التدريــب أثنــاء العمــل


يكتسب التدريب في العمل أهمية كبيرة، كطريقة تدريبية مهمة في صناعة اليوم، وخاصة في البلدان التي تحاول أن تزيد من سرعة عجلة التقدم في عالم التكنولوجيا المعقدة؛ لكي تحافظ على معدلات الإنتاج وزيادتها إلى معدلات مقبولة. ويستخدم البعض مصطلح التدريب أثناء العمل On-The-Job-Training بصورة خاطئة، ويعتقدون أنه يعني التعلم من خلال الخبرة والممارسة، ومثل هذه الفكرة قد تكون صحيحة في الماضي، ولكن ينبغي ألا يستمر هذا المفهوم حتى الآن.
فالتدريب الذي يقوم أو يعتمد أو يبنى على التجربة والخطأ يعتبر مضيعة للوقت والجهد والمال، حيث إنه غالباً ما يستغرق وقتاً أكثر مما ينبغي دون وجود ضمانات حقيقية لتعلم المستهدفين من التدريب المهارات المطلوبة. فمن غير المعقول أو المقبول أن يعتمد التدريب على إلقاء الفرد في مياه عميقة وتركه من خلال المحاولة ليتعلم السباحة. 
ولقد تنامت بصورة سريعة استراتيجيات التدريب أثناء العمل في منظمات الأعمال والشركات والمصانع؛ وذلك لما يتميز به من كونه تدريباً عملياً وواقعياً، وأهم ما يقدمه هذا الأسلوب من مميزات هو مساعدة الأفراد المشاركين في التدريب في إظهار ما لديهم من معارف ومهارات، ويقوم الموجه والمدرب بتقويمها وتصويبها أو إكسابهم الجديد وتغيير القديم.
فالأفراد يتعلمون أداء الأعمال المطلوبة منهم في أعمالهم، من خلال ما يكتسبونه من محيط العمل الفعلي تحت توجيه أحد المشرفين، وتؤدى أساليب التدريب في العمل بأشكالها المختلفة والمتعددة إلى تحقيق فائدة كبيرة في اكتساب المعارف والمعلومات والمهارات اللازمة لأداء المهام المطلوبة في الكثير من البيئات التعليمية والتنظيمية.
ويرى الكثيرون أن التدريب أثناء العمل يعطي ميزة كبرى للمشاركين فيه؛ نظراً لأن طبيعة الأساليب التي يستخدمها تقلل من الإحباطات، من خلال إعطاء الفرد الفرصة لأداء المهام بأسرع طريقة ممكنة، حيث يستطيع أن يرى ويشعر ويتحرك في وقت واحد تجاه ما يريد أن يقوم به ويحصل على نتيجة أدائه بشكل فوري ومباشر، كما يؤدى هذا الأسلوب إلى تقليل الإحساس بالاغتراب لدى العاملين الجدد، من خلال التدريب في بيئة تعليمية واقعية، وذلك باستخدام المشرفين والموجهين في العملية التعليمية.
ولكن..هل عملية التعلم أثناء العمل تتم بشكل عشوائي؟
ولكي تكون الإجابة عن هذا السؤال أكثر وضوحاً، يمكن-أيضًا- صياغة السؤال بالشكل التالي: هل تحدث عملية التعلم باستمرار بغض النظر عن وجود أو عدم وجود برنامج تدريب مخطط، أو مشرف أو موجه يتحمل مسئولية التدريب؟
مما لا شك فيه أن التعلم يحدث بصورة تلقائية نتيجة للتفاعل بين زملاء العمل والاحتكاك الدائم مع الرؤساء والمرؤوسين والمشرفين، ومن خلال الحصول على التغذية العكسية، أو التعرف على رد الفعل تجاه الأداء، أو ما يبديه الآخرون من ملاحظات سواء كانت سلبية أم إيجابية.
ولا نستطيع أن نقول: إن هناك منظمات أو شركات لا تستخدم التدريب أثناء العمل بشكل مطلق، ومع أن البعض منها ينفي أنه يستخدم هذا النوع من التدريب، إلا أن واقع الأمر يقول: إن هناك مهارات تكتسب أو تدعم، ومعلومات تنتقل من فرد لآخرين أو العكس. ولكن ذلك لا يتم غالباً مع عدم وجود برنامج ذي صفة رسمية، كما أن عملية تبادل الخبرات والمهارات والمعارف تكون متروكة للصدفة وتتم بطريقة عشوائية. فمن الممكن أن يتم ذلك من خلال زميل متعاون، أو من خلال محاولات ذاتية فردية لتطبيق بعض المعلومات التي تعلمها الفرد من قبل، أو حصل عليها حديثاً بعض الأفراد وغالبًا ما يحكم هذه الطرق عمليات التجريب، أي الممارسة ومحاولة تصحيح الأخطاء، أو ما يطلق عليه البعض التجربة والخطأ.
وعندما يتم تخطيط التدريب أثناء العمل بشكل جيد فهو يمثل في هذه الحالة طريقة منظمة للتدريب؛ إذ يتم تصميمه لمساعدة المشارك فيه، من خلال فتح قنوات متبادلة مع المشرف والموجه لإرسال التعليمات والمعلومات واستخدام الطرق التي تؤدي لاكتساب المهارة المطلوبة، أو تطويرها أثناء العمل الفعلي، وفي الوقت نفسه تحمل هذه القنوات في الاتجاه العكسي نتائج ما يتحقق من تقدم في الأداء المطلوب، من خلال ما يبديه هذا المشرف أو الموجه من تعليمات أو إظهار الرضا عن هذا الأداء.
ويؤدي التخطيط والتصميم الجيد للتدريب أثناء العمل إلى النجاح في تحقيق تقدم ملموس في الأداء، بل ويؤدي إلى إحداث نقلة ملموسة-أيضاً-للموظف أو العامل من مستوى المبتدئ أو تحت التمرين إلى مستوى المحترف، كما يؤدي أيضاً إلى التغلب على أوجه القصور في المهارات، وهذا يبدو واضحاً بعد الانتهاء من تنظيم برنامج التدريب الرسمي.
وختامًا، يمكن القول إنه لا يوجد تعارض بين أوجه التدريب المعتادة، مثل البرامج التدريبة التي تعقد للأفراد في قاعات التدريب في مجموعات وبين التدريب أثناء العمل، ففي برامج التدريب المعتادة يستطيع الفرد أن يحصل على المعارف والمعلومات ويستطيع تهيئة أو بناء الاتجاهات الإيجابية نحو الأداء والمهارة المطلوبة، بينما يتحمل التدريب أثناء العمل مسئولية بناء وتكوين المهارة بشكل واقعي وعملي ربما تعجز عن تحقيقه برامج التدريب المعتادة أو قد تأخذ وقتاً طويلاً للوصول إلى ذلك.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة