دراسة حديثة تناقش الدور التوعوي للجنة مكافحة جرائم الاتجــــار بالأشخــاص بالمملكـة.. وتقــدم 12 توصيــــة مهمــــة

​تعد جرائم الاتجار بالأشخاص من أسوأ وأبشع أنواع الاستغلال الإنساني؛ لأنها تمثل انتهاكًا صارخًا لكرامة الإنسان، بطرق عديدة. وللأسف فإن الفقراء هم أكثر ضحايا هذه النوعية من الجرائم؛ لذلك يسعى المجتمع الدولي بمختلف هيئاته ومنظماته إلى التصدي لها، بعد أن أضحت ظاهرة صارخة تجسد نمطًا مخزيًا للرق والعبودية بقناع معاصر. وقد اهتمت المملكة العربية السعودية بالمشاركة الفعالة في الجهود الرامية لمكافحة الاتجار بالأشخاص من خلال الاتفاقيات العالمية المعنية بهذه الجرائم، والتوعية بها. وفي ضوء ذلك تناولت د.فضية بنت ثاني الريس هذه الظاهرة، من خلال دراستها الهادفة إلى استكشاف الدور التوعوي للجنة مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في المملكة، المنشورة في العدد الخاص من مجلة «الإدارة العامة» الصادرة عن معهد الإدارة العامة، والتي نستعرضها معكم في هذه السطور.

جهود دولية وسعودية
لقد تغير مفهوم استرقاق البشر خلال مراحل تطور المجتمع الإنساني، وانتقل من مرحلة الرق المباشر إلى العبودية غير المباشرة، من خلال ممارسة الاتجار بالبشر التي أصبحت تشكل خطورة في العصر الحاضر على المجتمعات المختلفة، سواء أكانت مُصدًّرة للضحايا أم منطقة عبور أم مستقبِلة لهم، إذ يمثل الفقر أحد أهم العوامل التي أسهمت في انتشار هذه الظاهرة في دول العالم التي تشهد ترديًا في الأوضاع الاقتصادية وتنتشر فيها الصراعات السياسية والحروب.
لذلك سعى المجتمع الدولي بجهود حثيثة للحد من تلك الظاهرة، حيث ظهرت اتفاقيات الأمم المتحدة، وبروتوكولات منع ومعاقبة الاتجار بالبشر وقمعهم في عام 2000م، وهو ما دخل حيز التنفيذ عام 2003م، وقد وصلت الجهود الدولية لمنع هذه الظاهرة والحد منها إلى أقصى درجة ممكنة. وفي هذا السياق، تعد المملكة إحدى الدول التي اهتمت بمواكبة كل هذه الاتفاقيات العالمية والتصديق عليها والعمل بمقتضاها.
أبرز 12 عاملًا
وعلى الجانب العلمي للبحوث والدراسات المعنية بتلك الظاهرة، فقد أفصحت نتائج كثير منها عن وجود اختلاف بين الدول في العوامل التي تصنع رواج الاتجار بالبشر، والتي يمكن إجمال أبرزها في كل من: الفقر، وضعف الوعي سواء بالاتجار نفسه أو بالحقوق لدى العمال، والأبعاد الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالنظرة السلبية والمجحفة بحق الضحايا من جرائم الاستغلال الجنسي، ونقص التدريب بين جميع أصحاب المصلحة فيما يتعلق بكيفية التعرف على ضحايا الاتجار بالبشر، وعدم تحديث القوانين لتعكس الاتجاهات المتغيرة في السلوكيات الإجرامية والاجتماعية، وضعف موارد الدولة، والقبول النفسي للظاهرة الناتجة عن العقل الجمعي لدى بعض الفئات، والخلل في صياغة القوانين التي تجرم الاتجار بالبشر، والنزاعات والصراعات المسلحة، والمشكلات النفسية التي يواجهها الضحايا، والفجوة الإيديولوجية لدى جيل الشباب الساعي للحصول على المكاسب المادية بأسرع وقت ممكن.
الإعلام ودور مزدوج
وتعد التوعية بظاهرة الاتجار بالبشر من الأهمية بمكان أنها تلعب أدوارًا مهمة سواء في مكافحتها أو الترويج لها وانتشارها، وهو ما أكدته البحوث والدراسات السابقة، والتي أشارت العديد منها إلى أن وسائل الإعلام تعد مصدرًا رئيسًا للمعلومات عنها. وعلى النقيض من ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في تفشي تلك الظاهرة ولعبت دورًا لا يُستهان به في تسهيل العمليات غير المشروعة لتجارة الأعضاء، واستقطاب ضحاياها من خلال منصات الفيس بوك أو الواتساب. ويتضح من مراجعة هذه الأدبيات أن هناك 3 استراتيجيات رئيسة، استخدمتها منظمات مختلفة، سواء أكانت دولية أم إقليمية أم وطنية، لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر عالميًا، والتي تمثلت في كل من: المنع، والقمع، ودعم الضحايا.
اهتمام المملكة
وقد أنشأت المملكة لجنة مكافحة الاتجار بالأشخاص في هيئة حقوق الإنسان بمرسوم ملكي عام 1430هـ الموافق 2009م، حيث تكونت من ممثلين عن كل من: وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة العمل، ووزارة الثقافة والإعلام، وهيئة حقوق الإنسان، وقد أُضيف مؤخرًا ممثل من وزارة التعليم، وآخر من وزارة الصحة.
والجدير بالذكر أن اهتمام المملكة بحقوق الإنسان لم يكن وليد العصر، بل بدأ منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود-يرحمه الله-بإصدار مرسوم في عام 1936م يقضي بتنظيم شؤون الرقيق وإعطائهم الفرصة بشروط محددة أن يصبحوا أحرارًا، وبموجب هذا المرسوم تم حظر استيراد الرقيق عن طريق البحر، وفي عام 1962م صدر بيان وزاري أعلنت فيه المملكة إلغاء الرق، وتحرير جميع الأرقاء مع تعويض المستحق للتعويض، ولا تزال الدولة تبذل الجهود الحثيثة والمستمرة من أجل مكافحة هذه الظاهرة إلى أقصى درجة ممكنة. ولقد أولت المملكة اهتمامًا بمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص عبر منظومة متكاملة ممثلة في إصدار نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، والانضمام إلى الاتفاقيات والبروتوكولات المعنية بتلك الظاهرة.
شكلان وهدفان و3 استراتيجيات
وانطلاقًا من الدور المهم للإعلام، بخاصة الحسابات المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كتويتر، وأهمية التوعية في مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر؛ فقد أجرت الباحثة تحليلًا كيفيًا للبيانات التي قامت بتجميعها من حساب لجنة مكافحة جرائم الاتجار بالبشر بمنصة تويتر، خلال الفترة من يناير 2021م حتى نهاية أبريل 2022م.
وفي ضوء ذلك خلصت الدراسة للكثير من النتائج، والتي كانت من أبرزها ما يلي:
• هناك هدفان استراتيجيان تحرص اللجنة على بذل الجهود الواسعة لتحقيقهما، هما: التوعية المباشرة لأفراد المجتمع بكل ما يتعلق باهرة وقضية الاتجار بالبشر، والتوعية غير المباشرة من خلال تعريف العامة بجهود اللجنة.
• يوضح حساب اللجنة أنها سعت إلى استخدام الاستراتيجيات الشائعة عالميًا لمكافحة ظاهرة الاتجار بالأشخاص، وهي: استراتيجية المنع المرتبطة بالتوعية، واستراتيجية القمع المرتبطة باكتشاف الجرائم وسن العقوبات الرادعة لها، واستراتيجية الدعم المنقطع النظير لضحايا جرائم الاتجار بالبشر.
• سعت اللجنة إلى رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع بكل ما له علاقة بظاهرة الاتجار بالأشخاص، وذلك بشكلين رئيسيين، أولهما التوعية المباشرة بهذه الظاهرة، كالتوعية بجميع الاتفاقيات والصكوك الدولية المنضمة إليها المملكة والحرص على تفسير وتعريف كل المصطلحات الواردة فيها، وشرح مؤشرات الاتجار بالأشخاص، والحرص على استخدام كلمات بعينها. أما الثاني فيتمثل في التوعية غير المباشرة، حيث التعريف بجهود اللجنة والوزارات المعنية بالمملكة في مجال الحقوق الممنوحة للعمالة أو من حيث الحماية للضحايا، كالتعريف بإلغاء نظام الكفالة، والتعريف بالبرامج والمشاريع الجديدة التي تخدم حقوق الإنسان.
12 توصية
وبالرغم من إقرار الدراسة بفعالية لجنة مكافحة الاتجار بالأشخاص في مجالي التوعية المباشرة وغير المباشرة، إلا أنها تبدي 12 توصية؛ لمراعاة بعض الجوانب، والتي من بينها-على سبيل المثال-ضرورة التوعية عن مدى انتشار ظاهرة الاتجار بالأشخاص في المملكة، وطرح إحصائيات ترصدها، وتوضيح صورها الشائعة، واعتماد الحملات التوعوية الموجهة التي تسهم في تغيير الاتجاهات للعمالة من خلال زيادة التثقيف الممنهج بحقوق الآخرين بشكل عام، واستثمار الثورة الإعلامية الراهنة في بناء وعي أكبر بقضايا الاتجار بالأشخاص وخطورتها  على المجتمعات من خلال برامج مصورة وموجهة لفئة الشباب بشكل خاص ودعم البرامج الإعلامية التي يمكن تقديمها من خلالها القطاع الخاص، وإجراء استطلاعات موسعة لقياس مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع بظاهرة الاتجار بالأشخاص.



 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة