٦ تــوجّــهــات جــديــدة
للـمـوارد البشرية في عام ٢٠٢٤... أفكار مبدعة للتغلب على التحديات
لا تزال المنظمات تواجه تحديات متجددة تفرضها بيئة أعمال عالمية غير مستقرة منذ أعوام، ما يحفز المنظمات على مساعدة موظفيها بأفضل السبل لتسهيل أعمالهم ودعمهم ومنحهم شعورًا بالتقدير والهدف، لذلك تتجه الأنظار نحو توجّه الموارد البشرية التي يمكن أن تجعل من المنظمة مكان عمل أفضل لتحقيق النجاح.
الذكاء الاصطناعي التوليدي
الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI مثل ChatGPT سيستمر في الانتشار كأحد أهم توجّهات الموارد البشرية، وستتوسع الاستفادة منه بحكمة أكبر ووعي أعلى أكثر من العام الماضي. ففي استطلاع رأي أجراه معهد جارتنر للأبحاث قال 76% من قادة الموارد البشرية أن منظماتهم ستصبح متخلفة إذا لم تتبنى حلول الذكاء الاصطناعي خلال عام أو اثنين على أقصى تقدير. لذلك من المتوقع أن يشهد عام 2024 توغل الذكاء الاصطناعي التوليدي في كل عمليات وجوانب إدارة الرأس المال البشري، بدءًا من برامج التوظيف وكتابة الأوصاف الوظيفية وتصفية المرشحين المؤهلين، مرورًا بإدارة الأداء وقياس إنتاجية كل موظف، وحتى تحليل البيانات واقتراح توصيات تدفع المنظمة للأمام. وعلى سبيل المثال يفحص مساعد الذكاء الاصطناعي جميع البيانات المخزنة الخاصة بالمنظمة ويعتمد عليها كأساس لإنتاج إحصائيات والوصول إلى رؤى وخطط وأهداف مخصصة، ويستطيع أيضًا باعتباره مساعدًا افتراضًيا الإجابة على الأسئلة الشائعة للموظفين فيما يتعلق بسياسات المنظمة وقوانينها، ما يعني تقديمه دعمًا ومساعدة بشكل ذكي، يقلل الاحتكاك ويحسن تجربة الموظف عندما يبحث عن إجابات ومعلومات، ويساعد صناع القرار في اتخاذ قرارات أفضل في جوانب مختلفة بدءًا من التوظيف وحتى مشاركة المعلومات المهمة.
قراءة وتحليل البيانات
في ظل اتساع نطاق الدور الذي تلعبه إدارة الموارد البشرية والانتقال من المهام التقليدية المتمثلة في توجيه ورعاية القوى العاملة إلى مهام استراتيجية لها علاقة بتعظيم القيمة التي يمكن إضافتها للمنظمة ككل، أصبحت القدرة على قراءة وتحليل البيانات واستخراج أفكار قيمة منها هي واحدة من أحدث مهارات العاملين في إدارة الموارد البشرية التي تتنامى الحاجة إليها عامًا تلو الآخر، وذلك لكي يكون بمقدورهم إضافة قيمة بالتوصية بمكان وكيفية الاستثمار بدلًا من الاكتفاء بتطبيق أفضل الممارسات والالتزام بالمعايير. وستصبح بيانات الموارد مستقبلًا أداة أساسية لتعزيز كفاءة العمل وصنع القرارات الاستراتيجية المؤثرة التي تدفع نمو المنظمة وتستفيد من الإمكانات غير المستغلة بعد والتحسين المستمر، لذلك من المتوقع أن تولي المنظمات محو أمية البيانات اهتمامًا أكبر هذا العام بحيث يصبح متخصص الموارد البشرية قادراً على وضع فرضيات وتحديد مؤشرات الأداء الرئيسية المناسبة لها، ثم قراءة البيانات وتفسيرها، واقتراح إرشادات قابلة للتنفيذ حول مكان وكيفية استثمار موارد المنشأة.
تبني الأنظمة التقنية المتكاملة
مثل أي أداة تقنية، تستمر أنظمة الموارد البشرية في التطور وتتحسن مستويات قوتها وذكاءها، بحيث أصبحت تستطيع معالجة العديد من المسائل والتحديات في باقة متكاملة من الحلول متعددة الوظائف. فمثلًا إضافة إلى الحلول الأساسية التي تحتاجها المنظمة لإدارة مواردها البشرية, مثل الخدمة الذاتية وتقديم تجربة استخدام سهلة واستخلاص تقارير بالبيانات، تحتاج المنظمة أيضًا إلى نظام موارد بشرية بحلول أكثر تعقيدًا, مثل الامتثال للوائح والتشريعات القانونية، والتكامل مع المؤسسات الهامة, مثل البنوك، والتكيف مع أسلوب العمل عن بعد وإمكانية فحص السير الذاتية للمرشحين باستخدام نظام تتبع المتقدمين. لذلك من المتوقع أن تشهد أنظمة الموارد البشرية المتكاملة التي تدمج أكثر من حل في نظام واحد إقبالًا أعلى خلال عام 2024، ليس من قبل المنظمات الكبيرة فحسب بل الصغيرة والمتوسطة كذلك، وذلك سعيًا للاستفادة من في الفوائد الشاملة التي تقدمها برامج إدارة الموارد البشرية من التوافق مع التشريعات والمؤسسات المهمة، وتعزيز القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على البيانات، والتسويق للعلامة التجارية للمنشأة في سوق العمل عبر أنظمة ATS، إضافة إلى تعزيز انتماء الموظفين للمنظمة عبر برامج المكافآت والهدايا.
التوسع في التعلم وتطوير المهارات
يراهن خبراء الموارد البشرية في عام 2024 على حل مشكلة نقص المواهب، من خلال تطوير مهارات الموظفين الحاليين في المنظمة، ففي ظل ارتفاع تكلفة توظيف عاملين جددين، يمكن استبدال ذلك بتطوير مهارات الموظفين الحاليين كحل أقل تكلفة ولبنة أولى في الاستعداد لتحديات التوظيف المستقبلية. ولم تكن مشكلة نقص المواهب وحدها دافعًا لتبني هذا التوجّه من توجّهات الموارد البشرية، بل جاء التوسع في التحول الرقمي داخل قطاعات واسعة وتشجيع المملكة المنشآت على تبني مبادرات التحول الرقمي ليدفع في التوجّه ذاته، إذ لم يعد كافيًا التركيز على المهارات الأساسية للوظائف، وظهرت الحاجة إلى الاهتمام بالمهارات التقنية التي تحتاجها بيئات العمل الرقمية، ويمكن تلخيص الركائز الثلاثة للتوجّه الجديد فيما يلي:
1-تحديد المهارات:
ينبغي على المنظمات تسمية المهارات الضرورية مستقبلًا، بما في ذلك مهارات استخدام الآلات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمهارات الناعمة اللازمة لتكملة عمل هذه الآلات، مثل التفكير الاستراتيجي، وحل المشكلات المعقدة، والذكاء العاطفي والإبداع.
2-توسيع نطاق التعلم:
لا تحتاج المنظمات إلى برامج التعلم والتطوير التقليدية فحسب، بل ينبغي أن تنشر ثقافة التعلم في بيئة العمل، وهو الأمر الذي يرى بعض المديرين أنهم يطبقونه بالفعل إلا أنهم بحاجة لمراجعة أنفسهم، إذ تشير دراسة حديثة أجرتها edX الى أن نصف المديرين التنفيذيين يعتقدون أن منظماتهم تقدم للموظفين ثقافة تعلم قوية وتمنحهم الوقت الكافي لذلك، بينما رأى 20% فقط من الموظفين أن هذا الشيء حقيقي. وإشراك الموظفين يعني تكملة للتوسع في التعلم، ويمكن للمنظمات تبني المحتوى التعليمي الذي ينشئه الموظفون أنفسهم وتكوين مجموعات التعلم من الزملاء ومشاركة موارد التعلم الجماعية، بالإضافة إلى تمكين الموظفين من التواصل والتعلم من بعضهم البعض سواء بطرق منظمة أو عفوية.
3-تعليم القادة: إضافة إلى ما سبق لا يمكن إغفال دور تطوير مهارات القادة أنفسهم لتتوافق مع متطلبات بيئات العمل الحديثة، إذ يجب الاستثمار في برامج التدريب القيادي الشامل التي لا تقتصر على المهارات القيادية التقليدية، بل تشمل أيضًا مهارات التعاون الرقمي والذكاء العاطفي والإدارة التكيفية، بحيث يتمكن القادة من توجيه الموظفين في بيئات العمل التقليدية وعن بعد على حد سواء.
الموازنة بين التقنية الذكية والطابع الإنساني
تعِد التقنيات الذكية في إدارة الموارد البشرية بكفاءة أعلى وإنتاجية أكبر، رغم ذلك يحذر الخبراء من المبالغة في المسير إلى هذا التوجّه من توجّهات الموارد البشرية الذي يهدف إلى أتمتة كل شيء، إذ يشكل ذلك خطورة تحد من عقلية التعلم اللازمة للموظفين للتعرف على هذه الأدوات وتشعرهم بأنهم مجردون من الإنسانية. وينبغي على المنظمات بدءًا من الآن ولاحقًا أن تستخدم الذكاء الاصطناعي في العمل برشد، لا لتمكين الموظفين من إنجاز الأعمال بوتيرة أسرع فقط، بل لمساعدة الموظفين على الوصول لأهدافهم بشكل مختلف، وهو ما يتحقق عندما تتاح لهم الفرصة للتجربة والتعلم ويُمنح لهم الوقت والموارد الكافية والمساحة الآمنة لاكتشاف أي الطرق أفضل في أداء العمل. وبعبارة أخرى، ينبغي على المنظمات أن تترك الحرية للموظفين لتخصيص الأدوات التقنية وفقًا لما يرونه مناسبًا لسير العمل ونوعية المهام التي يحتاجون إلى أتمتتها، وعدم التقيد بمعايير وعمليات قياسية لا تناسب بيئة العمل الخاصة في المنشأة وطبيعة عمليات واحتياجات إدارة الموارد البشرية.
استيعاب الجيل الجديد من الموظفي
أصبح الجيل Z (الذي ولد بداية من منتصف تسعينيات القرن الماضي) الآن في العشرينيات من عمره، العديد منهم لم يلتحقوا بسوق العمل فحسب، بل تولى بعضهم زمام القيادة في مواقع العمل بالفعل. ونشأ هذا الجيل في رحاب مواقع التواصل الاجتماعي، واعتاد على مشاركة أفكاره ومشاعره الشخصية وطموحاته العملية عبر الإنترنت، وبالتالي لديه رؤية مختلفة عن القيادة وثقافة العمل والتواصل مع الآخرين، ولا يثق الجيل الجديد من الموظفين كثيرًا في السلطة الهرمية، ويهتم بالمشاركة في صنع القرارات ذات الصلة بعمله ويفضل التواصل المفتوح ثنائي الاتجاه مع الإدارة، ويعني كل ما سبق لمختصي الموارد البشرية أنهم بحاجة إلى التعامل بطريقة مناسبة مع نظرة هذا الجيل للعمل والحياة. إذ يحرص على تحقيق التوازن بينهما، ويهتم بالتعليم المستمر وتحسين المهارات. كما تمثل قضايا العدالة في الرواتب والاستدامة أهمية بالنسبة له. وتحمل توجّهات الموارد البشرية في عام 2024 السابقة أفكارًا للتغلب على التحديات التي تواجهها المنظمات وفرصًا يمكن اغتنامها واحتمالات لا حصر لها، نأمل أن تجد من بينها أفكارًا ملهمة لدمجها في الاستراتيجية المستقبلية للموارد البشرية.