مع عدم الإخلال

​​ترد في العديد من الأنظمة السعودية عبارة (مع عدم الإخلال)، وذلك عند إحداث قاعدة قانونية جديدة والتأكد من عدم إخلالها بأي قاعدة قانونية خاصة، أو حتى عامة تنظم مسألة معينة، أو للتأكد من عدم إخلالها بأي عقوبة أشد، أو على حسب ما يهدف إليه المنظم من استخدام هذه العبارة. وعند البحث في قواميس اللغة العربية عن معنى (مع عدم الإخلال بكذا)؛ نجد أن معناها هو (مع أخذه في الحسبان). والإخلال هو التقصير وعدم الالتزام.

ويلجأ المنظم لهذه الصيغة في الأنظمة التي تنظم مصالح عامة، ويُحتمل أن تكون هذه المصالح محمية بموجب أنظمة أخرى، على أنه قد لا يكون مناسباً اللجوء لهذه الصيغة في الأنظمة التي تكون منظمة لمصالح خاصة، ولا سيما وأن ذلك يكون إعمالاً للقاعدة القانونية (الخاص يقيد العام). إلا أنه يُلجأ لعبارة (مع عدم الإخلال) بشكل ملحوظ في الأنظمة الجزائية الخاصة؛ وذلك لتأكيد إيقاع العقوبات الأشد التي قد ترد في الأنظمة الجزائية الأخرى. ولعلنا أن نورد بعض الأمثلة على الاستخدامات المختلفة لهذه العبارة في الفقرات التالية لكي تتضح الصورة.
عدم التعارض
أولاً، قد يرد استخدام هذه العبارة في الصياغة القانونية للدلالة على عدم إخلال نص قانوني معين بأحكام نص قانوني آخر في ذات النظام؛ وذلك درءً لتعارض النصوص القانونية. على سبيل المثال، نصت المادة الستون من نظام العمل على: (مع عدم الإخلال بما تضمنته المادة (الثامنة والثلاثون) من هذا النظام، لا يجوز تكليف العامل بعمل يختلف اختلافاً جوهرياً عن العمل المتفق عليه بغير موافقته الكتابية، إلا في حالات الضرورة التي قد تقتضيها ظروف عارضة، ولمدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً في السنة). وبالرجوع للمادة الثامنة والثلاثين نجدها تنص على: (لا يجوز لصاحب العمل توظيف العامل في مهنة غير المهنة المدونة في رخصة عمله، ويحظر على العامل الاشتغال في غير مهنته قبل اتخاذ الإجراءات النظامية لتغيير المهنة). وبالنظر لنصوص المادتين نجد أنه قد يحدث تعارض بينهما عند التطبيق، ولكن النص على عبارة (مع عدم الإخلال) عالج هذا التعارض، بحيث إنه لا يجوز تكليف العامل حتى في حالات الضرورة بالعمل في مهنة أخرى غير تلك المدونة في رخصة العمل.
الأنظمة الجزائية الخاصة
ومن ناحية أخرى، يُلجأ لهذه الصيغة بشكل ملحوظ في الأنظمة الجزائية الخاصة لتأكيد إيقاع العقوبات الأشد التي قد ترد في الأنظمة الجزائية الأخرى. على سبيل المثال، نصت المادة الخامسة والثلاثون من نظام حماية البيانات الشخصية على: (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في نظام آخر، تكون عقوبة ارتكاب المخالفات الآتية وفقاً لما دون أمامها: أ- كل من أفصح عن بيانات حساسة أو نشرها مخالفًا أحكام النظام: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (سنتين) وبغرامة لا تزيد على (ثلاثة ملايين) ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ إذا كان ذلك بقصد الإضرار بصاحب البيانات أو بقصد تحقيق منفعة شخصية)، وذلك يعني أن على القاضي ناظر الدعوى البحث في الأنظمة الجزائية الأخرى، فإذا كان هناك عقوبة أخرى لهذه الجريمة منصوص عليها في نظام آخر، يقضي بالعقوبة الأشد.
التحديد عند التعارض
إن استخدام عبارة عدم الإخلال في الصياغة القانونية يهدف لتحديد القاعدة القانونية التي تطبق عند حدوث تعارض بين الأنظمة. وفي هذا الشأن قررت المحكمة الإدارية العليا مبدأً قضائياً عن أثر تضمن النظام الحديث عبارة عدم الإخلال بما تقضي به الأنظمة الأخرى. حيث أوضحت المحكمة أنه: "إذا تضمن نظام جديد مثل عبارة (مع عدم الإخلال بما تقضي به الأنظمة الأخرى) ونحوها، فإنها تتعلق بما لم يرد به نص خاص في النظام الجديد يتضمن حكماً قطعي الدلالة على تنظيم هذا الأمر، بدلاً من الأنظمة السابقة. فإذا تضمن النظام الجديد نصاً قاطع الدلالة على تنظيم هذا الأمر؛ فإنه يكون مُلغياً للنظام السابق حتى تتحقق الغاية والهدف من إصدار النظام الجديد. أما إذا لم يتضمن النظام الجديد نصاً قاطعاً في تنظيم هذا الأمر؛ فإن نصوص الأنظمة السابقة تبقى قائمة ولا يكون لهذا التنظيم الجديد أثر في سريانها. ونخلص مما سبق، إلى أن استخدام عبارة (مع عدم الإخلال) يهدف أساساً إلى الحد من تعارض الأنظمة، ولكنه في الوقت نفسه قد يسبب إشكاليات في تحديد النص الواجب التطبيق، خاصةً في القواعد القانونية المتعلقة بالعقوبات.


 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة