الاستماع الاجتماعي لحديث العملاء وتطوير الأداء

إعداد/ د.أحمد زكريا أحمد​​

​​​فرضت مواقع التواصل الاجتماعي نفسها وبقوة على عالمنا المعاصر الذي انتقل إلى عالمها، بكل ما يزخر به من زخم؛ أتاح لمستخدميها التعبير عن أفكارهم، وميولهم واتجاهاتهم، ومشاعرهم. وكان من الضروري أن تتسابق الشركات وغيرها من الجهات المختلفة إلى التواجد بين جنبات هذا العالم، بحيث تلتمس أصوات ما يتناوله ويتداوله جمهورها وغيره من مستخدميها. لذلك برزت الحاجة والأهمية لاستماع هذه الأصوات؛ فظهر مفهوم ومصطلح "الاستماع الاجتماعي"، إذ طور المتخصصون والخبراء أساليب وأدوات لقياس ما يتم تناوله وتداوله؛ كي تستطيع هذه الشركات ومختلف الجهات أن ترسم سياساتها وتخطط لتطوير أدائها وتجويده وتسويق منتجاتها وخدماتها، بما يلبي تطلعات جماهيرها مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. فما هو المقصود بالاستماع الاجتماعي؟ وما مدى أهميته؟ وما هي أدوات قياسه؟ وكيف يمكن قياسه؟ وما أبرز أوجه اختلافه عن المراقبة الاجتماعية؟ وما هي مزاياه؟ وغيرها من التساؤلات التي تتابعون إجاباتها بالتفصيل في هذا التقرير.

مراقبة الشعور العام
يوضح موقع Our Data Our Selves مفهوم الاستماع الرقمي (الاجتماعي)، فينظر إليه كمصطلح شامل يعبر عن مراقبة وتحليل ما يفعله أو يقوله شخص ما على منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتوتير. وخلال هذه العملية، يتم تحليل كل من: السلوك (مثل إعادة التغريد، أو الإعجاب، أو مشاركة صورة، أو التعليق على منشور)، والمحتوى (مثل الوسوم، والتغريدات، والمنشورات، والتعليقات). وتستطيع الشركات التي تقدم هذه الخدمات أن تحدد أي موضوعات تناقش بين المستخدمين في وقت معين، كما يمكنها مراقبة الشعور العام الغالب على المحتوى، أي ما إذا كان الناس لديهم شعور سلبي أو إيجابي. 
حديث العملاء
ويؤكد موقع everyonesocial أنه مع إجراء المزيد من المحادثات على المنصات العامة وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبح الاستماع الاجتماعي مورداً قيماً للشركات لفهم عملائها بشكل أفضل؛ وهو ما تؤكده الإحصاءات المتاحة في هذا الشأن، والتي تجزم بمدى فعالية هذا الاستماع وقوته للمسوقين وصناع القرار في مجال الأعمال. إذ يعد الاستماع الاجتماعي مكونًا رئيسيًا لاستراتيجية مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأن المستهلكين يتحدثون عن شركتك-بالتأكيد-كثيرَا عبر الإنترنت. فهذا هو حديث العملاء عن هذه الشركات؛ حيث إن أساس أي فريق تسويق أو مبيعات ناجح هو معرفة هؤلاء العملاء. فكلما زادت التفاصيل المتاحة عنهم؛ كلما كانت رسائلك وتحديد مواقع منتجاتك وخدماتك أفضل. فقد سهلت هذه المواقع على تلك الشركات الحصول على تعليقات مباشرة من المستخدمين والعملاء المحتملين.
فالاستماع الاجتماعي هو طريقة لجمع محادثات المستهلكين عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاستفادة منها، وفهم احتياجات العملاء ومشاعرهم بشكل أفضل، وتطوير ممارسات تسويق إبداعية وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل. كذلك يعد الاستماع إلى الشبكات الاجتماعية مكونًا رئيسيًا لأبحاث العملاء ويمكن أن يكون له تأثير كبير على صافي أرباح الشركة.
مراقبة أم استماع
وتجدر الإشارة هنا إلى ملحوظة مهمة، وهي أنه ربما يخلط البعض بين مفهومي الاستماع الاجتماعي والمراقبة الاجتماعية، بالرغم من أن الأول مفهومه أعم وأشمل، وأعمق، ويرتبط بتطوير الأداء على نحو متميز. لكن يمكن إجمال أبرز الاختلافات بينهما، على النحو التالي:
• يحدد موقع Coursera اختلافين مهمين بين الاستماع الاجتماعي والمراقبة الاجتماعية، وهما:
• أولًا من حيث مدى التركيز، فبينما يركز الاستماع الاجتماعي بشكل واسع على العلامة التجارية، والصناعات، وفئات المنتجات، والجماهير، وغير ذلك. نجد أن المراقبة الاجتماعية تهتم بالتركيز الضيق على شركة معينة أو حملة أو علامة تجارية أو منتج.
•    أما الاختلاف الثاني فيتمثل في أن الاستماع الاجتماعي يهتم بتفسير محادثات مواقع التواصل الاجتماعي المتداولة بين مستخدميها بشكل عام-باستمرار-لتطوير أساليب التسويق على المدى الطويل. بينما تُعنى المراقبة الاجتماعية بالاستجابة للإشارات الفردية المعنية بالعلامة التجارية.
• ويشير موقع everyonesocial إلى أنه على عكس المراقبة الاجتماعية التي هي عبارة عن تتبع المحادثات حول منتج أو علامة تجارية والرد عليها على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الاستماع الاجتماعي يأخذها خطوة إلى الأمام من خلال استخلاص الأفكار من هذه الإشارات واستخدامها لتحسين استراتيجية العمل.
• ويوضح موقع SproutSocial-المعني بأدوات الاستماع الاجتماعي-أن المراقبة الاجتماعية تخبرك كل من: كم مرة تم ذكر علامتك التجارية؟ وماذا قيل عنها؟ بينما يُعنى الاستماع الاجتماعي بكل من: لماذا تم ذكرك أو ذكر هذه العلامة؟ وما الهدف من ذلك؟
• كذلك-طبقًا للموقع نفسه-فإنه إذا كانت مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي تهتم بأرقام قياس معدل المشاركات وعدد الإشارات والمشاركات ذاتها، فإن الاستماع الاجتماعي يتجاوز مثل هذه الأرقام إلى التركيز على الحالة المزاجية وراء البيانات الخاصة بالجمهور ومستخدمي هذه المواقع.
علاقته بالأداء والتخطيط
ويستعرض موقع SocialMediaToday أبعاد تقرير حالة اعتماد الشركات وغيرها من الجهات على الاستماع الاجتماعي لعام 2022م، مبينًا أنه وفقًا لنتائج الاستطلاع الذي تم إجرائه على أكثر من 650 من المعنيين بعلاقة الاستماع الاجتماعي بتطوير الأداء؛ فإن ما يقرب من 61% من الشركات لديها الآن نظام استماع اجتماعي معمول به، وتهتم بمراقبة الإشارات عبر الكلمات المفتاحية. كما يرى غالبيتهم أن الاستماع الاجتماعي يعد عملية قيِّمة للغاية، إذ ينظر إليها أكثر من 82% منهم أنها أصبحت حاليًا عنصرًا رئيسيًا للتخطيط في هذه الشركات وغيرها من الجهات.
8 أسئلة مهمة
ويلفت موقع Coursera إلى ضرورة طرح 8 أسئلة مهمة لتوجيه وترشيد جهود الاستماع الاجتماعي بشكل أفضل؛ لتطوير الشركات والمنظمات المختلفة، والمتمثلة في الآتي:
• كيف يشعر جمهورك تجاه مؤسستك؟
• كيف يشعر هذا الجمهور تجاه منافسيك؟
• كيف يشعر جمهورك تجاه الموضوعات المتعلقة بمنتجاتك وخدماتك؟
ما الموضوعات التي يناقشونها أو يظهرون الاهتمام بها عبر الإنترنت؟
•  ما أفضل احتياجاتهم ورغباتهم وأهدافهم؟
•  ما التحديات التي يواجهها المستهلكون في هذه المجموعة؟
•  ما الأسئلة التي يطرحونها بشكل متكرر؟
•  ما أفضل طريقة للتواصل مع جمهورك المستهدف؟
إحصاءات مهمة
وتتطرق "كورتني موريسون"-عبر موقع everyonesocial-إلى أبرز المؤشرات والاستخلاصات الإحصائية التي رصدتها وخلصت إليها العديد من الجهات والمواقع الموثوقة والمتخصصة فيما يتعلق بالعلاقة بين مواقع التواصل الاجتماعي واهتمام تلك الشركات والجهات بها، وهي كالتالي:
1- أصبح 50% من المسوقين في جميع أنحاء العالم يعتمدون على الاستماع الاجتماعي؛ لفهم تفضيلات المستهلكين.
2- استخدمت 51% من الشركات والعلامات التجارية المراقبة الاجتماعية/الاستماع بشكل أو بآخر.
3- يعتقد 63% من المسوقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن الاستماع الاجتماعي سيصبح أكثر أهمية خلال العام المقبل.
4- على الصعيد العالمي، يستخدم أكثر من 3,6 مليار شخص مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 4,41 مليار شخص في عام 2025م.
5- يستخدم كل شخص-في المتوسط-هذه المواقع بمعدل ساعتين و25 دقيقة.
6- يستخدم جيل الألفية مواقع التواصل الاجتماعي لمدة ساعتين و38 دقيقة في المتوسط يوميًا، مقابل ساعتين و55 دقيقة للجيل Z.
7- تعتمد 54% من المتصفحات الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن المنتجات المختلفة.
8- أكثر من مليون شخص يشاهدون التغريدات المتعلقة بخدمة العملاء، والتي 80% منها تغريدات سلبية.
9- يمكن أن يؤدي الرد على شكوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى زيادة تأييد العملاء بنسبة 25%.
10- 96% من العملاء غير الراضين عن منتج/منتجات/خدمة/خدمات معينة، أو عن أداء الشركة بصفة عامة، لن يخبروك-مباشرة-بموقفهم هذا، ولكنهم سيخبرون 15 صديقًا عن خيبة أملهم عن ذلك.
11- يتوقع 79% من المستهلكين أن تستجيب العلامات التجارية في غضون يوم واحد من التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن متوسط معدلات استجابة العلامة التجارية في جميع المجالات نسبتها أقل من 25%.
12- الأشخاص الذين يشاركون إشارات سلبية للعلامة التجارية هم أكثر عرضة لاتباع علامة تجارية بمقدار النصف من أولئك الذين يشاركون الإشارات الإيجابية.
13- يعتقد 73% من المسوقين أن جهودهم من خلال التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت "فعالة إلى حد ما" أو "فعالة جدًا" لأعمالهم.
14- يرسل 59% من المستهلكين رسائل إلى الشركات والعلامات التجارية المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي عندما يتمتعون بتجربة رائعة.
15- يُعد الاحتفاظ بالعملاء أكثر قيمة من العثور على عملاء جدد؛ حيث إن الوصول إلى عميل جديد يكلف 7 أضعاف.
16- 91% من المستهلكين غير الراضين لن يعودوا أبدًا.
17- العملاء الذين يستشعرون احتواء الشركات المختلفة لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ سيصبحون أكثر ارتباطًا من غيرهم بهذه الشركات بنسبة تصل إلى 40%.
18- تتلخص أبرز 4 أسباب وراء عدم متابعة المستهلكين لعلامة تجارية ما على مواقع التواصل الاجتماعي في كل من: الجودة الرديئة للمنتج وخدمة العملاء الرديئة بنسبة 49% لكل منهما على حده، والمحتوى غير ذي الصلة والكثير من الإعلانات بنسبة 45% لكل منهما على حده.
19- تساعد المراقبة الاجتماعية العلامات التجارية على زيادة معدل نشاطها بنحو 25%، وتقليل وقت رد الفعل على القنوات الاجتماعية بمقدار 50 دقيقة.
20- يرى 71% من المسوقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنهم قادرون على تقديم رؤى المستهلك من قنوات التواصل الاجتماعي إلى الأقسام الأخرى.
4 مرتكزات للقياس
كذلك تُبرز "موريسون"-عبر موقع everyonesocial-4 مرتكزات يستند إليها المتخصصون في قياس الاستماع الاجتماعي، وهي:
•  حجم المحادثة: إذ يتم رصد كم عدد الإشارات إلى الشركة أو العلامة التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي.
•  معدل المشاركة: والذي يتضح من خلالها فهم كيفية تفاعل الأشخاص مع هذه الشركة أو العلامة التجارية، من خلال مراقبة التعليقات، والردود، والمشاركات، والإعجابات.
•  ميول العملاء ومشاعرهم: سترغب هذه الشركات في تتبع مقدار ما يردده الناس عن علاماتها التجارية، ولا سيما الإيجابي مقابل السلبي؛ مما يساعدها في قياس المشاعر في إدارة الأزمات وتوفير تجربة أفضل للعملاء.
•  إشارات المنافسين: بمراقبة تفاعلاتهم الاجتماعية، وإعلانات المنتجات، وحجم المتابعين، والإشارات المختلفة.
24 أداة 
وفي ضوء هذه التكنيكات والمرتكزات في عملية قياس الاستماع الاجتماعي، فإن أدوات قياسه متعددة على نحو كبير، وهو ما يرصده لنا "ورنر جيسر"-عبر موقع InfluencerMarketingHub-من خلال أبرز 24 أداة مستخدمة في هذه العملية خلال عام 2022م، وهي: Brand watch Consumer Intelligence، وDigimind، وBrand24، وAgoraPluse، وYouScan، وBrandMentions، وBuzzSumo، وSprout Social، وTalkwalker Analytics، وMeltwater، وNetBase، وSynthesio، وCyfe، وKeyhole، وMention، وAwario، وReviewInc، و67Engage، وSprinklr، وSocialbaker، وMentionlytics، وZoho Social، وCritical Mention، وHootsuite.
ويضيف آخرون عددًا من الأدوات الأخرى، والتي قد تكون بعضها ذات استخدامات متخصصة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، مثل أداة TweetDeck المتخصصة في مجال الاستماع الاجتماعي الخاص بـ "تويتر". إضافة إلى أدوات عامة أخرى، مثل Buffer، وGoogle Trends، وGoogle Alert، وغيرها.
10 مزايا
ويتفق الخبراء والمتخصصون في هذا المجال على أن هذه الأدوات تبرز أهمية الاستماع الاجتماعي، من خلال مزايا استخدامها، والتي-بحسب "جيسر"-تتحدد في 10 مزايا متحققة من استخدام هذه الأدوات في عملية قياس الاستماع الاجتماعي، على النحو الآتي:
1- تتعرف الشركات والجهات على موقفها بالنسبة للجمهور.
2- الفهم التام للعملاء.
3- اكتشاف الفرص السانحة والعملاء المحتملين.
4- الاستجابة السريعة والتعامل مع الميول السلبية عن الشركات والعلامات التجارية المختلفة.
5- يمكن تتبع المنافسين والتعرف على مواقفهم في سوق المنافسة.
6- تحسين رضا العملاء.
7- بناء علاقات قوية مع الجمهور.
8- يمكن ابتكار المزيد من المحتوى المستهدف.
9- التحديد السريع للمشكلات وحلولها.
10- تحديد سفراء العلامات التجارية للشركات والجهات المختلفة.
اقتراحان لمعهد الإدارة العامة
وفي ختام هذا التقرير، وما سبق توضيحه عن أهمية ودور الاستماع الاجتماعي الذي أصبح مرتكزًا مهمًا في جمع البيانات عن جمهور الشركات والمنظمات والجهات المختلفة، وعلاقته بكل من: أدائها بصفة عامة، والتخطيط فيها، والتسويق لمنتجاتها وخدماته، إضافة إلى التزايد الكبير في استخداماته؛ يمكن إبداء اقتراحين مهمين أمام معهد الإدارة العامة، وهما:
•  الأول يتعلق بإحداث حقيبة تدريبية تُعنى بتدريب المعهد منسوبي الجهات السعودية المختلفة على أساليب وأدوات الاستماع الاجتماعي؛ بما يفيد جهاتهم، ويجعلها تواكب متغيرات العصر الحالي وتداعياتها المستقبلية، وتتعرف على صورتها الذهنية وسمعتها المؤسسية وأفضل سبل التسويق لمنتجاتها وخدماتها لدى جمهورها بين جنبات العالمين الافتراضي، والحقيقي، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبل تطوير أدائها وفق مرئيات هذا الجمهور.
•  أما الاقتراح الثاني، فيتعلق بإمكانية أن يبادر المعهد إلى إنشاء إدارة متخصصة في الاستماع الاجتماعي ضمن هيكله التنظيمي، بحيث تصبح إدارة متخصصة في رصد كل ما يتداوله ويتناقله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما "تويتر" و"سناب شات" و"إنستاجرام" و"لينكد إن" حول المعهد وأدائه؛ بما يفيد صناع القرار في تطوير وتجويد هذا الأداء، والتعاطي مع ميول واتجاهات وآراء هؤلاء المستخدمين.


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة