموقع 8 نصائح مختلفة للتغلب على هذه الـ”فوبيا”، كالآتي:
•الحرص على الالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
•ممارسة التنفس بعمق.
•الحد من المشروبات التي تحتوي على الكافيين.
•تعزيز المحفزات الخاصة بالإنسان والتمسك بها.
•الحصول على الدعم الاجتماعي، من خلال التواصل مع المقربين.
•لا مانع من زيارة أحد المختصين أو الاستشاريين للتحدث معه عن هذه النوعية من المخاوف وغيرها مما يعتري الإنسان.
•يكتب الإنسان ما يشعر به حول هذه المخاوف وأفكاره تجاهها.

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة