تطوير نموذج عملية الهاءات الثلاث للابتكار الرقمي

​​

يستعرضها/ دأحمد زكريا أحمد
يعد الابتكار الرقمي أحد أهم عوامل نجاح الاقتصاد الرقمي؛ لذلك فقد أصبح التحول الرقمي في عالمنا المعاصر وتطوراته المستقبلية ضرورة وليس خيارًا للحكومات والمنظمات لكي تظل قادرة على المنافسة في العصر الرقمي. كذلك فإن جائحة كورونا جعلت العديد من المنظمات تفكر في جعل جميع محطات ونقاط التفاعل مع المستفيد رقمية. كما أنه بسبب أهمية تقنية المعلومات في الارتقاء بالأعمال؛ تخصص العديد من المؤسسات أقسامًا وميزانيات كبيرة لتقنية المعلومات والتحول الرقمي. ناهيك عن التطور المذهل الذي يشهده الاقتصاد الرقمي، والحاجات المتزايدة جدًا للخدمات المقدمة من الحكومات والمؤسسات المختلفة. وبالرغم من هذه الأهمية للابتكار الرقمي إلا أن العمليات المخصصة له لا تزال محدودة وقليلة؛ لذلك أجرى د.خالد بن يحيى مجرشي هذه الدراسة، المنشورة في مجلة «الإدارة العامة» الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي تعد من قبيل دراسات «المستوى الثاني» لتحليل الأدبيات السابقة أو  مراجعة الأدبيات في مجال الدراسة؛ لتقديم نموذج لعملية الابتكار الرقمي، وهو ما نستعرضه معكم في السطور التالية.
الـ «هـ» 3 مرات و4 خبراء
يقرر الباحث في مستهل دراسته أن وجود عملية للوصول لنتائج مرغوبة يعد أمرًا ضروريًا. وفي المجال الرقمي توجد العديد من العمليات التي تُستخدم لتصميم وتطوير الحلول الرقمية، ولكن المشكلة تكمن في أن هناك محدودية في العمليات التي تتمحور حول الإنسان وتهدف إلى الوصول لحلول رقمية مبتكرة، وفي نفس الوقت ذات جودة عالية في تجربة المستخدم. وقد قام الباحث بمراجعة الأدبيات بغرض الوصول لاستنتاجات معينة، ومن ثَمَّ القيام بالربط والتوليف بين نشاطات مختلفة تستخدم ضمن عمليات التفكير التصميمي وتجربة المستخدم. إذ نتج عن ذلك عملية للابتكار الرقمي تتمحور حول الإنسان، وتتضمن مجموعة من النشاطات التي تدعم الوصول لحلول رقمية مبتكرة وذات جودة عالية في تجربة المستخدم. وقد أطلق الباحث على هذه العملية «عملية الهاءات الثلاث» للابتكار الرقمي نتيجة لتوظيف الحرف العربي الأبجدي الـ «هـ» 3 مرات في تصميم العملية، والتي قام 4 خبراء بمراجعة تفاصيلها.
6 سمات وعمليتان
ويتطرق الباحث إلى تحليل عدد من المحاور المتعلقة بالدراسة، والتي من بينها تعريف الابتكار، حيث توجد العديد من تعريفاته في الأدبيات. وقد تم تحديد 6 سمات أساسية تضمنتها هذه التعريفات، وهي: طبيعة الابتكار (ما إذا كان الابتكار شيئًا جديدًا أو محسنًا)، ونوع الابتكار (مُخرج أو نتيجة عملية الابتكار)، وغرض الابتكار (النتيجة النهائية التي ترغب المنظمة في الوصول إليها خلال القيام بالابتكار)، والسياق الاجتماعي (أي كيان اجتماعي أو نظام أو مجموعة من الأشخاص الذين يشاركون في عملية الابتكار أو العوامل البيئية التي تؤثر عليها)، وموارد الابتكار (مثل الموارد التقنية والإبداعية والمالية)، ومراحل الابتكار (جميع الخطوات التي يتم القيام بها أثناء عملية الابتكار). وفي ضوء ذلك؛ يلفت الباحث إلى أنه بالرغم من ثراء وعمق أدبيات الابتكار الرقمي، إلا أنه لا يوجد اتفاق حول مفهوم هذا النوع من الابتكار.
كما أنه توجد العديد من العمليات متعددة المراحل للابتكار الرقمي، بيد أن الباحث يسلط الضوء على مراجعة عمليتين فقط. أولاهما عملية قدمها كل من كوهلي وملفيل، والتي تتضمن عدة مراحل، وهي: اشرع، وطور، ونفذ، واستغل. بينما العملية الثانية اقترحها فيشمان وآخرون، وتتضمن 4 مراحل هي: الاكتشاف، والتطوير، والانتشار، والتأثير.
الإنسان والمستخدم
وتشير الدراسة إلى أن التصميم المتمحور حول الإنسان ينظر إليه كنهج لحل المشكلات، حيث يتم استخدامه في الوصول إلى حلول تلبي الاحتياجات من خلال اتخاذ المنظور الإنساني محورًا في جميع خطوات عملية حل المشكلات. ويعود مجال التصميم المتمحور حول الإنسان إلى بداية القرن العشرين، وخلال العقد الأخيرة منه وحتى وقتنا الراهن تم تبني فلسفة ونهج هذا التصميم في مجالات متنوعة، كتصميم التجربة والتصميم الصناعي وتصميم التفاعل. وقد تنبه المختصون في مجال الحوسبة منذ مراحل مبكرة إلى أن هناك حاجة إلى مراعاة القدرات والخصائص البشرية عند تصميم التقنيات والأنظمة.
كما يلفت الباحث إلى أن التصميم المتمحور حول المستخدم UCD يعد نهجًا أو فلسفة تؤكد أن المشاركة المبكرة والمستمرة للمستخدمين في عملية التصميم والتقييم. وقد ظهر هذا المصطلح في السبعينيات من القرن العشرين، وبدأ يشتهر في العقد التالي له. ويكون التركيز في نهج التصميم المتمحور حول المستخدم على المستخدم بشكل أكبر من أساليب جمع المتطلبات والمواصفات. وقد جاء هذا النهج لينقل التركيز من عمليات التصميم الخطية الصارمة التقليدية إلى عمليات التصميم التكرارية المرنة. وتوجد العديد من العمليات التي بنيت بالاستناد إلى فلسفة ونهج التصميم المتمحور حول المستخدم. كما تشتمل عمليات هذا النوع من التصميم على عدة مراحل أو نشاطات، حيث يركز المصممون والمطورون في كل مرحلة على إشراك المستخدمين. وعادةً، هناك 4 مراحل عامة، أولاها مرحلة فهم السياق، والثانية هي مرحلة التحديد، وثالثتها مرحلة التصميم، أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التقييم.
التفكير التصميمي و6 نماذج
وبصفة عامة، لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للتفكير التصميمي؛ بسبب تعدد السياقات التي يُستخدم فيها المفهوم. ويعد التفكير التصميمي نهجًا يجمع بين 3 أشياء هي: الرغبة الإنسانية، والإمكانية التقنية، والجدوى الاقتصادية. ويرتكز هذا التفكير على ما يمكن تسميته بحساسية المصمم والأساليب التي يستخدمها لبحث احتياجات الأشخاص، والمواءمة بين هذه الاحتياجات والإمكانيات التكنولوجية.
وتوجد العديد من نماذج عمليات التفكير التصميمي التي تستخدم في الابتكار أو مجال الأعمال، وتتناول الدراسة 6 نماذج منها، وهي: نموذج عملية المراحل الخمس الذي اقترحته جامعة ستانفورد، ونموذج عملية التفكير التصميمي لمعهد هاسوبلاتنر (بجامعة بوتسدام في ألمانيا)، ونموذج عملية التصميم المتمحور حول الإنسان، ونموذج عملية الماس المزدوج من مجلس التصميم البريطاني، ونموذج عملية التفكير التصميمي طبقًا للويريك ولينك ولايفر، ونموذج عملية الماس المزدوج للتفكير التصميمي من معهد الابتكار العالمي.
استنتاجات مهمة
وينتقل الباحث إلى استعراض الاستنتاجات التي تطرقت لها دراسته في المراجعة الوصفية للأدبيات؛ للإجابة عن سؤال مهم، وهو: ما مدى وجود حاجة لتطوير عملية للابتكار الرقمي؟ وهو ما يمكن التعرف عليه من خلال العديد من الاستنتاجات الأولية، والتي من بينها ما يلي:
• مفهوم الابتكار الرقمي غير متفق عليه في الأدبيات.
• استخدام بعض عمليات الابتكار الرقمي تسميات مختلفة للمراحل، إلا أن مراحلها تتشابه نسبيًا.
• يُنظر لعدد من عمليات الابتكار الرقمي الحالية كعمليات تسلسلية وخطية صارمة.
- العديد من عمليات الابتكار الرقمي واسعة.
• هناك العديد من عمليات الابتكار الرقمي غير متمحورة حول الإنسان.
• تعتبر عمليات التفكير التصميمي عامة وتستخدم في مجالات مختلفة.
• تركز عملية تجربة المستخدم على الوصول لمنتجات رقمية بجودة عالية، ولا تستهدف بشكل أساسي الخروج بحلول رقمية مبتكرة.
• هناك فجوة تتمثل في محدودية العمليات المخصصة للابتكار الرقمي.
• توجد حاجة أو فرصة لتطوير عملية للابتكار الرقمي عبر الدمج بين نشاطات من عمليات التفكير التصميمي وتجربة المستخدم.
3 فضاءات و10 مبادئ
وبصفة عامة، يخلص الباحث إلى تعريف للابتكار الرقمي على أنه: «عملية متعددة المراحل تهدف إلى الوصول لمُخرج رقمي جديد أو محسَّن، وذي قيمة، وبجودة عالية في تجربة المستخدم»، وهو التعريف الذي بناء عليه اقترح نموذجًا لعملية الابتكار، والتي تعرف بعملية الهاءات الثلاث، حيث تتضمن هذه العملية 3 فضاء، وكل فضاء يشتمل على 3 مراحل، كالتالي:
• فضاء المشكلة: ويتضمن مراحل: الاستكشاف، والتعريف، والتحديد.
• فضاء الفكرة: ويتكون من مراحل: الافتكار، والتصميم، والتجسير.
• فضاء التطوير: ويحتوي على مراحل: النمذجة، والتقييم، والتبصر.
كذلك يبين الباحث أن هناك 10 مبادئ لعملية الهاءات الثلاث، وهي: التعاطف، وتعريف المشكلة، والاستناد للبيانات والأدلة، والإشراك والتعاون والمشاركة، وتعدد التخصصات، والتمثيل المرئي والنمذجة الأولية، والتجريب، والوعي والتخصيص والتكيف، والتكرار، وتلبية الاحتياج مع عدم الانقياد.






 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة