كيف تجري هندسة المحتوى الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق التأثير العميق؟

​​​

تسعى تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة السلوك البشري، من خلال تطوير آلات ذكية، ويقال إن هذه الآلات ستنجح في أن تصبح ذكية عندما تتخطى «تجربة تورينغ» (Turing Test)، مما يعني أنه إذا تحدث روبوت وإنسان مع بعضهما البعض، فلن يدرك البشر أن الجانب الآخر هو آلة.

وحسب مخترع الذكاء الاصطناعي، آلان تورينغ (Alan Turing)، الذي فكَّك شيفرة الهجوم الألماني على إنكلترا خلال الحرب العالمية الثانية، يتطور الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات من السياسة إلى الزراعة والترفيه، والطب والفضاء ووسائل التواصل الاجتماعي، والروبوتات والتعليم، وصولًا إلى اللغات، حيث وصلت المعلوماتية مجال الترجمة والتحليل اللغوي والتنقيب عن المعلومات وغيرها من التطبيقات الرقمية، التي تساعد المستخدم في جميع المجالات لتحقيق التأثير المعرفي العميق.

خوارزميات

وباتت وسائل التواصل الاجتماعي حالياً ساحات معارك أيديولوجية تديرها خوارزميات خفية، وتُعرَّف الخوارزميات بأنها مجموعة من القواعد والأوامر التي تنفَّذ بشكل تسلسلي ومنظم لحل مشكلة معينة، وقد سُميت بالخوارزميات نسبة إلى العالِم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي، وهي استراتيجية ترمي إلى معالجة مشكلة ما، لها معايير تحدِّد جودتها، تتمثَّل في سرعة التنفيذ، وعدم أخذ مساحة في ذاكرة الحاسوب خلال التطبيق، وإمكانية تعديلها وتغييرها بحسب المتطلبات المستجدة.

المستندات

وتهدف تقنية البحث عن المعلومات إلى التعرف إلى مجموعة من المعلومات المحددة في مجموعة من المستندات النصية واستخراجها وتنظيمها، ومع انتشار البيانات الرقمية، أصبحت الخوارزميات حاجة أساسية لإدارة البيانات الضخمة ومعالجتها، وتقوم أنظمة الخوارزميات بإجراء عمليات حسابية على مجموعات كبيرة من البيانات، وتهدف إلى العمل على تصنيفات، وتحديد المعلومات، واستخلاص ملفات التعريف للأفراد الذين عادة ما يكونون مستهلكين للمعلومات، ومن ثم، يمكن استثمارها تجاريًّا، من خلال بيع الإعلانات للأفراد بحسب اهتمامات كلٍّ منهم، كما أنها قد تُستخدم للتلاعب بهم، من خلال محاولة التأثير في خياراتهم أو حتى تحديدها.  

تحليل

وعندما نجري بحثًا في محرك غوغل تقوم الخوارزميات بتحليل المحتوى والعلامات والروابط الواردة والصادرة والدلالات الأخرى التي تتكون منها الصفحات لتحديد الروابط الأكثر تطابقًا مع كلمات البحث. وتعمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي وفق المبدأ نفسه؛ إذ تقوم بتحليل البيانات والتفاعلات الشخصية بهدف تقديم محتوى ذي صلة باهتمام المستخدم. وتقوم خوارزميات فيسبوك بتحليل جميع التفاعلات من خلال فحص الصفحات والملفات الشخصية والتعليقات والمجموعات التي يزورها المستخدم.  

كسب الربح

أما خوارزميات أغلب منصات التواصل الاجتماعي، فهي خوارزميات مغلقة وغير مفتوحة المصدر، إلا أنها تتغير باستمرار لكسب الربح، وكذلك بحسب المتطلبات الجديدة التي تفرض سرعة اتخاذ القرارات، وخصوصًا خلال الأوضاع الاستثنائية، وغالبًا ما تكون هذه القرارات غير حيادية، ما يضع المستخدم في دائرة الحتمية، لأن الخوارزميات تقيِّد حرية الاختيار، من خلال فرض ما يمكن نشره أو ما لا يمكن نشره.

آليات التفكير

ولذلك، سيكون لأدنى انحياز في عالم بناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثير في المعلومات العالمية؛ ما سيجعل جميع المستخدمين عرضة للتحيزات المعرفية (آليات التفكير) التي تعالج المعلومات بسرعة من دون اللجوء إلى التفكير العقلاني. وأغلب رواد مواقع التواصل لا يسعون إلى التأكد من المعلومات من مصادر موثوقة قبل إعادة نشرها، فـ «الفوضى سيدة الموقف». وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للخوارزميات التعرف إلى المصطلحات الممنوعة، إلا أن وجود الكلمة نفسها في سياق معين يكفي أن يحوِّلها إلى كلمة «مقبولة»، وهذا ما يتطلب فريقًا في حوسبة اللغات يعمل على توجيه الخوارزميات باستمرار.

برامج التلاعب

وبعد انتشار برامج التلاعب بالصور والفيديوهات، مثل التقنيات التي تتيح حرفيًّا تحريك شفاه شخص من خلال كلمات شخص آخر، والتقنيات التي تحلِّل التغيرات البصرية مع مرور الوقت؛ ما يتيح الحصول على محاكاة كاملة، من المحتمل أن تكون حرية الوصول للمعلومات والتعبير عبر الإنترنت في خطر؛ فأو «المزيفة» تُهدد اعتبار الإنترنت مصدرًا موثوقًا به، فباستطاعته التلاعب بالحقائق من خلال تقويض الحقيقة وتوليد مشاعر الخلط لدى الأفراد، وتوجد بعض المواقع التي تتيح التأكد من صحة بعض المنشورات، من خلال البحث عن الصور، لمعرفة ما إذا كانت قد نُشرت سابقًا؛ إذ يمكننا البحث عن مصدر الصورة المنتشرة عن طريق بعض المواقع، مثل «تين آي» (TinEye)، الذي يحتوي على 26 مليار صورة. وبهذه الطريقة، يمكن معرفة كل المعلومات التي ترتبط بتاريخ التقاطها أو تاريخ تعديلها، وأيضًا التحقق من زيفها عن طريق تحليل البيانات الوصفية التي تكون مرافقة لملف الصورة. أما فيما يختص بالإشاعات النصية، فالتحقق منها عن طريق البحث عن المصدر الرسمي في أرشيف الصحف العالمية والعربية، وأيضًا استخدام نظام «فلترة/تصفية» يومي لكلمات محددة في تويتر.

أخبار مزيفة

وقد أغلقت منصات التواصل عددًا كبيرًا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة، مثل «كليك بيت» ومنشورات تحتوي مشاهد عنف أو دعوات تحريضية أو شتائم وصورًا غير قانونية؛ ما أدى إلى تراجع مشاهدتها إلى حد كبير.

 

​ 


 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة