د.مديح الجداوي يبحث الدور المعدِّل للثقافة التنظيمية ويقترح 7 توصيات

​​​استقطاب المبدعين ومحو أمية الموظفين للتوظيف الفعال لأثر السرد القصصي للبيانات في كفاءة اتخاذ القرارات بالمنظمات

​ 

يستعرضها معكم/ د.أحمد زكريا أحمد

تحسين كفاءة اتخاذ القرار داخل المنظمات من أهم مرتكزات الأداء المؤسسي للشركات والجهات والأجهزة المختلفة؛ لأنه يكسبها ميزة تنافسية تتعلق باستراتيجياتها وخططها، سواء الراهنة أو المستقبلية، وذلك من خلال ارتباطه بالعديد من العوامل، والتي يبرز من بينها تحويل البيانات لرؤى وإثراءات مفيدة. وهنا يبرز دور السرد القصصي للبيانات كأداة تمكِّن أصحاب الرؤى ومحللي البيانات في هذه الشركات والجهات وغيرها من المنظمات من مشاركة هذه الرؤى لضمان جذب انتباه صنّاع القرار وفهمهم ودعمهم للرؤية المطروحة. وهو ما يتم تفعيله من خلال الجمع بين عناصر السرد القصصي الثلاثة: البيانات والسرد القصصي والأشكال البيانية. لذلك أجرى د.مديح بن ناير الجداوي دراسته المنشورة بـ"مجلة الإدارة العامة"، المحكَّمة الصادرة عن معهد الإدارة العامة، في عددها لشهر نوفمبر 2023م، والتي نستعرضها معكم في هذا العدد من مجلتكم "التنمية الإدارية".

3 أبعاد و3 متغيرات

لقد استهدفت الدراسة بناء واختبار نموذج متكامل لتأثير السرد القصصي للبيانات في كفاءة اتخاذ القرار عبر الثقافة التنظيمية كمتغير معدِّل (وسيط تفاعلي) التي تم تمثيلها بـ3 أبعاد وهي: الثقافة، والمناخ والمشاركة. وقد تحدد الإطاران النظري، والإجرائي للدراسة بالارتكاز على 3 متغيرات أساسية، وهي: السرد القصصي للبيانات (متغير مستقل)، وكفاءة اتخاذ القرار (متغير تابع)، والثقافة التنظيمية (متغير معدِّل).

 3 مصطلحات مهمة

ويوضح الباحث-في مستهل دراسته-المقصود بالمصطلحات اللغوية والإجرائية المستخدمة، والعلاقات بينها، والتي يحددها د.مديح الجداوي، كالتالي:

  • السرد القصصي للبيانات: مشاركة الرؤى مع متخذي القرار من خلال خلق مزيج محكم من البيانات والقصص والرسوم البيانية. ويهدف هذا السرد إلى تحويل الأرقام والرسومات إلى قصص ورؤى ملهمة ومقنعة تظهر الاتجاهات والعلاقات والنتائج المهمة في هذه البيانات. ويختلف الباحثون في تقسيم عملية السرد القصصي لمثل هذه البيانات؛ فبينما يقسمها بعضهم إلى مرحلتين، وهما: الاستكشاف، والشرح والتفسير. قسمها آخرون إلى 3 مراحل، وهي: استكشاف البيانات، وصنع القصة، وروايتها. وفي هذا الصدد يسرد الباحث التفاصيل المتعلقة بكل من: البيانات، والقصة، والرسوم البيانية.
  • الثقافة التنظيمية: مشاعر العاملين تجاه المنظمة والقيم العامة بها ومدى رضاهم عن دورهم في العمل. وتشير هذه الثقافة إلى الافتراضات الأساسية المشتركة التي يتعلمها العاملون داخل المنظمة، وتوضح طريقة التعامل مع مشاكل التكيف الخارجي والتكامل الداخلي. ويمكن تعريفها على أنها "القيم والمعتقدات والافتراضات الخفية التي يشترك فيها أعضاء المنظمة". ويرى بعض الباحثين أن الثقافة التنظيمية هي المتغير الأكثر تأثيرًا في طريقة اتخاذ القرارات الإدارية. وتتمثل أكثر أبعادها تأثيرًا في كل من: ممارسات الإدارة، والثقة، ثم العمل الجماعي. وترتبط هذه الثقافة بمجموعة من المقاييس، مثل: الجودة ورضا الموظفين وخصائص المنظمة.
  • كفاءة اتخاذ القرار: فاعلية المؤسسة في اتخاذ القرارات بحيث تتسم القرارات بالجودة والسرعة. وتجدر الإشارة إلى أن صنع القرار المستند إلى البيانات يعبر عن مدى انفتاح المؤسسة على الأفكار الجديدة التي تتحدى الممارسة الحالية بناءً على الرؤى القائمة على البيانات؛ مما يساعد المنظمة في اتخاذ القرارات.

4 أهداف رئيسية

ويؤكد د.مديح الجداوي أن القرارات الرشيدة الصحيحة يجب أن تكون من خلال مشاركة الأفكار مع الآخرين، حيث إن صانعي هذه القرارات يبحثون عن أفضل الطرق لتلقي وفهم الرؤى المعقدة بلغة يمكن استيعابها بحيث يتضح معنى البيانات التي تتم مشاركتها بسهولة. ويلفت إلى أن الأبحاث قد أشارت إلى وجود فجوة "التفسير"، وهي فجوة كبيرة بين محللي البيانات وصناع القرار، والتي يملأها "مترجمو البيانات"، وهم محللو البيانات وأصحاب الرؤى الذين لديهم القدرة على التعامل مع الأدوات المختلفة وصياغة قصص بيانات مفيدة. وهنا يتضح أن السرد القصصي للبيانات هو نهج منظم يجعل الرسائل التي تشمل البيانات والسرد القصصي والرسوم البيانية التي تتم مشاركتها مقنعة ومفهومة وجذابة ولا تُنسى، وأنه في حال تم الجمع بين هذه البيانات والسرد والرسوم البيانية بشكل صحيح، يكون لدى صاحب الرؤية قصة بيانات مؤثرة.

وحتى تتضح هذه الفكرة؛ فإنه من المفيد الإشارة إلى أن 65% من محادثاتنا اليومية عبارة عن أحاديث وحكايات عن الآخرين، ذلك أن عقولنا كبشر مبرمجة على تقبل القصص؛ لذلك يعد السرد القصصي أقوى طريقة لنشر الأفكار في عالمنا اليوم. كذلك فإن القصة الجيدة والمؤثرة تقوم بوضع تفسيرات جديدة مخالفة للتوقعات، ويتحدد لدى راوي هذه القصة/القصص 4 أهداف رئيسية متتابعة عند مشاركتها مع الآخرين، وهي: جذب الانتباه، والفهم، والتذكر، واتخاذ الإجراءات. وفي ضوء هذه الأهمية، فإن السرد القصصي للبيانات يحظى باهتمام متزايد على المستويين الأكاديمي والعملي، بالرغم من أن الأبحاث العلمية المعنية به لا تزال محدودة.

5 نتائج

وقد أسفرت نتائج الدراسة، عما يلي:

  • يؤثر كل من: السرد القصصي للبيانات، والثقافة التنظيمية؛ في كفاءة اتخاذ القرار بالمنظمات. ذلك أن زيادة ممارسات هذا السرد القصصي بين العاملين في المنظمات تؤدي إلى تحسين كفاءة اتخاذ القرار فيها.
  • يوجد تأثير معدِّل للثقافة التنظيمية على العلاقة بين السرد القصصي لهذه البيانات وكفاءة اتخاذ القرار، أي أن هذه الثقافة تتوسط هذه العلاقة، وأن هذا التأثير يتمثل في وجود العلاقة الطردية.
  • ممارسة السرد القصصي للبيانات في المنظمات كانت مرتفعة.
  • كذلك كانت ممارسة كفاءة اتخاذ القرار مرتفعة.
  • بينما كانت ممارسة الثقافة التنظيمية في هذه المنظمات متوسطة.

7 توصيات

وفي ضوء هذه النتائج تبدي الدراسة 7 توصيات، والتي من بينها: أهمية الاستفادة من السرد القصصي للبيانات في تحسين ورفع كفاءة اتخاذ القرار، وإجراء مزيد من الدراسات والأبحاث التي تشخص واقع القطاع الحكومي من استغلال هذا السرد، مع إمكانية تطبيق النموذج المقترح في الدراسة بشكل تجريبي على بعض أجهزة هذا القطاع. وضرورة إعادة النظر في الثقافة التنظيمية للمؤسسات. واستقطاب القدرات البشرية المؤهلة والمبدعة القادرة على توظيف أبعاد السرد القصصي بما يساعد متخذي القرار في الوصول إلى قرارات أفضل، إضافة لعدد من التوصيات الأخرى.

 

 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة