تحاشي المرأة القياديّة

​​​

حينما تدخل إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في الكويت، سيلفتك شيء واحد وهو الأعداد الهائلة للنساء في جميع الأدوار. سألت أحد الموظفين: كم تتوقع نسبة النساء هنا، فافترّ ثغره عن ابتسامة وكأنه عرف مقصدي فقال من دون تردد: أتوقع 80 في المئة ولا أظنه يبالغ، فكان ذلك بالفعل انطباعي. 
في الكويت تعد هذه المنظمة من أنجح المؤسسات الحكومية في البلاد من ناحية النظام، وقوة اللوائح والإجراءات، وحسن انتقاء الموظفين، والثقافة السائدة فيها. ولحسن الحظ أن معظم العاملين فيها من النساء. كان الانطباع السائد قديماً في مجتمعات كثيرة أن(المرأة مكانها البيت)، وتلك العبارة قد تنطوي على مديح للمرأة التي تربي الأجيال، إذا ما تكفل أحد برعايتها، كما يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها                    أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

غير أن العصر الحديث ومقتضياته المادية، وارتفاع سقف تعليم النساء، وتنامي آمالهن وطموحاتهن، فضلاً عن بروز مواهب خلاقة (شخصية وإدارية وقيادية) كل ذلك دفع (المجتمع الذكوري) حول العالم إلى تقدير دور المرأة في شتى الميادين، خصوصاً نجاحها في الموازنة بين أدوارها ‏الحياتية والمهنية.
ورغم أنهن نصف المجتمعات، ويشكلن شطر خريجي الجامعات والمعاهد في بلدان كثيرة، إلا أن هناك فجوة عندما يتعلق الأمر باختيار المرأة لمناصب قيادية. فما زال تمثيل المرأة محدوداً في رأس الهرم الإداري حول العالم. ولا تتجاوز نسبة النساء الوزيرات خمس وزراء العالم (21%)، وأخفقت جهود عديدة في إدخالهن مجالس الإدارة والهيئات العليا.
وعندما خاض الانتخابات البرلمانية الكويتية 207 مرشحاً و13 مرشحة، لم تسفر اختيارات الناخبين (794 ألفاً) سوى عن اختيار نائبة واحدة من ضمن 50 نائباً في برلمان منتخب بالكامل. المفارقة أن في أول انتخابات لمجلس الأمة تشارك فيها النساء عام 2009 نجحت أربع مرشحات في حدث تاريخي حينها، ثم تراجع العدد ليشكل نسبة 2 إلى 4 في المئة من عدد النواب.
هل المرأة عدوة المرأة؟ هذا تساؤل وجيه يطرح نفسه، فكيف يمكن أن يكون نصف المقترعين من النساء ولا يساهمن بالتصويت لمن يمثلهن، على أقل تقدير التصويت للنساء. ويبدو أن المشكلة ليست عربية بل عالمية، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد النساء في البرلمانات في حدود ربع عدد الرجال (26%) في عام 2021! ومن غير المعلوم ما إذا كان ذلك يشمل الكوتا من عدمها (أي تخصيص حصص إجبارية للنساء). ولا تحتل المرأة سوى ثلث (34%) مقاعد الحكومات المحلية المنتخبة، بحسب تقرير لـ(الحرة).
الحلول ليست يسيرة، ربما أسهلها خيارات الكوتا النسائية، لكنني شخصياً لا أحبذها في البرلمان، حتى لا يُفرض شيء على الناخبين لا يفضلونه أو بالأحرى(لا يفضلنه)! لكنني أميل إلى مرحلة انتقالية في تخصيص مقاعد نسائية في مجالس الإدارة أو في المجالس الاستشارية وغيرها للكفوءات.
ويبدو أن مسألة ردم الهوة بين المرأة والرجل تحتاج ردحاً من الزمن، إذ يشير رصد المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير بعنوان لفجوة العالمية بين الجنسين 2023 إلى أن النساء لن يحققن المساواة مع الرجال لمدة 131 عاما أخرى، أي يصعب تحقيق ذلك المطلب حتى عام 2154!
ولم تفلح سوى تسع دول فقط في سد ما لا يقل عن 80 في المئة من فجواتها وفي مقدمتها: أيسلندا التي تعد أكثر دولة في العالم في المساواة بين الجنسين وللعام الرابع عشر بنسبة 91 في المئة. تليها النرويج وفنلندا ونيوزيلندا والسويد وألمانيا ونيكاراغوا وناميبيا وليتوانيا. وهو أمر يدعو إلى التأمل في تلك التجارب. وكانت المفارقة أن الولايات المتحدة الأميركية حاملة لواء المساواة تقبع في المرتبة 43 بدرجة تعادل 74.8 في المئة!
ويبدو أن مشوار كفاح المرأة ما زال طويلاً، وهذا لا ينفي بروز نماذج نسائية مشرفة، منها رئاسة تحرير هذه المطبوعة التي تديرها امرأة وما زالت تحافظ على رصانتها وعراقتها.




 
انفوجرافيك
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة