بـوابة التوظيف العـصري وتطوير الإدارة

​​إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد​

في عام 1947م كان العالم على موعد مع "جابور" وكشفه عن تقنية الهولوجرام التي تطورت بشكل ملفت بمرور 13 عامًا مع ظهور الليزر، حيث ارتاد العالم مجال الصور المجسمة ثلاثية الأبعاد التي أضفت نوعًا من الواقعية، خاصة مع التطور الرقمي، والتحول إلى الواقع المختلط. وقد كان لعالم الإدارة والأعمال نصيبًا كبيرًا في الاعتماد على الهولوجرام كتقنية واعدة أسهمت بتطبيقاتها واستخداماتها في تطويره، وإتاحة آفاق واعدة في عالم التوظيف، سواء في الاجتماعات أو المقابلات والمؤتمرات عن بُعد، أو التسويق والإعلان، أو التدريب الإداري وتنمية المهارات والقدرات، وغيرها، بل واعتمدت عليها الشركات والمؤسسات المختلفة كمزايا تنافسية لها تميزها عن منافسيها. ونتيجة لتوظيف الذكاء الاصطناعي وتخزين البيانات في تطبيقات تقنية الهولوجرام يتوقع الخبراء مستقبلًا مبشرًا وواعدًا في مجال الإدارة والتوظيف، وهو ما نستعرضه معكم في هذا التقرير.

تطور مذهل
يمكن الإشارة إلى أن فكرة التصوير المجسم هو الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها تقنية الهولوجرام. ووفقًا لموقع Respeecher؛ فإن هذا النوع من التصوير يعد طريقة فريدة يتم من خلالها تسجيل الكائنات بطريقة ثلاثية الأبعاد باستخدام تقنية الليزر التي يتم إضاءتها من خلاله، ثم استعادتها بأكبر قدر ممكن من الدقة؛ لتتناسب مع الكائن الأصلي لهذا التصوير، والذي يتم تجسيمه، إذ يمكن للصور المجسمة أن تشكل استنساخًا-ثلاثي الأبعاد-دقيقًا لهذا الكائن وتكرار ميزاته. وبحسب هذا الموقع، فقد طور عالم الفيزياء المجري البريطاني دينيس جابور نظرية الهولوغرام الحديثة عام 1947م، أثناء عمله على مجهر إلكتروني. وبالرغم من ذلك، فإن التصوير المجسم البصري لم يتطور بشكل جاد إلا بظهور الليزر في عام 1960م، حيث يُصدر الليزر دفقة قوية من الضوء لا تدوم سوى بضع نانوثانية؛ مما يتيح إمكانية الحصول على صور مجسمة لأحداث عالية السرعة، مثل سهم أو رصاصة خلال عملية إطلاقهما وحتى إصابة الهدف. وتجدر الإشارة إلى أنه تم الكشف عن أول صورة بشرية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الليزر في عام 1967م؛ مما مهد الطريق لتطوير تقنية الهولوجرام، إضافة إلى العديد من تطبيقاتها الأخرى.
توظيف واجتماعات عن بُعد
ويبدو الدور المهم لتقنية الهولوجرام وتوظيفها في عالم الإدارة، ولا سيما بمجال التوظيف، من خلال مقابلات واجتماعات ومؤتمرات التوظيف عن بُعد، حيث يبرز موقع UCTODAY هذا الجانب الذي يعرف بـ Webex Hologram، إذ تم إطلاقها عام 2021م، حيث تقدم إضافة حقيقية ومرونة ملحة على كافة المستويات الإدارية، سواء بالنسبة للقيادات الإدارية، أو منسوبي الجهات المختلفة. فبالنظر إلى أن 64% من الموظفين يرون أن المرونة في العمل عن بُعد تؤثر بشكل مباشر على قرارهم إما بالبقاء في وظائفهم أو الاستقالة منها؛ فإن الشركات ستتيح بشكل متزايد ترتيبات العمل المرنة. إذ أن هذه التقنية تتيح الاجتماع في الوقت الفعلي/الحقيقي، حيث الجمع بين إمكانات اجتماعات Webex الغنية بالميزات والصور المجسمة ثلاثية الأبعاد، ومساعدة الفرق التي يتطلب أداء عملها المزيد من المشاركة العملية أثناء الاجتماعات، وهو أمر مستحيل أثناء العمل عن بُعد.
ويسلط UCTODAY الضوء على عدد من الإمكانيات والميزات التي تتيحها تقنية الهولوجرام في هذا الشأن، والتي من بينها ما يلي:
• القدرة على تقديم الصور المجسمة التفاعلية ثلاثية الأبعاد: فقد يشارك مقدم العرض أو منظم الاجتماع المعلومات المادية والرقمية باستخدام Webex Hologram؛ مما يتيح للمستخدمين المشاركة في إثراء هذه الاجتماعات والمزيد من التفاعل.
• التعاون في الواقع المعزز: توفر هذه التقنية صورًا ثلاثية الأبعاد، واقعية في الوقت الفعلي لأشخاص حقيقيين، على النقيض من مثيلاتها ثنائية الأبعاد، وهي إضافة متميزة تتيح للمشاركين تفاعلًا أكثر إثارة للاهتمام وواقعية؛ وهو ما يمكن أن يكون له تأثير هائل على التدريب وحل المشكلات.
• تجربة متعددة الأبعاد: فهي تتيح للعديد من الأشخاص المشاركة عن بُعد، بشكل أكثر اختلافًا وتميزًا وثراءً عما كانت عليه تقنيات الاجتماعات عن بُعد فيما سبق.
• السماح للموظفين عن بُعد بالمشاركة في جلسات واجتماعات أكثر فاعلية.
التدريب والتعلم
وعلى صعيد العملية التدريبية التي تعد القلب النابض لرفد عالم الإدارة بكوادر ذات مهارات وقدرات عالية، من خلال تنمية هذه المهارات؛ مما يتيح أمامهم آفاقًا أرحب في عالم التوظيف واقتناص الفرص الوظيفية، ومواكبة متطلبات السوق، يذكر موقع Takeleap أن المعرفة الواسعة بتجهيزات الهولوغرام التجارية Takeleap أسهمت في تطوير مراكز تدريب ثلاثية الأبعاد تواكب المعطيات الراهنة والمستقبلية. بحيث يمكن لكل مركز استيعاب ما بين 25-35 متدربًا ومتدربة. كما أنه بشكل تفاعلي وأكثر واقعية يظهر المدرب كصورة ثلاثية الأبعاد مباشرة، ويقوم بتدريب جميع المتدربين. وفي ضوء ذلك؛ يمكن إنشاء مؤسسات ومراكز تدريبية متعددة لتقديم التدريب في الوقت الفعلي.
كذلك يبرز موقع Lamasatech جانبًا يتعلق بتحسين التجربة التعليمية؛ من أجل إشراك الطلاب والمتدربين بشكل كامل، من خلال الدروس الرقمية التفاعلية في المؤسسات التعليمية والتدريبية، حيث يُعرف هذا المزيج من المعلومات الرقمية والحقيقية بالواقع المختلط. فيمكن تدريس المواد المعقدة باستخدام الصور ثلاثية الأبعاد التي يمكن للطلاب التفاعل معها واستيعابها بشكل أكثر فهمًا وتميزًا.
وبضفة عامة، يحدد كل من: عادل خان، وسكوت ميفرز، ومارك أوزبورن-من خلال ورقتهم العلمية عن تطبيقات الهولوجرام في عملية التعلم والتدريب-عددًا من أبرز مميزات هذه التقنية في هذا المجال، وتتمثل في الآتي:
1- يتمتع الدارسون أو المتدربون بميزة رؤية مجسمة ثلاثية الأبعاد.
2- يمكن عرض صور تعليمية وتدريبية بزاوية 360 درجة؛ مما يسمح لهم بالانخراط فيها.
3- يضفي الواقعية والمعايشة خلال عملية التعلم.
4- تتيح تقنية الهولوجرام دعم هذه العملية بالنماذج المفيدة لعملية التعلم والتدريب.
5- التصوير المجسم أحد أبرز الطرق العصرية الناجحة لتحفيز الطلاب.
4 مزايا مهمة
ويسلط موقع معهد FMI المعنِي بالتسويق وتطوره المستقبلي، الضوء على توظيف الهولوجرام في مجال التسويق والإعلان، مبينًا أن من أبرز تطبيقاتها العروض ثلاثية الأبعاد في اللافتات الرقمية، واللوحات الإعلانية، ومحطات نقاط البيع والأكشاك في الأماكن وخلال الأحداث المختلفة. ويكشف الموقع عن أبرز مزايا استخدامات الهولوجرام في هذا المجال، كالتالي:
• عامل المفاجأة: فلم تعد الإعلانات وطرق التسويق التقليدية تجذب الجمهور، وبخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، مقارنة بالجيل الجديد والعصري من هذه الإعلانات والطرق المجسمة ثلاثية الأبعاد، والتي أصبحت صيحة جديدة ربما تدفع الناس للتوقف ومشاهدة إعلانات الهولوجرام وربما التقاط صور معها؛ فالمسوقين يبحثون دائمًا عما هو جديد ومفاجئ لجذب انتباه واهتمام العملاء، وتمييز أنفسهم ومؤسساتهم وشركاتهم عن منافسيهم، لذلك أصبحت الإعلانات والتسويق باستخدام الهولوجرام ميزة تنافسية جديدة.
• عامل التجريب: بالإضافة إلى "عامل المفاجأة"، فإن الإعلانات باستخدام الصور المجسمة هي شكل من أشكال التسويق التجريبي. إذ لن يفوِّت غالبية العملاء إعلانًا ثلاثي الأبعاد دون ملاحظته، فهو بمثابة ترفيه للمشاهد. إنها ليست مجرد لوحة إعلانات بسيطة أو إعلانًا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل تسمح إعلانات الهولوجرام لهم بتجربة طبيعتها ثلاثية الأبعاد ومراقبة مظهرها الديناميكي. وكمثال على ذلك، نجد أنه في أكتوبر 2018م، أطلق الصندوق العالمي للطبيعة حملة لزيادة الوعي حول الاتجار بالحيوانات. فقد كانت هناك صورة ثلاثية الأبعاد لفيل يتجول في شوارع لندن؛ من أجل تسليط الضوء على القضية وتشجيع الناس على التوقيع على عريضة لإنهاء الاتجار غير المشروع في الحياة البرية. وقد كان الهدف من تجسيم الفيل باستخدام تقنية الهولوجرام بالحجم الطبيعي جذب انتباه الناس. وبالفعل، فقد حققت هذه الحملة الإعلانية نجاحًا كبيرًا بسبب الاستخدام الجديد التجريبي للهولوجرام.
• التذكر: مما لا شك فيه أن كلًا من عامل المفاجأة، والقدرات التجريبية للصور المجسمة يعدان كتجربة لا تُنسى للمشاهد؛ إذ لا يكتفي المستهلكون بالنظر إلى إعلان الهولوغرام ثم نسيانه، فهو يترك لديهم انطباعًا مؤثرًا عليهم، قد يحفزهم على مشاركة تجربتهم في مشاهدة إعلان الهولوجرام مع أصدقائهم ومتابعيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، عندما أدار الصندوق العالمي لحماية الطبيعة حملة فيل الهولوجرام-السابق الإشارة إليها-لجأ الكثيرون إلى Twitter للنشر عن هذا الإعلان أو هذه الحملة الإعلانية. لذلك فإن جودة الصور المجسمة التي لا تُنسى تقدم ميزة قابلية المشاركة. وسواء كان ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في رسالة مباشرة؛ فإن الصور المجسمة لديها القدرة على البقاء في أذهان المستهلكين، وحثهم بشكل كبير على مشاركتها مع الآخرين.
• إضفاء الطابع الشخصي: أخيرًا، تتمتع الصور المجسمة بالقدرة على إنشاء بيئة مخصصة للمستهلك. ففي أكتوبر من عام 2019م، دخلت Walmart في شراكة مع HYPERVSN لإنشاء كتالوجات تسويقية ثلاثية الأبعاد، بحيث ستسمح هذه الكتالوجات للمستخدمين بالتمرير بضغطة واحدة، مع ظهور المنتجات أمامهم بشكل مجسم ثلاثي الأبعاد.
تخزين البيانات
ويلفت موقع ssla إلى أن أحد أبرز التطبيقات العصرية لتقنية الهولوجرام، والذي يمكن توظيفه على نحو متعدد الاستخدامات، هو تخزين البيانات، والذي يعد مجالًا واعدًا، ولا سيما في جانب التوظيف. إذ أنه باستخدام تقنيات تخزين البيانات الثلاثية الأبعاد، يمكن تخزين كمية كبيرة من المعلومات داخل بلورات أو بوليمرات عالية الكثافة. تتمثل ميزة هذا النوع من تخزين البيانات في استخدام الحجم الكامل لوسيط التسجيل، حيث إن سرعة الكتابة تبلغ جيجابت في الثانية، مقابل سرعة قراءة تقدر بـ تيرابت في الثانية. لذلك، فإن التخزين الهولوجرافي لديه القدرة الفائقة على أن يصبح الجيل التالي من وسائط التخزين.
الذكاء الاصطناعي والتطوير
ويستشرف موقع Respeecher مستقبل الهولوجرام-بصفة عامة-مؤكدًا أن التطوير المستقبلي للتصوير المجسم يكمن في تقاطع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية واستنساخ الصوت؛ مما سيسمح بالزيادة المستمرة في قوة الحوسبة في جميع أنحاء العالم، عبر إنشاء نماذج بشرية رقمية تقدم بوتيرة متسارعة باستمرار، بحيث يبدو من الصعب تمييزها عن النماذج الحقيقية. وفي المقابل، سيؤدي تطور تقنيات هذا التصوير إلى زيادة توفرها وإمكانية نقلها.
وعلى جانب آخر، فإن الواقع المعزز لن يتطلب بعد الآن ارتداء نظارات خاصة، ولكن سيتم دمجه مباشرة في كائنات المناظر الطبيعية. ولا يسعنا مع هذا التطور الكبير إلا أن نتخيل كيف ستتغير مدننا وحياتنا مع استمرار تسارع وتيرة التطور التكنولوجي.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة