''انطلاق مسيرة الـ«بوب ساينس» عام 1872 ومساهمته في توعية الجمهور بالعلوم والبحوث والمصطلحات المهمة
''قنوات الـ"بوب ساينس" على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي تجذب الملايين وتهدد عرش المطبوعات
''رغم أهميته الكبيرة توجيه انتقادات جدية للـ"بوب ساينس" وقنواته ومواقعه الإعلامية والاجتماعية
إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد
كان العالم، والعلوم المتطورة الحديثة، على موعد جديد ومحطة مهمة في انطلاق الـ«بوب ساينس» أو ما يسميه البعض بـ«العلم الشعبي» وتطوره، بظهور الإصدار الأول من مجلة «Popular Science» التي امتدت مسيرتها طوال 151 عامًا، برزت خلالها أهمية تبسيط العلوم المختلفة، والتي منها بالطبع العلوم الإدارية، وتلك المرتبطة بها، للجمهور العام، وغير المتخصصين والأكاديميين والعلماء والباحثين. فقد كان لها دور كبير في انتشاره، وإثارة اهتمامهم وولعهم به، وفهم هذه العلوم والأدبيات الإدارية وغيرها بطريقة سهلة. وربما يبدو ذلك جليًا في فهم عمل الإدارة وأداء المهام الإدارية، والوظيفية بكفاءة وفاعلية؛ لأنه وبكل بساطة لن نستطيع أن نؤدي بجودة وبتميز ما لا نفهمه أو نستوعبه. فتعالوا معًا نبحر في عالم الـ«بوب ساينس»، ونتعرف عليه وتطوره وأهميته، وفوائده، ومحاذيره، وتطبيقاته في مجالات الإدارة، خاصة إدارة المصطلحات الإدارية.
تبسيط وفهم ومشاركة
نستعرض في البداية المقصود بالـ"بوب ساينس" أو “العلم الشعبي" أو تبسيط العلوم للجمهور العام، حيث يذكر موقع جامعة Montclair أنه يساعد بشكل كبير في فهم الجمهور العام الطروحات والبحوث أو الأدبيات العلمية، ويهدف إلى أن يعي ذوي الخلفيات العلمية المحدودة هذا المحتوى العلمي والبحثي؛ نظرًا لأن هذا المحتوى-غالبًا-ما يكون بحثيًا وجادً وثقيلًا جدًا ويحتوي على الكثير من المصطلحات العلمية، والتي ربما تكون أكثر تعقيدًا بالنسبة لهذا الجمهور الذي قد لا يكون على دراية بها.
ويبرز موقع staff.lu.se الخاص بأعضاء هيئة التدريس والباحثين في جامعة LUND السويدية-إحدى الجامعات المرموقة في شمال أوروبا وواحدة من أكبر المؤسسات التعليمية والبحثية في الدول الإسكندنافية وتقع في مدينة لوند بمقاطعة سكونا السويدية والتي صنفت عدة مرات ضمن الجامعات المائة الأولى عالميًا-أنه باعتبارك باحثًا، قد يكون من المفيد لك مشاركة معرفتك مع صناع القرار والصناعة ومجموعات أصحاب المصلحة وأحيانًا عامة الناس. كذلك فقد يكون الكثير من الأشخاص مهتمين بالاستنتاجات التي توصلت إليها كباحث. ويذكر الموقع أن “البوب ساينس" أو ما يُعرف بـ"العلم الشعبي"-في جوهره يدور حول تبسيط و"ترجمة" العلوم والأبحاث إلى شيء يمكن للأشخاص خارج المجتمع الأكاديمي والبحثي استيعابه، أيضًا.
تساؤل مثير
ويسلط موقع جامعة Montclair الضوء على تساؤل مثير حول مدى صلاحية الـ"بوب ساينس" كمصدر يعتد به، كالمصادر العلمية المعتادة فيما يتعلق بطرح ومناقشة الأمور العلمية. وللتوضيح لأعزاءنا القراء، فإن طرح مثل هذا التساؤل يكشف أنه بدلًا من اعتماد الـ"بوب ساينس" على المصادر العلمية لتبسيط محتواها للجمهور العام، أضحت محتويات هذا التبسيط هي المصادر للمحتوى العلمي، أو بمعنى آخر فقد تحولت إلى مصادر يعتد بها عند مناقشة القضايا العلمية.
أمثلة واستعارات وسيناريوهات
ومن الناحية الإجرائية والعملية يوضح موقع جامعة LUND الخطوات والإجراءات المتبعة لتبسيط المحتوى الأكاديمي والبحثي أو العلمي وتحويلها إلى “بوب ساينس"، مبينًا أنه إذا كنت تناقش بحثًا جديدًا وتسعى لطرحه للعامة، فمن الجيد الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هي النتائج الجديدة؟ (نتائج).
- ما هي الاحتياجات/المشكلات التي تتم معالجتها؟ (الاحتياجات).
- لماذا تتطلب هذه الاحتياجات/المشكلات حلولاً؟ (فائدة).
- ما هي الآثار المترتبة على النتائج بالنسبة للمتضررين؟ (الفئة المستهدفة وأهميتها).
- كيف يمكن تطبيق المعرفة؟ (العواقب والتوصيات).
- كيف يرتبط البحث بالمعرفة الأخرى في الموضوع؟ (السياق والشفافية).
- ماذا فعلت؟ (حساب).
بالإضافة إلى أنه من المفيد جدًا عند إجراء مثل هذا التبسيط الاعتماد على مدخلين مهمين، وهما:
• الاستعانة بالأمثلة: من المهم أن تستحضر الأمثلة الملموسة، والتي بدورها تستحضر صورًا في ذهن القارئ، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير جدًا في عملية الفهم.
• الاعتماد على طرق وأساليب مفيدة في عملية التبسيط والكتابة، كالاستعارات (“الغابات المطيرة هي رئتي الأرض")، والسيناريوهات على غرار “تخيل لو" (“إذا لم يكن هناك أكسجين في الغلاف الجوي إذن..."، “لو نستطيع السفر عبر الزمن").
5 محاذير
ويشدد الموقع على أن يتجنب المعنيون بتبسيط العلوم للجمهور العام أو ما يعرف بالـ"بوب ساينس" بعض المحاذير، خلال تواصلهم مع هذا الجمهور-غير المتخصص-والكتابة له، وتتمثل هذه المحاذير فيما يلي:
- تجنب ذكر المصطلحات الفنية أو الأكاديمية والبحثية الأكثر تخصصًا خلال عملية التبسيط والشرح والكتابة-قدر الإمكان-إلا إذا كانت ضرورية للغاية، وفي هذه الحالة يتعين تقديم شرح لها. كذلك تجنب ذكر هذه المصطلحات-تمامًا-في المقدمة؛ حتى لا تفشل تجربة القراءة.
- تجنب الغموض، وسرد كلمات ومصطلحات غامضة، يصعب إدراكها من جانب هذا الجمهور العام.
استخدام لغة حيوية في عملية الكتابة والشرح والتواصل مع هذا الجمهور: فاللغة الحية تعني تنوع الكلمات والمصطلحات المتكررة، حتى لو كان ذلك يعني أنها تصبح غير متخصصة.
اعتمد على الجمل القصيرة: تتميز هذه الجمل بأنها أسهل في عملية القراءة والتواصل، ويتم استيعاب كلماتها البسيطة بسرعة أكبر.
استخدم الجُمل المباشرة والمفردات “العادية"، دون تقعر أو تعقيد.
''قنوات الـ"بوب ساينس" على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي تجذب الملايين وتهدد عرش المطبوعات
اهتمام إعلامي واجتماعي
والذي ربما لا يعرفه كثير من الناس أن الاهتمام الكبير بالـ"بوب ساينس" بدأ وتصاعد إعلاميًا بالتوازي مع حركة النهضة العلمية وذروتها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة خلال القرن الـ 19، حيث ظهور الكثير من الاختراعات والابتكارات العلمية. وقد أسهمت الوسائل الإعلامية المتاحة-حينئذ-في نشر الوعي بين الجمهور العام بهذه الحركة وبهذه الاختراعات والابتكارات. فقد كان من أشهر، ومن بين أوائل هذه الوسائل الإعلامية الإصدار الأول لمجلة “POPULAR SCIENCE" المعنية تمامًا بالـ"بوب ساينس" وهو ما يعكسه اسمها بشكل واضح تمامًا. فقد صدرت عام 1872م، إذ اهتمت بتسليط الضوء على المخترعات والابتكارات والاكتشافات العلمية والبحوث المختلفة.
وقد ذكر Michael Levenson عبر موقع صحيفة The New York Times الأمريكية أن هذه المجلة توقفت عن إصدار نسختها المطبوعة منذ 3 سنوات وتحديدًا في عام 2021م، حيث تحولت للإصدار الإلكتروني، بشكل دوري ربع سنوي، والذي تعرض-أيضًا-للتوقف في شهر سبتمبر الماضي، حيث صدر آخر أعدادها عبر الإنترنت بعنوان “Fake" وتضمن مقالات حوا الذكاء الاصطناعي والتحنيط والبلورات المزيفة. وبالرغم من ذلك ستواصل المجلة عبر موقعها الإلكتروني إنتاج البودكاست الخاص بها بعنوان: “أغرب شيء تعلمته هذا الأسبوع".
وبحسب قناة Popular Science على اليوتيوب، فإن هذا الاهتمام الإعلامي، ولا سيما تلك المجلة، قد برز مع اكتشاف Heinrich Hertz الموجات الكهرومغناطيسية عام 1886م، واكتشاف Wilhelm Conrad Rontgen أشعة X عام 1895م، واكتشاف Marie وPierre Curie عنصري الـ Polonium والـ Radium عام 1898م، والطيران الأول لاختراع الطائرة للأخوين Wright عام 1903م، ومرورًا باكتشاف نواة الذرة عام 1911م، وأول تفجير للقنبلة الذرية عام 1945م، ثم رحلة إرسال الكلبة Laika إلى الفضاء عام 1957م، والهبوط الأول للبشر على سطح القمر (أبوللو 11) عام 1969م، وظهور أول حاسب آلي “ماكنتوش" عام 1984م، وتدشين أول محطة فضاء دولية عام 1998م، وتسلسل الجينوم البشري عام 2003م، واكتشاف النظام الشمسي Trappist-1(الذي ربما يضم 3 كواكب أرضية مستقبلية) وذلك عام 2017م. بالإضافة إلى مقالات مهمة للعديد من العلماء والمخترعين والباحثين، مثل مقالات تشارلز داروين، ولويس باستور، وإسحاق أسيموف. كما اشتهرت المجلة-أيضًا-بتقديم تنبؤات خيالية حول المستقبل.
الـ"بوب ساينس" والإدارة
وإذا انتقلنا إلى تطبيقات الـ"بوب ساينس" في مجالات العلوم الإدارية وغيرها من العلوم المرتبطة بها، سنجد-على سبيل المثال وبحسب موقع المرسال-أن علم إدارة الأعمال يضج بالعديد من المصطلحات والمفاهيم التي يتم تداولها كثيرا بطريقة أو بأخرى في الكثير من المواقف، وهي مصطلحات قد تكون غامضة على البعض وتحتاج لمزيد من التوضيح، مثل: الإدارة الاستراتيجية، وإدارة رأس المال الفكري، وإدارة التميز، وإدارة الجودة الشاملة، وغيرها.
إدارة المصطلحات
ونظرًا لخصوصية لغة العلوم الإدارية، كغيرها من العلوم، واهتمام المتخصصين بأهمية تبسيط العلوم الإدارية، أو ما يعرف “العلم الشعبي الإداري"، فقد ظهر مفهوم “إدارة المصطلحات" الذي يعمل على تبسيط المصطلحات، سواء كانت أكاديمية، أو علمية، أو تجارية، أو مهنية، لكنها غير معروفة تمامًا أو معروفة على نحو محدود، خاصة إذا كانت هذه المصطلحات والبحوث مترجمة ومنقولة عن لغات أخرى، حيث تزداد درجات التخصص والتعقيد؛ وهو الدور الذي يتقنه الـ"بوب ساينس الإداري" بجدارة.
وهنا يأتي دور إدارة المصطلحات الإدارية التي تسهم بشكل كبير في تبسيط العلوم الإدارية-فعلى سبيل المثال وبحسب موقع “ترجمة"-إذا كنت ترغب في طرح منتج أو خدمة والتسويق لها عالميًا، فلا بد وأنك تعلم مدى أهمية الترجمة الدقيقة للمحتوى الذي سيصل إلى جمهورك حول العالم. وعند البدء بترجمة المحتوى لأكثر من لغة، ستواجه صعوبات كثيرة لا سيما إذا كان النص الأصلي يحتوي على مصطلحات وكلمات متخصصة أو مرتبطة بالشركة نفسها.
إذ تعد إدارة المصطلحات أداةً تجاريةً قوية توفر الوقت والجهد والمال، خاصةً عند استخدامها مع ذاكرة الترجمة وأدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب “CAT tools". وتعمل إدارة المصطلحات على تخزين والتحكم في التعابير التي تظهر بانتظام في المواد الخاصة بمنتجاتك وخدماتك، مما يساعد على تقليل الوقت المستغرق في الترجمة وتعزيز الجودة والاتساق مهما اختلفت اللغة. ومن الممكن تعريف إدارة المصطلحات بأنها عملية تحديد وتنظيم وإدارة مصطلحات الشركة أو العميل. فمن خلال تنظيم وتحديد أبرز التعابير للشركة ووضعها في قوائم أو قواعد خاصة بالمصطلحات، يصبح بإمكان كل من يعمل على إعداد المحتوى الدخول والوصول إلى المصطلحات الصحيحة. كذلك، فمن خلال إدارة المصطلحات، يمكن التخلص من المتاعب المرتبطة بالتعابير المتخصصة سواءً ضمن القطاع الذي تعمل به أو شركتك أو عملائك.
6 مزايا
وتجدر الإشارة-وفقًا لموقع ترجمة-إلى أن إدارة المصطلحات الإدارية تقدم 6 مزايا مهمة، كالتالي:
تحقيق أقصى قدر من الاتساق للمصطلحات واللغة المبسطة.
تعزيز الإنتاجية؛ بتوفير وقت وجهود وتكلفة الفريق المطلوب لتبسيط المصطلحات وترجمتها.
توفير الوقت والتكلفة بإنتاج ما يشبه الـ"بوب ساينس الإداري" عالي الجودة والخالي من الغموض والتضارب، وما قد يتطلبه بإعادة إنتاجه وتبسيطه وترجمته مرة أخرى، خلال وقت آخر وتكلفة أخرى.
الحد من الخطأ، والذي ينتج من عدم الاتساق في المعاني والترجمات.
الهيمنة على الأسواق الأجنبية.
الحصول على ترتيب أفضل في محركات البحث.
تقييم وتفاعل
وبالرغم من ذلك، فقد تناولت العديد من المواقع الإلكترونية تقييم وجدوى الـ"بوب ساينس"، فعلى سبيل المثال طرح موقع Quora.com عددًا من الأسئلة التقييمية حوله، وهي: ما مقدار العلوم الشعبية المفيدة بالفعل لأغراض البحث؟ ما هو تعريف علم البوب؟ هل هناك أي طريقة للتمييز بين ما هو جدير بالاهتمام وما هو غير جدير به قبل البدء في إجراء البحث؟
وقد تفاعل أحدهم-عبر الموقع نفسه-بقوله: إن أكبر فائدة يمكن أن يحققها علم البوب بالنسبة للبحث العلمي والاختراعات وغيرها، هي إثارة الاهتمام بها بين الجمهور العام. إنه ليس علمًا في حد ذاته، بل هو تفسير للبحث العلمي الذي يُقصد به أن يكون مبسطًا وسهل الفهم لجمهور أوسع. لذا، فإن علم البوب هو نوع من الصحافة الهادفة للتبسيط، حيث يقرأ الصحفي ورقة بحثية أو أوراق بحثية، ويفسرها للشخص العادي. وفيما يتعلق باعتبار الـ POPSCI علمًا، فإنه لا يوجد بحث يعتبره “علمًا شعبيًا". رغم أنه من الناحية النظرية، أعتقد أن علم البوب مهم.
ويتابع قائلًا: لسوء الحظ، فإن جودة المقالات العلمية الشعبية منتشرة في كل مكان، ولكنها سيئة جدًا بشكل عام؛ إذ عادةً ما تبالغ عناوين هذه المقالات في استنتاجات العمل العلمي إلى درجة سخيفة في عناوينها. رغم أن المقالات نفسها عادة ما تكون أفضل، ولكن ليس كثيرًا. وفي أحيان أخرى يبدو أن كاتبي هذه المقالات يقرأون فقط ملخص مقال بحثي، وربما يقتصر اهتمامهم على الجزء الخاص بمناقشة النتائج؛ للحصول على بعض التخمينات. إلا أنه من الطرق الجيدة لمعرفة ما إذا كان هناك شيء جيد أو سيئ هي استخدام لغة مثيرة في المقالة الهادفة للتبسيط، والتحقق على الأقل من بعض نقاط البيانات في العمل الفعلي. وبالنسبة للمصادر الجيدة، فهناك بعض المجلات العلمية، مثل Nature، والتي تحتوي على قسم للأخبار والآراء يكون أكثر سهولة في الاستيعاب.