الاستقالة «الصامتة» تثير القلق.. «فيروس» جديد يضرب بيئات العمل

​​​ما هي الاستقالة الصامتة في بيئة العمل؟ وماهي أسباب لجوء بعض الموظفين لها؟ وكيف تعرف المنظمة أن هذا "الفيروس" الخطير انتشر فيها؟ وكيفية يمكن مواجهته؟

يمكن تعريف مصطلح "الاستقالة الصامتة" بأنه تركيز الموظفين، خصوصاً صغار السن، على الإنتاج في ساعات عمل محددة، وإنجاز المهام المرتبطة بالوظيفة فقط، والاكتفاء بذلك، والتخلي عن الرغبة في أي ميزات أخرى، كالترقية أو الوصول لمناصب أعلى، وعدم بذل جهد إضافي أو الانخراط في أي مهام أو مسئوليات أو أنشطة أخرى.
ولا تعني الاستقالة الصامتة ترك الموظف عمله، بل القيام بالمهام لكن بالحد الأدنى منها، ووضع حدود واضحة للأداء، بحيث ينفصل الموظف ضمنياً عن مكان عمله رغم، أنه يرتاده كل يوم منذ بداية الدوام وحتى نهايته، لكنه لا يؤدي أكثر من واجبه المحدد في الوصف الوظيفي مع البحث باستمرار عن فرصة عمل أخرى.
تثير القلق 
ويثير انتشار هذا المصطلح حالياً القلق في الكثير من منظمات العمل؛ في ظل تصاعد النقاش حول أهمية وضع حدود أكثر وضوحاً بين ساعات العمل والاستمتاع بالحياة، ويتبنى هذا التوجه بعض الموظفين- خصوصا الشباب- في مواجهة بعض المطالبين باحترام الثقافة العامة في الالتزام الصارم بالعمل ومهام الوظائف، ويؤكد أصحاب هذا التوجه أن جائحة "كورونا" وتداعيات العمل عن بعد رسمت للمجتمع أساليب جديدة في علاقة الناس بالعمل، وثقافة "الإخلاص في العمل"، وإعادة التفكير في اختياراتهم المهنية وطرق عيشهم.
لا تعني الاستقالة
وبعبارة أخرى، فإن الاستقالة الصامتة لا تعني الاستقالة الفعلية من العمل، ولكنها تعني القيام بالحد الأدنى المطلوب من العمل، حيث لا يستقيل الموظف من وظيفته، لكنه تخلى عن فكرة الذهاب إلى أبعد من ذلك؛ ومازال يؤدي واجباته المطلوبة منه في العمل، ولكنه لم يعد يشارك ويؤمن بثقافة أن العمل هو كل الحياة، وإن القيمة الشخصية لا يتم تحديدها من خلال العمل فقط.
الاستقالة الكبرى
وتشير تقارير إعلامية إلى--- أن أكثر من 3 ملايين شخص يستقيلون شهرياً، وفقا لمكتب الولايات المتحدة الأمريكية لإحصاءات العمل، في حين وصل عدد من يعملون بمفهوم "الاستقالة الصامتة"، في عام 2022م  إلى4.2 ملايين موظف. وكشفت أن أغلب هؤلاء الموظفين يعانون من الإرهاق، ويرتكبون المزيد من الأخطاء، ويكونون أكثر عرضة لانخفاض الروح المعنوية، وأن فيروس "الاستقالة الصامتة" قلب مفهوم العمل لديهم رأساً على عقب بعد أن أصبح لديهم المزيد من الوقت الكافي للتفكير والتشكيك في وظائفهم، والسعي إلى تحقيق المزيد من التوازن بين العمل والحياة.
سمات "الصامتة "
وهناك عدد من السمات للموظف الذي يعاني من "الاستقالة الصامتة"، ومن أبرزها: 
1- لا يتجاوز المهام المطلوبة منه. 
2- لا يتجاوب مع المهام خارج العمل نهائياً حتى وإن كانت طارئة. 3- الوصول للعمل متأخراً أو المغادرة مبكراً. 
4-عدم المساهمة مع الفريق بأي جهد. ويمكن أن تتخذ علامات "الاستقالة الصامتة" أشكالاً أخرى مختلفة، منها رفض الرد على رسائل البريد الإلكتروني خارج أوقات العمل أو خلال عطلات نهاية الأسبوع، ورسائل "الواتس آب"، وتخطي المهام الإضافية التي تقع خارج نطاق واجباتهم الأساسية، وعدم حضور الاجتماعات.
صرخة
وهناك من يرى أن "الاستقالة الصامتة" هي بمثابة صرخة من الموظف من أجل مساعدته، وشعوره بالألم والمرارة والاستياء؛ نتيجة الإرهاق وعدم التقدير، وأن على المدراء الاستماع إليه، واتخاذ إجراءات حقيقية لتحسين بيئة العمل. وحسب استطلاع أجرته شركة "أكسيوس أند جنريشن لاب" مؤخراً، قال 82% من المشاركين في الاستطلاع إن القيام بالحد الأدنى من العمل للحفاظ على وظائفهم أمر "جميل أو جذاب للغاية"، في حين قال 15% منهم إن هذا ما يفعلونه بالفعل.
وضع الحدود
وإن كانت الاستقالة الصامتة هي القيام بالحد الأدنى من الجهد؛ من أجل تأمين لقمة العيش، وليس السعي لتحقيق الإبداع في العمل، فقد أشار استطلاع آخر للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2022 أن 36% فقط من الموظفين أفادوا بأنهم موجودين في وظائفهم؛ لكنهم يبحثون عن وظيفة مختلفة لتحسين حياتهم.
الارهاق
ويرى الكثيرون أن الاستقالة الصامتة قد تساعد في تخفيف الإرهاق في العمل على المدى القصير، لكنها ليست حلاً طويل الأمد، كما يؤكد ذلك تقريراً نشرته قناة "سي إن بي سي" (CNBC) مؤخراً، أن على الموظفين الاستمرار بالمشاركة في فعالية في العمل، وأن الساعات التي يقضونها في وظائفهم يجب أن تكون فعالة، ويستمرون في النمو وتطوير مهاراتهم والاستفادة من الخبرات التي يقدمها الآخرون الذين لديهم المزيد من الخبرة والمعرفة، وقد تعيد اكتشاف إبداعاتهم وشغفهم الذي فقدوه والذي قد يجلب لهم المزيد من السعادة.
لا يعرفونها
وفي  السياق ذاته يرى عدد من الخبراء أن ظاهرة "الاستقالة الصامتة" داخل المنظمات قد لا يعرفها الكثير من المدراء، لأنها تتم بصمت من دون أي إجراء أو مطالبات حول الاحتياجات، والتحديات الحالية التي يواجهها الموظف، ولذا هي لا تحرك الأمور للأحسن أبداً، وأن هذا الأسلوب يعزز الكسل، ويضر الأداء حتى وإن تمت تلبية الاحتياجات الأساسية للوظيفة، وإنه يشكل انسحابا أو تخليا عن العمل وليس علاجا لحالات الانزعاج أو السخط من بيئة العمل، فالاستقالة الصامتة ليست فقط ترك الوظيفة، إنها خطوة نحو التخلي عن الاستمتاع بالحياة بشكل عام.


​​

 
 
جميع الحقوق محفوظة: معهد الإدارة العامة