تساؤلات مطروحة.. أيـن الإدارة العربية؟ وأيـن نظرياتها؟

​​​​​لماذا لا يزال العرب حتى هذه اللحظة غير قادرين على طرح «نظرية» معينة في الإدارة تضاف إلى التراكم المعرفي في هذا الحقل المهم على غرار نظريات وطروحات الإدارة الأمريكية والألمانية واليابانية؟ ولماذا رغم وجود عدد كبير من معاهد وكليات الإدارة في الجامعات العربية، وصفوة الأساتذة والباحثين والخبراء لا توجد نظرية عربية واحدة خالصة في الإدارة ومساراتها المختلفة؟ 

المناجم والمصانع
للإجابة على هذه التساؤلات يقول الخبراء والمتخصصين العرب في الإدارة: «لابد أن نعرف أن مبادئ ونظريات الإدارة في الغرب والثقافات الأخرى عندما نشأت لم يضعها المفكرون الإداريون، إنما وضعها المهندسون، كما هو الحال مع مهندس التعدين الفرنسي «هنري فيوول» (1925-1841م)، الذي أسس الإدارة الكلاسيكية، وكذلك المهندس الميكانيكي الأمريكي فريدريك تايلور (1915-م1856)، الذي وضع نظرية الإدارة العلمية، وعد قدرة الغرب على وضع نظرية في الإدارة يكمن في أن مبادئ ونظريات الإدارة الغربية نشأت وترعرعت أولاً في كنف المناجم والمصانع، وانطلقت بالأساس من فكرة تحسين ورفع إنتاج العمال، واستغلال الموارد، ومن العلاقة الوطيدة بين النهضة الصناعية (الإنتاج) التي شهدها الغرب، وتطور مفاهيم الإدارة». 
البيروقراطية والفساد
ويرى آخرون أن العرب لا يزالون يرزحون تحت ضغوط البيروقراطية، وغير قادرين على وضع أية نظرية في الإدارة أو التأثير على الأمم الأخرى في المجال الإداري، فالتفوق الإداري يستلزم أولاً التفوق الاقتصادي، وهذا يتطلب استقرار المجتمع بشكل عام، وهذه أمور غائبة عن معظم البلدان العربية. 
القبيلة وليس المصنع
وفي هذا الجانب المهم يرى عالم الاجتماع الهولندي «غيرارد هوفستيد» أن الفوارق الثقافية تؤثر على الإدارة في كل بلد، وبالتالي فإن منشأ الأساليب الإدارية العربية يأتي من أساليب الإدارة القبيلة والعائلية، وليس إدارة المصنع أو المنجم، فعلى سبيل المثال عملية اتخاذ القرار تتم على يد شيخ القبيلة أو كبير العائلة، الذي غالبا ما يتخذها بصورة فردية استبدادية دون التشاور مع أفراد القبيلة، وهذا ما يحدث في المنظمات العربية، حيث إن القائد غالباً ما يدير المنظمة بصورة «مستبدة» تكون كلمته الفصل، ولا يدير العمل بصورة تشاركية أو تشاورية أي عكس ما تنادي به أساليب الإدارة الأمريكية واليابانية. وغالباً عملية الاتصال في القبيلة أو العائلة تتم في اتجاه واحد أي تصدر من الأعلى إلى الأسفل، وهذا مماثل لعملية الاتصال في المنظمات العربية التي تفتقر إلى الاتصال في اتجاهين من الأعلى إلى الأسفل والعكس، وغياب هذا النوع من الاتصال يؤدي بالموظفين العرب إلى عدم المبادرة وطرح الأفكار الجديدة، وينحصر دورهم في مجرد تلقي وتنفيذ أوامر المديرين وتعليماتهم.
العلاقات الإنسانية
كذلك تكوين العلاقات الإنسانية في القبيلة تتم على أساس النوع، وبالتالي يتم الانتماء والولاء على أساس النسب، كما يتم تعيين أفراد القبيلة أو تكليفهم بالأعمال الحيوية حسب درجة قربهم اجتماعياً، وهذا تماما ما يحدث في المنظمات العربية التي لا تتم فيها التعيينات أو الترقيات على أساس الكفاءة، بل على أساس درجة الولاء لقائد المنظمة (شيخ القبيلة)، وهذا ما ينشر الواسطات والمحسوبيات بشكل كبير. كذلك القبيلة العربية تعلي من شأن «الكرامة» بصورة مفرطة، لدرجة أن تكون إما معي (حليف) أو ضدي (عدو)، وهذا ما يخلق افتراض أن كل أفراد القبيلة الواحدة على حق (التعنت بالرأي والتمسك به)، وغيرهم على خطأ، وهذا ما نلمسه في المنظمات العربية التي نادراً ما تعترف بالأخطاء أو تعتذر عن ارتكابها أو تعلن مسؤوليتها عنها (مما يدخلها في دوامة الأزمات)، فتظهر هذه المنظمات إما تنفي صحة وقوع هذه الأخطاء أو أنها تلقي باللائمة على المنظمات (القبائل) الأخرى. 
انتصارات وهمية
إضافة إلى أن القبيلة تكيل «المديح» لنفسها على انتصارات حقيقية أو وهمية، وترسخ هذه الأفكار عبر الأجيال من خلال أشعار التمجيد، وهذا ما يتم في المنظمات العربية حين تتحدث عن إنجازات – معظمها وهمي – تأتي مطبوعة في التقارير السنوية أو منطوقة على لسان المتحدثين الرسميين، ومسؤولي الاتصال المؤسسي والعلاقات العامة الذين يؤدون دور شعراء القبيلة (تمجيد القبيلة وذم ما سواها). 
تهميش دور النساء
وفي ذات السياق يرى الخبراء أن المنظمة العربية التي تمثل (القبيلة) تعلي من شأن أفرادها الذكور، وتهمش من دور النساء، وهذا «التمييز» يتكرر في المنظمات العربية التي لا تكفل للمرأة العاملة المساواة في الحقوق والواجبات كما هو الحال مع الرجل العامل، بل تمارس عليها «الضغوط» عند التعيينات أو الترقيات. 
التردي الإداري
وهنا نعود لنطرح السؤال المهم حول سبب عدم وجود نظريات عربية في الإدارة أسوة بالمجتمعات والثقافات الأخرى. وهل الإدارة في المنظمة العربية والإدارة في القبيلة العربية هما وجهان لعملة واحدة؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فهل هذا يفسر التردي الإداري في المنظمات العربية؟ وأنها ما تزال تدار بالأساليب ذاتها التي كانت تدار بها القبائل العربية الممتدة من الخليج إلى المحيط.  
وبالتالي كيف يمكن التخلص من الأساليب غير الناجحة المرتبطة بفترة زمنية مضت، والتركيز أكثر على كيفية تطوير مبادئ وأساليب إدارية عربية جديدة.


 
 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة