دراسـة عـن تحديــات الابتكار في القطاع العام السعودي:

​​​​الابتكار هو فرس الرهان الذي تسعى المنظمات المختلفة إلى أن تمتطي صهوته؛ حتى تذهب بعيدًا وتتميز في سباق سوق المنافسة المحتدمة. وتعد منظمات القطاع العام أحوج من غيرها إلى ترسيخ مفهومه وممارساته لديها، والتي تصطدم بمواجهة العديد من التحديات التي يجب أن تبحث عن حلول جذرية لتذليلها والتغلب عليها بشكل نهائي، وهو ما لن يتحقق بدون التعرف على واقع هذا الابتكار. وهو الموضوع الذي تبحثه الدراسة التي أعدها كل من: د.بدر بن جزاء الحربي، ود.محمد عبدالرحمن إسماعيل، ونشرتها مجلة الإدارة العامة الصادرة عن معهد الإدارة العامة، ونستعرض معكم أبرز ما تضمنته في السطور التالية.

معرفي مهم
ينظر خبراء الإدارة إلى الابتكار باعتباره من أبرز الموارد المعرفية في المنظمات المختلفة، ويحظى باهتمام أكبر من اهتمامها بمواردها التقليدية الطبيعية؛ فقد أصبح الابتكار اليوم ضرورة للحكومات ومنظمات القطاع العام، لما له من تأثير إيجابي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والجدير بالذكر أن التطورات والأزمات المتلاحقة خلال السنوات القليلة الماضية أوضحت أهمية ذلك، ولا سيما خلال جائحة كوفيد-19 التي رفعت من مستوى الابتكار في معظم بلدان العالم.
اهتمام المملكة ورؤيتها
وفي ضوء ذلك؛ تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا خاصًا بقطاع الابتكار والعلوم والتقنية، حيث تدعم المنظومة الوطنية للابتكار بكافة مؤسساتها، وتعمل على قدم وساق لتطوير مخرجاته وتطبيقها ضمن رؤية 2030 التي أولت برامجها اهتمامًا كبيرًا بالابتكار، وتحقيقًا لمستهدفات الرؤية وجهت حكومة المملكة جميع القطاعات للمشاركة في نشاط الابتكار وتوليد الأفكار والطرق والحلول التي تسهم في تطوير أنشطة وخدمات القطاعات المختلفة بالدولة، وأتاحت فرص التدريب والتعليم المستمر بخصوص الابتكار في التقنيات المتطورة وريادة الأعمال. وبصفة عامة، فبالرغم من أهمية هذا الابتكار لمنظمات القطاع العام وللمستفيدين من خدماتها على حد سواء، إلا أن نتائج البحوث والدراسات تشير إلى أن هذه المنظمات في العديد من الدول تواجه جملة من التحديات والمعوقات التي تحول دون الاستفادة من الابتكار في تطوير أنشطتها. وفي ضوء ذلك، هناك ندرة في البحوث التي تناولت مثل هذه التحديات، وهو الأمر الذي أدركه الباحثان؛ فأجريا هذه الدراسة.
3 خصائص و4 أنواع
يقرر الباحثان في مستهل الإطار النظري للدراسة أنه رغم وجود دراسات عديدة حول الابتكار، إلا أنه لا يوجد له تعريف موحد متفق عليه، بل إن هناك خلطًا بينه وبين كل من الإبداع والاختراع؛ بسبب العلاقة بينهم. ويشير الباحثان إلى أن التعريف الأوضح للابتكار أنه يعد التطبيق العملي للأفكار المبدعة. أي أنه أعم من كل منهما على حده، ويتضمنهما. لذلك يرى بعض المعنيين أن الابتكار ما هو إلا الإبداع أو الاختراع يضاف إليهما التطبيق.
وبشكل عام فإن أهم ما يميز الابتكار في القطاع العام هو إحداث تغيير كبير في الخدمات والمنتجات المقدمة من منظماته، من خلال إنتاج حلول متعددة تشمل على سبيل المثال: التنظيم الإداري، والسياسات والبرامج وطرق العمل والعمليات التشغيلية. ويلخص بعض المتخصصين خصائص الابتكار في كل من: الأصالة، والتنفيذ، والأثر. ويقسم البعض الآخر أنواع الابتكار في القطاع العام إلى 4 وهي: ابتكار المنتج، وابتكار العمليات، والابتكار التنظيمي، والابتكار في الاتصال.
محفزات داخلية وخارجية
وتشير الأدبيات إلى أن الابتكار هو عملية تتأثر بعوامل مختلفة، داخلية وخارجية؛ بحيث يمكن تصنيف محفزاته على النحو الآتي:
• محفزات الابتكار الداخلية: وتتضمن كلًا من: استراتيجية المنظمة، وممارسات القيادة، والثقافة التنظيمية، وتوفر الموارد، والدعم الإداري، ومشاركة الجميع في الابتكار، وريادة الأعمال.
• محفزات الابتكار الخارجية: وتشمل كلًا من: الاستقرار السياسي، والعوامل الاقتصادية، والعوامل الاجتماعية، والتحفيز، والعوامل التقنية، والتعاون مع المراكز البحثية والجامعات، والموردون والعملاء.
تحديات واقعية
وبناء على ما سبق؛ تجمل هذه الأدبيات تحديات الابتكار في منظمات القطاع العام في التالي:
• التحديات الداخلية: وتتحدد في 17 تحديًا وهي: ضعف الحوافز والمكافآت، ومقاومة التغيير، وثقافة تفادي المخاطر، وضعف المهارات في إدارة التغيير بين مديري القطاع العام، والبيروقراطية، وضغوط الأعباء الإدارية لهؤلاء المديرين، والنماذج التطبيقية القديمة، والإفراط في الاعتماد على استغلال الموارد الموجودة، والتردد في وقف الطرق والأساليب الفاشلة، والمشاريع عالية المخاطر، وعدم كفاية الوقت، وعدم تهيئة المرافق للابتكار، وعدم تضمين نشاط الابتكار في الاستراتيجية، وضعف الدعم من الرؤساء أو المشرفين المباشرين، والتغيير المتكرر للرؤساء والمديرين، ونقص التأهيل والتدريب في مجال الابتكار، والحلول المبتكرة.
• التحديات الخارجية: وتشتمل على 4 تحديات هي: انخفاض مستوى التعليم، وغياب المنافسة، والفشل في صياغة السياسات الداعمة للابتكار، ونقص التمويل.
4 نتائج و6 توصيات
وقد خلصت هذه الدراسة إلى العديد من النتائج، والتي من أبرزها أن معظم منظمات القطاع العام تولي اهتمامًا كبيرًا بالابتكار فيما يتعلق بالاستراتيجيات المعنية به وبحرصها على إدخال تقنيات أو استحداث طرق جديدة تسهم في تطوير الأداء، في حين لا تولي معظمها اهتمامًا بإنشاء المختبرات الخاصة بالابتكار وتطوير الأنظمة لتقييم الأفكار المبتكرة، وإنشاء جوائز للأفكار الابتكارية. كما توصلت الدراسة إلى أن موظفي منظمات القطاع العام لديهم القدرة على توليد الأفكار الابتكارية وتطبيقها في جهات عملهم، وأن التحديات التي تواجه هذه المنظمات تتمثل في عدم ملاءمة بيئة الابتكار، وضعف إدارة التغيير، ونقص الموارد، وضعف إدارة الابتكار.
وفي ضوء ذلك تبدي الدراسة عددًا من التوصيات، والتي من أبرزها: تقديم حوافز معنوية ومادية للمبتكرين، ونشر وتعزيز ثقافة الابتكار في منظمات القطاع العام، وإنشاء جوائز ومسابقات للابتكار، وإنشاء وحدات إدارية تُعنى به، والشراكة والتعاون بين تلك المنظمات والمراكز البحثية والجامعات، وبناء مؤشر للابتكار الحكومي.


 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة